موظفو شركات تجارية كبيرة يقضون يوما كاملا مع أطفال ايتام وشبان في ضائقة في كل من شفاعمرو وعبلين
-هلال حاج يحيى:" التطوع المؤسساتي لا يقتصر على الأمور المادية، انما ينطوي على ابعد من ذلك بكثير من خلال توفير احتياجات عاطفية واجتماعية تساهم في نهوض الانسان من جديد"
في إطار عملها على مدار العام في تعزيز قيم العطاء والتطوع في المجتمع العربي، تسعى جمعية "الروح الطيبة" من مجموعة أريسون في السنوات الأخيرة على تعزيز نموذج التطوع المؤسساتي. ويدور الحديث عن نموذج تطوعي قائم على مشاركة موظفين في شركات تجارية كبيرة في اعمال تطوع مختلفة لصالح فئات معينة في المجتمع، من خلال الانخراط في الفعاليات والاعمال التي تجرى بالتعاون مع جمعيات تعنى بالاهتمام باحتياجات مجموعة معينة من أبناء المجتمع. وكان هذا النموذج من التطوع قد شهد تطورا لافتا مع جهود "الروح الطيبة" في تحقيق التواصل الصحيح ما بين الشركات التجارية وموظفيها المتطوعين من جهة، وبين الجمعيات والاطر الفاعلة وذلك بهد قطف ثمار العمل التطوعي المؤسساتي القائم على التواصل الصحيح مع الشرائح الملائمة من أبناء المجتمع خاصة هذه الشرائح التي تفتقد الى الدعم والمساندة العاطفية والاجتماعية وحتى النفسية منها.
وقد برزت ثمار التطوع المؤسساتي الذي دأبت "الروح الطيبة" على تعزيزه في المجتمع العربي من خلال التعاون مع جمعية سفراء المحبة في اعبلين التي تعنى بالأولاد في ضائقة والشبيبة المتواجدين في دائرة الخطر. وكانت الجمعية قد استقبلت بمبادرة "الروح الطيبة" هذا العام عددا من الموظفين العاملين في شركة هايتك كبيرة في البلاد، حيث قضى هؤلاء الموظفون يوما كاملا تضمن فعاليات وبرامج عديدة الى جانب هؤلاء الأولاد وأبناء الشبيبة التابعين للجمعية.
وتحدثت المديرة العامة لجمعية سفراء المحبة سماح سكران، عن مساهمة التطوع المؤسساتي في تعزيز عمل الجمعية تجاه الأولاد أنفسهم وقالت ان هذه المبادرة عززت وساهمت في تحديد رؤيا مستقبلية تتجلى ببناء شراكات عمل مع شركات ومصالح تجارية كبيرة عاملة في الاقتصاد على ضوء النجاح الملفت الذي شهدته الفعاليات التطوعية مع موظفي الشركة، هؤلاء الموظفين الذين لم يستطيعوا إخفاء تأثرهم اثناء مشاركتهم في الفعاليات التطوعية التي أقيمت، وهذا اكبر دليل على أهمية التطوع المؤسساتي تجاه الأولاد في ضائقة خاصة عندما تكون عملية التطوع ضمن اطار واضح.
وعن القيمة المضافة التي عادت على الأطفال والأولاد في الجمعية من خلال التطوع المؤسساتي قالت سكران:" وجود موظفين متطوعين بالغين من شركة هايتك من خيرة الأكاديميين ممن قطعوا مراحل مهمة في حياتهم الاكاديمية والعملية يتحلون بأعلى درجات الحس الإنساني والتعامل الراقي، اعطى الأولاد بعدا عميقا، الامر الذي يساهم في اندماج الأولاد في المجتمع وانكشافهم على شخصيات رائدة فيه من خلال تبادل الحديث وقضاء الوقت والتعاون والعمل المشترك والحصول على الدعم المعنوي منهم، وبهذا اعتقد اننا وصلنا الى هدفنا المنشود من خلال التطوع المؤسساتي".
اما الفعالية التي تركت اثرا واضحا في نفوس الأولاد والموظفين المتطوعين على حد سواء فكانت فعالية زراعة النباتات وترميم الحيز العام في الجمعية، حيث عمل كل موظف متطوع الى جانب كل طفل في هذه الفعالية وتعاونوا في شتى الاعمال من تنظيف وترميم وزراعة، وكان من المؤثر ان نرى موظفي شركة الهايتك يعملون جنبا الى جنب مع الأطفال، يفرغون سلة النفايات معا ويعملون بانسجام وتعاون تام مع الأطفال وفي النهاية يجلسون جنبا الى جنب على مائدة واحدة لتناول الطعام، كل هذا من شأنه ان يعزز من مكانة الأولاد والأطفال في ضائقة ويكشفهم الى افاق أخرى.
وفي ردها على سؤال حول التأثيرات الإيجابية لتطوع موظفي الشركات على الشركة التجارية نفسها وعلى موظفيها قالت سكران: "ان عملية التطوع المؤسساتي تعتبر أكبر استثمار في الموظفين، خاصة انها تعزز لديهم الذكاء العاطفي والاجتماعي، وإدراك أهمية العطاء لصالح الشرائح المستضعفة. ومن جهة أخرى يعزز صورة الشركة التجارية امام المجتمع خاصة ان النظرة المجتمعية اليوم تجاه الشركات التجارية أصبحت ترتكز على مقدار مساهمتها لصالح المجتمع والانسان وهو جزء لا يتجزأ من العملية التسويقية ".
وكانت الروح الطيبة أيضا قد بادرت الى تعاون ما بين جمعية "الحضن الدافئ" في شفاعمرو، التي تعنى بدعم وتعزيز الأطفال والأولاد الايتام، وموظفي شركة تجارية عربية كبيرة أخرى من خلال تنظيم يوم تطوعي كامل غني بالفعاليات والنشاطات المختلفة مع الأولاد الايتام في الجمعية. وتحدثت المديرة العامة للجمعية السيدة امال عطاريه عن أهمية التطوع المؤسساتي في نجاح العمل التطوعي للجمعية مشيرة الى انه يساهم في جسر الهوة بين الموظفين الذين جاؤوا للتطوع، وبين الأطفال الذين يفتقدون الى مكانة الاب اما بسبب موت الاب، او بسبب الطلاق وبعد الاب عن ابنه. كما يساهم في تغيير النظرة السلبية لدى الأمهات المطلقات تجاه الرجال عامة، هؤلاء الأمهات ربات البيوت اللواتي يقع على عاتقهن تربية الأولاد بدون وجود زوج الى جانبهم.
وأضافت عطاريه في هذا السياق:" عادة اطلب رجال للتطوع في الجمعية، اذ انه ليس مفهوم ضمنا تطوع الرجال في مجتمعنا. فعالية التطوع المميزة التي أقيمت في جمعيتنا اثبتت ان هناك رجالا يتطوعون ويعملون من خلال ذلك على سد مكان الاب الغائب بالنسبة للأطفال الايتام، خاصة ان كل طفل بحاجة لشخصية الأب للتواصل والحديث وقضاء الوقت. الموظفون الى جانب الأولاد والأطفال الايتام شاركوا بعدة فعاليات، تكللت بالعمل على منتوج واحد، قد يكون لوحة فنية او أي منتوج آخر يبقى ذكرى بين يدي الطفل لكن الأهم ان هذه الفعالية تعطي بعدا مميزا لطالما افتقده الطفل في فقدان شخصية الاب في حياته".
وأشارت عطاريه أيضا ان قيم التفهم والاحتواء والتأني والمشاركة الفعلية، كانت اهم نتائج عملية تطوع الموظفين في الجمعية، خاصة ان هؤلاء الموظفون تعاملوا مع الأطفال الايتام بقدر عالي من المسؤولية اثناء المشاركة في الفعاليات التي جمعت كل موظف مع طفل من الجمعية. هذا الامر كان له اثرا بارزا على شخصية الموظفين الذين بدت على ملامحهم إشارات الانفعال العاطفي من تأدية هذا الدور مع الأولاد. اما بالنسبة للأطفال الايتام فهذا اليوم التطوعي جاء ليسد بمكان معين الحاجة لشخصية الأب واعطاهم مكان للأمل والاستمرار قدما، خاصة انهم شعروا فعلا ان هناك من يسد لهم احتياجا عاطفيا واجتماعيا الذي يعتبر اهم من الاحتياج المادي".
وشددت عطاريه مديرة جمعية "الحضن الدافئ" ان هذه الفعاليات التطوعية الفريدة تجرى عادة مرتين خلال العام وتعتبر بمثابة جرعة عاطفية لهؤلاء الأطفال الذين سرعان ما يدركون ان هناك فعلا من يأبه بهم ومن يهتم بمشاعرهم على ان يكون التعامل معهم بشكل طبيعي جدا كسائر الأولاد في المجتمع، وليس تعاملا قائما على الشفقة مما يعزز لدى الأطفال القدرة على النهوض والاستمرار. هذه اهم القيم التي نسعى لإكسابها للأطفال الايتام فالأموال والتبرعات والمواد الاستهلاكية ليس في سلم أولويات الطفل أكثر من الاحتياجات العاطفية والنفسية.
وعن التجربة الفريدة التي تضمنتها هذه الفعاليات التطوعية للموظفين قالت عطاريه ان احدى الفتيات في الجمعية التي فقدت والدها اثر ظروف تراجيدية، الامر الذي كان له الأثر الواضح عليها وتَطلّب منها الخضوع للعلاج النفسي والعاطفي للخروج من هذه الازمة. هذه الفتاة التي طالما رفضت المشاركة في الفعاليات بسبب حالتها، مع كل هذا وخلال هذا اليوم التطوعي، لاحظنا ان الفتاة خلال احدى فعاليات الرسم بدأت فعلا بالرسم والتفاعل، وسرعان ما اخذت مكانها في المجموعة. الا ان الامر الأبرز كان انها رافقت أحد الموظفين المتطوعين بالمشاركة في فعالية ثنائية، وتواصلت بشكل ملفت معه لدرجة انها قالت للام هل بالإمكان ان يكون هذا الشخص بمثابة والدي. هذه الحالة كانت ملفتة لدرجة انها ابكتنا جميعا خاصة والدة الطفلة التي تأثرت وأشارت الى ان فعالية بسيطة مع أحد الموظفين المتطوعين كانت ناجعة اكثر من أي علاج نفسي او عاطفي، مما عزز الثقة والايمان بمسيرتنا وعملنا التطوعي في الجمعية.
ومن خلال مواكبتها لفعالية التطوع المؤسساتي في جمعيتها قالت عطاريه ان تطوع الموظفين أولا يعود بالفائدة على الشركة وموظفيها خاصة ان عملية التطوع الجماعية للموظفين تساهم في بلورة وتماسك الطاقم من خلال العمل المشترك والتعرف وتبادل الخبرات، كما انه من شأنه ان يحرر الموظفين من ضغوطات العمل اليومية من خلال الانخراط بفعاليات غير اعتيادية ويمنحهم الشعور بالرضى والاكتفاء الذاتي. من هنا ادعو الشركات الى منح الامتيازات للموظفين الذين يشاركون بالأعمال التطوعية لما فيه من مقابل معنوي ونفسي واجتماعي الذي يعتبر اهم بكثير من أي دعم مادي".
وتحدث مدير المجتمع العربي في جمعية "الروح الطيبة" من مجموعة أريسون هلال حاج يحيى مشيرا الى ان التطوع المؤسساتي يعتبر امتدادا لعمليات التطوع الأخرى التي تجرى في المجتمع العربي على مدار العام، سواء كان الحديث عن عمليات تطوع فردية او جماعية ضمن اطر مختلفة أخرى. وأشار حاج يحيى في حديثه انه يتوجب علينا كمجتمع ان نكس الأفكار النمطية التي ترافق عملية التطوع خاصة اذا كان الحديث عن توفير الاحتياجات المالية والمادية مؤكدا ان نموذج التطوع المؤسساتي اكبر دليل على ان التطوع لا يقتصر على الأمور المادية فقط، انما ينطوي على ابعد من ذلك بكثير من خلال سد النقص وتوفير احتياجات عاطفية واجتماعية تساهم في نهوض الانسان من جديد"