كانت نتائج المناظرة الرئاسية الأمريكية لانتخابات نوفمبر 2024 بين الرئيس جو بايدن والمرشح الرئاسي دونالد ترامب مذهلة وكارثية بالنسبة لبايدن، حيث أظهرت هذه المناظرة أنّه في حالة صحية وذهنية يرثى لها، فلم تكن إجاباته واضحة، صافية وهادفة، إذ كان ينتقل من موضوع الى آخر دون أيّ تركيز. وقد اتّهمته بعض الأوساط الإعلامية التي أصيبت بالذهول بأنه مصاب بخرف مبكر، على الرغم من أنّه تواجد على مدى أسبوع في منتجع كامب ديفيد للتحضير لمثل هذه المناظرة من قبل أشخاص ومدربين ومتخصصين إعلاميين عملوا على تحضير الرئيس للمشاركة في المناظرة المرتقبة على شاشة الـ CNN الدولية.
وقد أشارت صحيفتا نيويورك تايمز والواشنطن بوست في مقالات لكبار الصحفيين والإعلاميين فيهما الى أنّ جو بايدن في وضع مزرٍ ويرثى له، ومن الصعب أن يكون مرشحًا للحزب الديمقراطي في الانتخابات المقبلة. وطالب العديد من الأوساط، خلال الساعات القليلة التي عقبت المناظرة، الى التفكير الجدّي في تغيير جو بايدن كمرشح للحزب الديمقراطي في مؤتمر الحزب الذي سيعقد في نهاية شهر آب/ أغسطس المقبل، حيث إنّ هذا الاقتراح يسوده نوع كبير من الإشكال السياسي لأنه من الصعب تغيير مرشح وجلب مرشح آخر في اللحظة الأخيرة.
وتسود حالة من الشماتة بين أوساط واسعة النطاق من التقدّميين من أعضاء الحزب الديمقراطي، كأعضاء عرب وآخرين، نظرًا لغضبهم الكبير على بايدن خلال الحرب على غزة، حيث هدّدت تلك الأوساط، خاصة في الولايات الوسطى كميشيغان وشيكاغو وأوهايو، بالإضافة الى أعضاء كونغرس عرب آخرين- هدّدوا بأنهم لن يصوتوا للمرشح بايدن في الانتخابات المقبلة، ذلك لأنهم غير راضين عنه.
هذا، وبرز أداء بايدن واضحًا للغاية عندما أتى الى إسرائيل مباشرة بعد السابع من أكتوبر ووعدها بتزويدها بالأسلحة الذكية وغير الذكية، ثم بعث وزير خارجيته أنطون بلينكن ومستشاره للأمن القومي جاك ساليبان ورئيس الـ "سي آي ايه" وليام بيرنز الى إسرائيل للتفاوض معها، ومع حماس بواسطة الوسطاء القطريين والمصريين، أكثر من ثماني مرات، كل واحد على حدة، بهدف التأثير على إسرائيل من أجل عدم التورّط وإطالة أمد الحرب، علمًا أنّ هذا يصب في مصلحة إسرائيل.
وبدلا من أن يهدّد إسرائيل بوقف المساعدات العسكرية والذخائر الذكية وغير الذكية فقد استمر في التماشي مع سياسة نتنياهو، والتي وصلت الى طريق مسدود عسكريًا، سياسيًا ودبلوماسيًا، حيث أدت هذه السياسة الى مواجهة إسرائيل مع جبهات سبع في الوقت نفسه، مع حماس في قطاع غزة وحزب الله في جنوب لبنان والحوثيين في اليمن والحشد الشعبي في العراق وسوريا والفلسطينيين في الضفة الغربية، إضافة الى المواجهة الكبرى التي حدثت مع إيران في الحادي عشر من شهر نيسان الماضي. وعلى الرغم من أن هذه الجبهات هي ضد إسرائيل، إلا أنها في نهاية الأمر تصبّ ضد الولايات المتحدة وإدارتها، فقد بات من المؤكد أن استمرار هذه المواجهات سوف تؤدي الى خسارة إقليمية للولايات المتحدة، حيث ستؤثر سلبًا على مصالحها في المنطقة.
وحتى لو هاجمت إسرائيل حزب الله في لبنان واشتعلت الحرب في الجبهة الشمالية فإنّ الولايات المتحدة ستكون هي أول الخاسرين أيضًا. ومن هنا فقد كان التحذير الأمريكي لإسرائيل واضحًا، وبدون أيّ التباس، بأن لا تقوم إسرائيل بأية مواجهة عسكرية مع حزب الله في لبنان، لأنّ تلك المواجهة سوف تُفقد الولايات المتحدة غالبية التأثير الإقليمي القليل الذي بقي لها في الشرق الأوسط.
كما أنّ الولايات المتحدة، وعلى الرغم من لقاءات مبعوثيها وموظفيها المتكررة مع نتنياهو وإدارته في واشنطن وتل أبيب، إلا أنّها لم تستطع إقناعه بكيفية إدارة الحرب على غزة، وباتت إدارة نتنياهو وإدارة بايدن متورّطتين في حرب ذات أبعاد إقليمية ودولية، فعلى الصعيد الإسرائيلي من الصعب حلّ الصراع، بشكل مطلق، على الجبهات الأربع كشمال البلاد غزة والضفة والحوثيين، أما الإدارة الأمريكية فقد باتت مصالحها على كفّ عفريت، ومن الصعب الخروج من هذه الأزمة في المنظور القريب أو البعيد.
وقد بدا واضحًا للعيان، في المناظرة بين بايدن وترامب، الضعف البنيويّ على الصعيد الشخصي لبايدن، إضافة الى عدم وجود أيّة رؤية سياسية للولايات المتحدة، بحيث أنّ هناك تشكيكًا قويًا لدى العديد من دول العالم في أيّ دور مستقبلي تلعبه إدارة بايدن، سواء أكان ذلك في أوكرانيا أو حلف الناتو أو روسيا والصين.
هذا، وليس من السهل بمكان أن يكون نجاح ترامب في المناظرة بمثابة نجاح لأيّ سياسة أمريكية ينتهجها ترامب فيما إذا انتخب في نوفمبر المقبل، ذلك أنّه أدين الشهر الماضي بـ34 تهمة فساد وغش مالي في محكمة فدرالية في نيويورك، وقال أيضًا في المناظرة بأنه لن يحترم قرار الناخب الأمريكي، إضافة الى تهم قوية تتعلق بالأخلاق وبممارسة الجنس مقابل المال مع امرأة أمريكية، وهي الموجودة على المحك، إذ يمكن أن يسجن في أي وقت قبل الانتخابات المقبلة ويودع في السجن.
أما بما يتعلق بالحزب الديمقراطي فقد بات واضحًا بأنه يبحث عن بديل لبايدن نظرًا لأدائه المتدهور ذهنيًا وسياسيًا، وبناء على ذلك فإنّ الولايات المتحدة ستبقى في حالة انتقاليّة، بما يتعلق بالانتخابات الرئاسيّة، حتى انعقاد مؤتمريْ الحزبين الديمقراطي والجمهوري في شهر آب/ أغسطس المقبل.