قبل 37 عاما وبالتحديد في التاسع والعشرين من شهر أغسطس/آب عام 1987 أسلم الراحل ناجي العلي الروح نتيجة عملية اغتيال. أسكتوه بكاتم صوت لانهم لم يتحملوا رؤية حنظلة، الذي كان كابوسا عليهم لأنه يظهر أفعالهم القبيحة سياسيًا وأخلاقيًا. أسكتوه لأنهم كانوا أجبن من مواجهته. هو، كان ضمير الشعب، وهم كانوا مضطهدي الشعب. خبر الاغتيال وقع كالصاعقة على رؤوس الفلسطينيين وباقي الشعوب العربية وليس أنظمتها. هم المعنيين الذين طالتهم سهام حنظلة تنفسوا الصعداء بجفاف حبر ريشة الراحل، وهم عديمي الضمير والإنسانية والأخلاق الذين رقصوا على دم الراحل ناجي فرحًا لتخلصهم منه.
كانت معرفتي برسام الكاريكاتير الفلسطيني الراحل ناجي العلي معرفة عميقة وقوية، بدأت في لبنان وبالتحديد في مخيم عين الحلوة، واستمرت حتى اغتياله في العاصمة البريطانية لندن، التي كان لها شرف إقامة الراحل فيها وشرف احتضان قبره الذي يحمل الرقم (230191) في مقبرة “بروك وود” الإسلامية. علاقتي المتينة بالراحل لها سببان: أولهما كان صديقا عزيزا وجار صهري في مخيم عين الحلوة وكانا (أيام الشباب) يمارسان مع بعض هواية كرة القدم، وثانيهما مهنة الإعلام.
تصوروا أنَّ المانيا أصدرت طابعا بريديا للراحل ناجي العلي تقديرا واحترامًا لأعماله، بينما سلطتهم الفلسطينية لم تفعل أي شيء على الصعيد الرسمي لتكريم الراحل ولا وقت لديهم حتى للتفكير برجال كبار مثل الراحل ناجي العلي.
سألني الراحل ذات يوم: أحمد، هل انت عضو في اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين؟ فأجبته بالنفي وقلت له أنا عضو في اتحاد الصحفيين الدولي، وفي اتحاد الصحفيين الألمان وهذا يكفيني. فلم يقتنع وابتسم قائلا: “كمان انت رشيدة غضبانة عليك؟“ والمقصود رشيدة مهران الكاتبة المصرية التي كانت على علاقة بالراحل ياسر عرفات الذي عينها في منصب المستشارة الثقافية له، وكانت صاحبة القول الفصل في كل الأمور الثقافية، وعملت على ان لا يكون الراحل ناجي العلي عضوا في اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينيين. بسبب انتقاداته اللاذعة للفاسدين في القيادات الفلسطينية سياسيا واخلاقيا وحرمنة.
الراحل ناجي العلي تلقى تهديدات كثيرة بقتله، لكنه لم يأبه بها، وكان يرفض كل حماية ومرافقة له وكان يقول دائما: الأعمار بيد الله وله مقولة مشهورة: “الحذر لا يمنع القدر”. الذين خططوا ونفذوا عملية اغتيال ناجي العلي كان حنظلة يزعجهم ويقلقهم ويفضحهم في نفس الوقت. ولذلك أرادوا التخلص منه. قتلوا ريشة فلسطين لأنها كانت تفضحهم ولأنها كانت تظهر عيوبهم. كان يقول لي دائمًا “دير بالك ع حالك يا أحمد” وهو نفسه لم يفعل ذلك لإيمانه القوي بأن الساعة تقترب عند مشيئة الله فقط.
عندما يتناول الكتاب موضوع الراحل ناجي العلي يقولون انه انتقل من لبنان الى الخليج ومن ثم الى لندن. لكن الحقيقة هي عكس ذلك. هو لم ينتقل طوعًا، بل أُجبر على الانتقال بسبب ملاحقات سياسية ولا سيما بعد انتقاله من الكويت الى لندن. وقد أخبرني قيادي فلسطيني رفيع المستوى في تلك الفترة، بأن مجلس التعاون الخليجي مارس ضغوطًا على الكويت لإخراج ناجي منها لتوفر معلومات بقتله، الأمر الذي دفع صحيفة القبس التي كان يعمل بها الراحل إلى نقله الى لندن حفاظًا على حياته. لكن لندن عجزت عن حمايته وبالأحرى تآمرت على قتله فيها.
واخيرا…
الراحل ناجي العلي كان يعرف أنه لن يموت موتًا طبيعيًا، وتذكرت قوله الشهير: “اللي بدو يرسم ويكتب عن فلسطين بدو يعرف حالو ميت” رحمة الله عليك يا أبا خالد، يا ضمير فلسطين الخالد.