تتسارع حملة المعارضة الشديدة ضد سياسة نتنياهو في الشارع الإسرائيلي المتعلقة بالأفراج عن الأسرى والمخطوفين بأيدي حركة حماس، وقد صدم هذا الشارع والرأي العام نهاية الأسبوع، عندما تمّ تخليص ستة جثث من الإسرائيليين، غالبيتهم من الشباب الذين كانوا على قيد الحياة قبل مدة قصيرة، كانوا قابعين في انفاق الأسر الغزاوية، بالقرب من رفح وهنالك إجماع عامّ لدى الرأي العام الإسرائيلي، بأن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، هو المتهم الرئيسي بعنده ورفضه بعدم التوقيع على الصفقة، وتسليم هؤلاء الشباب الإسرائيليين، الذين كانوا أحياء الى عائلاتهم، حيث تواجدوا في الأصل أكثر من عشرة أشهر، ويعتبر منتدى عائلات المخطوفين الذي أقيم مباشرة، بعد عملية السابع من أكتوبر، من اكبر المنتديات والتجمّعات الجماهرية المؤثرة التي أقيمت في إسرائيل.
على مدى السنوات العشر الأخيرة، والتي تطالب وبشكل متواصل الحكومة الحالية بالأفراج عن الأسرى المخطوفين الإسرائيليين، مقابل أسرى فلسطينيين في عملية تبادل مع حركة حماس مهما كان ثمنها، وقد اشتهر قبل خمسة عشر عاما والد جلعاد شاليط الذي أدار حملة منظمة إعلامية وجماهرية، أدت في نهاية الامر الى تحرير 1150 اسيرا فلسطينيا من السجون الإسرائيلية، من بينهم يحيى السنوار رئيس حركة حماس الحالي، مقابل اطلاق سراح جندي إسرائيلي واحد وهو جلعاد شاليط .
ويعتبر نتنياهو الذي كان رئيس حكومة إسرائيل آنذاك، المسؤول والاب الروحي عن عملية التبادل هذه والذي نفذها آنذاك بحذافيرها، وفي أكتوبر 1994 قام الجيش الإسرائيلي بتنفيذ أوامر تخليص جندي إسرائيلي احتجز من قِبل فلسطينيين من حركة حماس في بير نبالا بالقرب من رام الله، سميت آنذاك بعملية ناحشون فاكسمن وقد فشلت العملية فشلا ذريعا، عندما قتل هذا الجندي وقتل أحد ضباط قيادة الأركان في عملية التخليص تلك، وفي نفس الليلة وكانت ليلة الجمعة المقدسة عند اليهود، انبرى رابين على شاشة التلفاز واعترف بانه يأخذ على نفسه مسؤولية الفشل في هذه العملية، وفي عام 1986 استطاع احمد جبريل رئيس الجبهة الديموقراطية القيادة العامة، فرض عملية تبادل على إسرائيل عندما وافق على اطلاق سراح 8 جنود اسرهم في حرب البنان الأولى مقابل 1300 اسير فلسطيني آنذاك.
ويسود التشتت الحكومة الحالية التي لا تفكر ابدًا بأن تُبرم أي اتفاقية تبادل أسرى بينها وبين حركة حماس، على الرغم من ان الحركة كانت تحتجز أكثر من 250 إسرائيليا في قطاع غزة في المرحلة الأولى من الحرب الأخيرة.
وقد تمّت عملية تبادل مقابل 120 إسرائيليا، لكن إسرائيل استمرت في سياسة الرفض ولم تستمر في عملية التبادل تلك، بل استطاعت تخليص أكثر من 25 إسرائيليا من الأسر، لكن غالبيتهم كانوا جثثا هامدة، ويسود أعضاء منتدى المخطوفين وبدعم من الجهاز العسكري وأوساط من الرأي العام الإسرائيلي والإدارة الامريكية، بان حكومة نتنياهو لا تريد صفقة تؤدي في نهاية الامر، الى عملية تبادل مع حركة حماس وأخلاء سراح أكثر من 100 إسرائيلي ما زالوا محتجزين في أيدي حركة حماس.
وعلى الرغم من النداءات المتكرّرة التي سادت الشارع المحلي الإسرائيلي الإقليمي والدولي، فإن حكومة نتنياهو ما زالت متشددة وترفض أي إمكانية لعملية تبادل الأسرى، فهي تحاول التمويه واللف والدوران، باقتراح تتمّ فيه عملية تبادل على ثلاث مراحل، فترة أولى تتمّ فيها عملية تبادل لأقل من 30 إسرائيلي، مقابل أسرى فلسطينيين تفرض إسرائيل فيتو على أسمائهم، وفي نفس الوقت يمكن لإسرائيل ان تستمر في شن الحرب في اعقاب المرحلة الأولى بعد عملية التبادل هذه، كما أن إسرائيل تتهرّب من ذكر الأرقام الحقيقية للأسرى الفلسطينيين الذين تعتزم اطلاق سراحهم، فبدلا من أن تُبرم صفقة تُنهي موضوع الأسرى التبادل ووقف اطلاق النار، فإنها تتحجّج بإبرام صفقة على مراحل، ولا أفهم كيف يوافق الوسطاء والامريكيون على مثل هذه المراحل، اذا أرادوا بالفعل إيجاد حلّ لوقف اطلاق النار، وانسحاب اسرائيلي من قطاع غزة.
كما أنّ أية اقتراحات إسرائيلية لحلول سياسية لتواجد السكان الفلسطينيين المؤقت في جنوب شمال القطاع والاستمرار السيطرة الإسرائيلية على معبر رفح ونتسرين ومحيط فيلاديلفي، وقد زاد نتنياهو الطين بلّة عندما وضع كأحد شروط توقيع الصفقة الجديدة على عملية التبادل، ان كل هذه الأمور وبشكل مؤكد، تؤدي الى احتدام الصراع ومنع أي إمكانية لتوقيع عملية التبادل.
وأمام هذا الوضع المتأزم والمُراوحة العسكرية على كل الجبهات، خاصة الجبهة الشمالية مع حزب الله والمركز والجبهة الوسطى مع الضفة الغربية وجبهة غزة، فإن منتدى عائلات المخطوفين يرى بان العوائق التي يضعها نتنياهو والوقت الذي يمر بسرعة بدون تحقيق أي نتائج عسكرية، يؤدي بالتالي إلى استلام افراد عائلاتهم موتى وجثثا، ومن هنا فقد بدأت حركة التمرّد الشعبية داخل إسرائيل، التي أطلقها رئيس الهستدروت العامة ارنون بن دافيد، بحيث وسوف نرى كيف يؤثر ذلك على نظام حكمه واستمرار الحرب.
لكن نتنياهو لم ترق له تلك المظاهرات والإضرابات، التي طالت الهستدروت والشركات والجامعات والمؤسسات العامة والخاصة حتى حدا به ان يتوجّه الى المحكمة ويطلب أمرا بوقف تلك المظاهرات، ومن المؤكد اننا سنشهد احتجاجا جماهيريًا وشعبيًا قويًا ضد سياسة الرفض التي يخوضها نتنياهو بحيث بات من المؤكد أنه غير معني بالرهائن الإسرائيليين المحتجزين بأيدي حماس، ولا يهمه اذا استطاع استلامهم امواتًا او أحياء، بل ما يهمه هو استمراره في الحرب على قطاع غزة وفتح الجبهات الأخرى في الضفة الغربية وفي الجبهة الشمالية، ويمكن القول ان الاحتجاجات والمظاهرات في الهستدروت وفي كل الأطر الاقتصادية، تُعتبر الشرارة الأولى لمعرفة ميزان القوى بين نتنياهو والرأي العام الإسرائيلي، خاصة بعد ان استطاع اخضاع الجهاز العسكري بقيادة قاللن والإدارة الامريكية من اجل الاستمرار في الحرب.
ويُعتبر الاستمرار لقراره بالسيطرة على محيط فالدلفي، هو أكبر مثال على أنه لا يريد أي اتفاق مع حركة حماس ولا يريد الانسحاب من غزة، بل يريد الاستمرار في السيطرة عليها، كما انه معنيّ باستمرار الجبهات الأخرى في الشمال مع حزب الله وفي الضفة الغربية مع كل المواطنين الفلسطينيين هناك.