في شهر سبتمبر عام 2022 كتبت مقالاً بعنوان "احنا لوين رايحين؟" تحدثت فيه عن تفشي العنف وتصاعد وتيرة القتل في مجتمعنا العربي الذي يعاني من كل أنواع العنف والقتل والخاوة والابتزاز والتهديد. وقتها كان الزميل الراحل نضال اغبارية يحمل الرقم 73 في قائمة ضحايا القتل في ذلك الوقت.
حالة العنف والقتل في مجتمعنا لم تتراجع منذ ذلك الوقت بل ازدادت تفاقماً.
على ذمة تقرير نشره مؤخراً المركز العربي لمجتمع آمن "أمان" فإن عدد ضحايا الجريمة في مجتمعنا العربي منذ مطلع العام الحالي وحتى الآن يحمل الرقم 201 بما فيهم طفلة عمرها عشر سنوات. الأمر المقلق أن منطقة الشمال شهدت أكبر عدد من ضحايا العنف والقتل حيث سجلت المنطقة 95 ضحية.
هذه الممارسات ليست بجديدة على المجتمع العربي. فهو يعيش هذه الآفات منذ سنوات طويلة، ويناشد دائماً الجهات الرسمية المسؤولة إسرائيلياً وعربيا، ولكن لا حياة لمن تنادي، والوضع لم يبق فقط على حاله بل يتفاقم كل عام باستمرار.
أعمال القتل وصلت الى المساجد. الراحل نضال أطلقوا عليه النار وهو خارج من المسجد دون وازع ضمير. وهذه ليست الحالة الوحيدة فقد شهدت طمرة وام الفحم واللد حالات مماثلة. هكذا بكل بساطة وكأنهم ذاهبون للصيد. ذهبوا وقتلوا وعادوا الى بيوتهم بكل سهولة. والقتلة (كالعادة) غير معروفين. هكذا يقول إعلامهم. فهل هم غير معروقين فعلاً؟ من يتابع إعلامهم يتبين بصورة واضحة أن عصابات القتل والإبتزاز معروفة بشكل جيد لدى الشرطة وتعرف كل تحركاتها بمعنى انها متواطئة معهم. هكذا يقول إعلامهم منذ سنوات.
أعود وأذكّر بما جاء في تقرير نشرته صحيفة هآرتس، أن مسؤولين في وحدة التحقيقات مع عناصر الشرطة والأمن (ماحش) قالوا إنه تم القبض على 13 شرطياً تعاونوا مع عصابات الإجرام .القناة 12 العبرية كانت قد تناولت في تقرير لها موضوع الاجرام في المجتمع العربي، وجاء في التقرير. أن تسريبات لأقوال خطيرة لضابط كبير في الشرطة الإسرائيلية كشفت عنها القناة العبرية، تؤكد أن معظم المتورطين في عالم الإجرام في المجتمع العربي الذين يقودون الجريمة هم متعاونون وعملاء لجهاز المخابرات العامة(الشاباك) ويتمتعون بحصانة من الجهاز، وبذلك لا تستطيع الشرطة المس بهؤلاء.
التقارير التي ينشرها إعلامهم تتضمن معلومات في منتهى الخطورة. فهي من ناحية تظهر مدى استهتار الشرطة بالمواطن، ومن ناحية أخرى تبين مدى انتشار الفساد والرشاوى في هذا الجهاز المفترض أن يكون شعاره "الشرطة في خدمة الشعب" وليس "الشرطة لقتل الشعب".
الحكاية لا تتعلق بعناصر صغار من الشرطة بل بضباط كبار من المفترض أن يكونوا قدوة في العمل من أجل الشعب وليس مثالاً يحتذى به في الفساد والتواطؤ مع عصابات. فماذا يفعل الضابط المتواطيء يا ترى؟ تقول معلومات القناة 12 العبرية أن الضباط المتواطئين مع عصابات الابتزاز، يقومون يتبليغ العصابات عن موعد مداهمات الشرطة على أماكنهم وهؤلاء يتلقون مبالغ طائلة من العصابات مقابل تعاونهم معها.
وحدة التحقيقات مع عناصر الشرطة وحسب القناة العبرية، تحدثت عن ضابط حصل من عصابات الإجرام على حوالي نصف مليون شيكل خلال عامين عدا عن "مكافآت؟!" كان يحصل عليها في أماكن عامة. حتى أن ضابطاً متقاعداً ذهب إلى أبعد من ذلك في أقواله، حيث قال "أن لكل عصابة إجرام كبيرة في إسرائيل جاسوس في سلك الشرطة، بمعنى وجود عناصر تعمل لصالح عصابات الإجرام داخل جهاز الشرطة ".
إذاً، شهد شاهد من أهلهم. وهذا يعني أن المسؤولية الرئيسية تتحملها الشرطة في كل ما يتعرض له المجامع العربي من أعمال قتل وابتزاز. يعني حاميها حراميها. والسؤال المطروح مرة أخرى في ظل ما يجري من حالات قتل: "إحنا لوين رايحين؟ "