الإنصاف هو أحد القيم النبيلة الّتي أمرنا بها ديننا الحنيف، وهو يقتضي العدل في كلّ شيء، قولًا كان أم فعلًا، كما يقتضي التزام الحقّ مهما كانت الظروف، قولًا كان أم فعلًا. ومن معاني الإنصاف البعد عن الهوى الشخصي في الحكم على أقوال وأفعال الآخرين، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}. هذا هو المنهج الرّبّاني، العدل والإنصاف حتّى مع من نختلف معهم.
لكن كيف ننصف الآخر حتّى وإن اختلفنا معه؟ هذا يستوجب الصدق منّا. والصدق أيضًا قيمة عظيمة نبيلة حرص الإسلام على غرسها وتذويتها في نفوس المسلمين، بل وجُعلَت شرطًا للوصول إلى البرّ، كما قال عليه الصلاة والسلام: "عليكم بالصدق، فإنّ الصدق يهدي إلى البرّ، وإنّ البرّ يهدي إلى الجنّة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرّى الصدق حتى يُكتب عند الله صدّيقًا". ما أروع قولك يا رسول الله! لم يقل "الرجل يصدق" فقط، بل ويتحرّى الصدق! ليصبح تحرّي صدق الرجل علامة من علامات إيمانه، يزيد إن زاد، وينقص إن نقص.
وكيف يكون تحرّي الصدق؟ في التحقّق قبل أن ننطق، وقبل أن نكتب، وقبل أن نعقّب أو نشارك، لا سيّما في عصرنا هذا، حيث تنتشر المعلومات بسرعة فائقة عبر وسائل الإعلام ومنصّات التواصل. وصدق الله العظيم في قوله {فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}، وما أكثر الّذين يتسرّعون ويصيبون غيرهم بجهالة! دون التبيّن والتحرّي والوقوف على الحقّ والحقيقة مع إخوانهم.
إذن، هناك ترابط وثيق بين الإنصاف والصدق، فلا يمكن لأحد أن يكون منصفًا إذا لم يكن صادقًا، ولا يمكن تحقيق الإنصاف إذا لم تكن الحقيقة هي الأساس وهي البوصلة وهي ضالّة المؤمن. لذا، وجب على المسلم الحقّ أن يجمع بين هاتين القيمتين، وأن يتحرّاهما يوميًّا في كلّ ما يقول أو يكتب أو يفعل.
وما قد يبعدك عن الإنصاف والصدق وتحرّي الحقيقة هو التعصّب لرأي أو فئة أو قائد، حينها لن يهمّك ما يقال بقدر ما يهمّك من يقول، ولا يهمّك ما يُفعل بقدر ما يهمّك من يفعل، فإن كانوا من المقبولين عليك، كان الفعل خيرًا وإن كان باطلًا، وإن كانوا ممّن خالفوك بالرأي، كان الفعل مشبوهًا قد يصل إلى حدّ التكفير والتخوين، حتّى وإن كان ظاهر الفعل خيرًا للمسلمين ولعامّة الناس، فسبحان الله!. هكذا تعمى البصيرة وتتعطّل العقول وتُشوَّه الحقائق وتتعطّل المسيرة ويرسخ الجهل والتطرّف، ويُدبّ فينا داء الأمم من قبلنا، الحسد والبغضاء، وهي الحالقة الّتي قال عنها عليه الصلاة والسلام: "لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين".
نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الصادقين المنصفين، وأن يهدينا إلى سواء السبيل.
الشيخ صفوت فريج- رئيس الحركة الإسلاميّة في الداخل الفلسطيني