الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الإثنين 16 / سبتمبر 19:02

حزب الله والرد الانتقامي على الاغتيال

خالد خليفة
نُشر: 26/08/24 09:44,  حُتلن: 13:17

من الصعب الجزم بأن العملية التي سماها حسن نصر الله "عملية الانتقام للحاج فؤاد شكر"، والتي استهدفت مقرات الموساد ووحدة 8200 في جليلوت وعين شيمر، ستكون الأخيرة. فقد أكد في خطابه مباشرة بعد العملية أن الحرب مع إسرائيل ستستمر حتى انتهاء العدوان على غزة. وقد ازدادت الشائعات منذ أسبوع حول أن حزب الله وإيران سيقومان بعمليات رد انتقامية ضد إسرائيل، ولكن جميع المؤشرات أشارت إلى أن الطرفين كانا ينتظران نتائج المفاوضات بين حماس وإسرائيل بوساطة قطرية، مصرية، وأمريكية.

وصلت الأمور إلى تبني أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، موقف نتنياهو بالكامل في مسألة التواجد العسكري الإسرائيلي على محور فلادلفيا. وعلى الرغم من الشكوك التي كانت لدى حركة حماس تجاه هذه المفاوضات، إلا أنها شاركت واستمرت في التفاوض مع الطرفين المصري والقطري في القاهرة، للتأكد من مدى التراجع الإسرائيلي في مسائل استراتيجية تتعلق بالمعابر نيتساريم، فلادلفيا، ورفح. وقد أوضح نصر الله في خطابه بعد الهجوم في الخامس والعشرين من أغسطس 2024 أنه كان يعلم يقيناً أن الموقف الأمريكي يتماهى تماماً مع الموقف الإسرائيلي، وهناك أدلة كثيرة على أن الولايات المتحدة تريد بالفعل صفقة، ولكنها صفقة معدلة لصالح إسرائيل تعطي السيادة المطلقة لها.

بات من الواضح أن الوقت أصبح ثمينًا ويمر بسرعة، ويمكن أن يُسرع بالأطراف في الضغط على إسرائيل للتوقيع على الصفقة. ولكن الأمر بات يتبين بشكل صارخ أن نتنياهو لا يريد بالفعل صفقة، بل يريد سيطرة مطلقة على قطاع غزة، تضع مليون ونصف من سكان القطاع بين وادي غزة ومنطقة المواصي على الحدود مع رفح. وفي نفس الوقت، يريد السيطرة المطلقة على معبر رفح ومحيط فلادلفيا، ويمنع التواصل الفلسطيني عبر الحدود مع مصر. كما أن أطماعه تتجاوز ذلك بكثير؛ حيث يسعى للسيطرة أيضًا على شمال غزة، أي شمال معبر نيتساريم، ويسمح فقط لما بين مئتي إلى ثلاثمئة ألف فلسطيني بالعودة والتواجد في شمال القطاع.

بحيث يتيح له ذلك السيطرة العسكرية المطلقة هناك، وإقامة منطقة عازلة، ومنع قيام أي كيان فلسطيني في تلك المنطقة، وفي نفس الوقت، يسمح للمستوطنين الإسرائيليين بإقامة المستوطنات على الحدود مع شمال غزة. وبذلك، يمكن مواطني "الغلاف" الذين هربوا من المنطقة العودة والاستيطان هناك مرة أخرى، مما يحقق رؤية نتنياهو بالقضاء على حركة حماس وسيطرتها على غزة.

أما حزب الله، الذي وعد بالرد على إسرائيل، فقد كان رده، بحسب رأيه، موجهًا لأهداف عسكرية، حيث استهدف العديد من القواعد العسكرية في الشمال، وقواعد الموساد ووحدة 8200 في المركز. ومن المثير في خطاب حسن نصر الله الذي بُث في نفس اليوم على الجزيرة أنه كان يعرف بالتفاصيل الدقيقة أماكن تلك الوحدات وقربها وبعدها عن تل أبيب وهرتسليا. وأشار في خطابه إلى أنه قرر الرد الجزئي بشكل منفرد ومنفصل عن الرد الإيراني كانتقام لاغتيال فؤاد شكر، الملقب بالحاج محسن، مضيفًا أن الرد الإيراني سيأتي لاحقًا.

نفى نصر الله ما قاله نتنياهو بشأن أن الجيش الإسرائيلي قام بعملية استباقية ضد القواعد الصاروخية في ساعات الصباح الباكر من الخامس والعشرين من أغسطس، وقال إن الطائرات التي هاجمت لبنان كان هدفها التصدي الصواريخ المجنحة والطائرات المسيرة التي أطلقها حزب الله إلى قاعدة 8200 في جليلوت، بهدف إرباك نظام "القبة الحديدية".

تسود بعض الإشاعات بأن قائد الأركان الأمريكي، تشارلز براون، الذي يزور إسرائيل حاليًا، قد أمر الطائرات الأمريكية بالمشاركة في الهجوم على قواعد الصواريخ اللبنانية التي أُطلقت على شمال ومركز البلاد. ويبدو أن الصراع مع حزب الله سيستمر خلال الحرب على قطاع غزة، وأنه لا توجد أي مؤشرات جدية على حسم المعركة مع حزب الله عسكريًا أو إبعاد قواته إلى ما بعد نهر الليطاني.

وأي عملية قد تؤدي إلى إعادة السكان الإسرائيليين، البالغ عددهم مائة وعشرين ألفًا، إلى مستوطناتهم ومدنهم في شمال البلاد باتت صعبة المنال، بحيث أصبحت قضية إخلاء هؤلاء المواطنين قضية استراتيجية من الدرجة الأولى تواجه نظام الحكم في إسرائيل، تمامًا كمشكلة الرهائن الإسرائيليين الأسرى في قطاع غزة، التي أصبحت أيضًا مسألة استراتيجية من الدرجة الأولى تواجه حكومة نتنياهو.

أصبح مواطنو شمال البلاد يشكلون عقبة قوية أمام السياسيين الإسرائيليين، حيث يطالب جزء كبير منهم بشن حملة عسكرية كبيرة وواسعة النطاق ضد حزب الله، بهدف إرجاعهم إلى بيوتهم. ومن الصعب في هذه الظروف الاستراتيجية التي تبلورت نتيجة هذه الحرب التفكير في أي حلول جوهرية تتيح للحكومة الإسرائيلية وللسكان في شمال وجنوب البلاد العودة إلى بيوتهم ومنازلهم.

يعلم نصر الله جيدًا أهمية هذه المعادلة الاستراتيجبة وهذه الورقة التي بحوزته، حيث حقق إنجازًا عسكريًا لا مثيل له ولم يفكر به أي زعيم عربي واجه إسرائيل منذ مئة عام، ومن الصعب أن يفرط حزب الله بهذه الورقة المتعلقة بإخلاء مناطق واسعة وشاسعة من الجليل. وسيخوض مفاوضات شاقة وصعبة ترهق الإسرائيليين للسماح بإرجاع عدد من هؤلاء السكان. وفي الكلمة التي ألقاها مباشرة بعد الرد الانتقامي، صرح بأنه مستمر في تصديه العسكري مع إسرائيل حتى وقف الحرب والتوصل إلى وقف إطلاق النار مع قطاع غزة.

وأصبح حسن نصر الله العقبة الكأداء أمام إسرائيل لوقف الحرب، حيث أنه من الصعب عليها أن تعلن أنها حققت أهدافها وانتصرت، وفي نفس الوقت، من الصعب عليها أن تتجه نحو إعلان خسارتها في هذه الحرب، خاصة بعد أحد عشر شهرًا من نشوبها. هذه بالفعل معضلة قوية لإسرائيل، وحتى في حالة توقف هذه الحرب، فإنه من الصعب إعادة السكان إلى الشمال وإعادة بناء الاقتصاد من جديد.

لان نتنياهو أغرق إسرائيل في جبهتين، في الشمال والجنوب، ومن الصعب تحقيق الأهداف المرجوة هناك. وقد انتقد أحد المواطنين في منتدى الرهائن والأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة نتنياهو، قائلاً: "لماذا هاجموا بالامس لبنان بمائة طائرة لمنع صواريخ حزب الله الهجومية، ولم يفعلوا ذلك في السابع من أكتوبر عندما هاجمت حماس غلاف غزة؟

مقالات متعلقة

.