كثيرًا ما أبديت إعجابي بلغة الضّاد، ولوّنت أفكاري وخواطري وإبداعاتي بسِربالٍ قشيب من مفرداتها وتعبيرها، فهي بحر وسيع إن لم تكن محيطًا يعجّ بالجَمال والذّوق والمفردات الهامسة حينًا، الضجّاجة حينًا آخر، والوثّابة أحيانًا أخرى، فكلمة "همس" توحي اليك بالوشوشة فعلاً، وكلمتا "فرح" و "مرح " لا تخلوان من وقع السعادة وطعم البهجة، أمّا الكلمات مثل " الاشمئزاز "، الضَّجَر، التّقزّز، البرطمة، والكثير من أمثالها فهي تأخذك على مركب من الاشمئزاز إلى محيط يعجّ بالتَّقَزُّز!!.
حقًّا انها لغة جميلة، ولكنها أضحت مع الأيام زيتونة هرمة لا تتماشى والألفية الثالثة، ولا تواكب الاختراعات المتسارعة يوميًا، بل وفي كلّ ساعة.
والزيتونة الهرمة، لا تحتاج الا إلى تشذيب وتقليم وقطع الأغصان الجافّة، والفروع اليابسة، حتى تخضرّ وتدبّ فيها الحياة من جديد.
سبق وقلت في مقال سابق، أن محاولات مجامع اللغة العربية في بغداد ودمشق والقاهرة، لم تفِد لغتنا بالشيء الكثير، فالمحاولة البائسة في تعريب الاختراعات في شتى النواحي قد فشلت، والكلمات التي جاءت بها قليلة، وقد فشلت في امتحان الزمن، فالكثيرون لا يعرفون الكظيمة ولا المرآب ولا الناسوخ ولا الشّاطر والمشطور ولا...وألف ولا..، رغم أنّ هناك من سمع بها ولكنه وجدها بعيدة عن الواقع، بعيدة عن اللسان.
كانت عروسًا ترفل بالثياب البيض الجميلة.
كانت عروسًا تتجلّى يوم كانت الاختراعات لا تزور الكون الا فيما ندر.
كانت عروسًا قبل ان تصبح الدنيا برمّتها قرية صغيرة، تطفو مئات المصطلحات العلمية والأدبية والسياسية والاجتماعية، تطفو فوق صفحات مائها.
ألمْ يحن الوقت لنُهذّب ونُشذّب ونُقلّم؟؟
ألم يحن الوقت لنقلع اليابس والجافّ وأوابد الكلمات، والمُتحجّرات من مفرداتها؟
ألمْ يحن الوقت لنُنخِّل ألـ أكثر من مئة مرادف للأسد والسّيف؟
ألمْ يحن الوقت أن ننسى أيام الناقة وننظر الى السفن الفضائية والانترنت؟
لقد حان ...والا فستجمد هذه اللغة الجميلة عند القرن التاسع عشر، ولن تخطوَ الى الألفية الثالثة، بل ستبقى تتلعثم وتتعثّر على عتبات الأيام.
قد يقول قائل: انّك تريد أن تُدمّر لغتنا، لغة الحضارة والمقدسات والاعتزاز القوميّ.
لا لستُ أريد ذلك، ومع هذا سأقول رأيي وأمشي، وأنا على يقين مُسبقًا، بأنّ هناك من سيهاجمني، والأسباب كثيرة، فنحن ننظر لا الى الفحوى والموضوع!!!!
وها أنا ببساطتي المعهودة أقترح ما يلي:-
1- لا حاجة بعد اليوم أن نُعلّم أولادنا مصطلحات ومفردات حول ابن الضفدعة وابن الفيل والبعوضة، فإنّ حشو مثل هذه المفردات في الرؤوس تُعكّر وتُشوّش الفكر ولا تفيد شيئًا، فهيّا نقول: سارت الغزالة وصغارها، وليس هناك ضرورة لِـ: الدَّغفل ولد الفيل أو الفُرعل ولد الضّبع، أو الديسم ولد الدٌّبّ والهِجرس ولد الثعلب وما اليه.
2- ما هي الفائدة المرجاة من أن نقول هاذا ونكتب هذا، ونلفظ لاكن ونكتبها لكن، ونقول مئة ونكتبها مائة، في حين أنّ زمن اللا تنقيط قد ولّى وانقضى منذ زمن الحجّاج بن يوسف الثقفيّ.
3- اقترحَتْ قبل عشرات السنين الكاتبة المبدعة مي زيادة، أن نترك نون النسوة ونستعمل للمذكر والمؤنث واو الجماعة مع الألف الفارقة، حتى نُظهر المساواة التي نتشدّق بها ليلا ونهارًا.... فكّروا معي لماذا اختار اجدادنا نون النسوة للإناث والواو والألف الفارقة احيانًا للذكور!!! وعندها قد نتخلّص من الإحراج، فالعرب تؤمن أنّه اذا اجتمعت ألف من نسائها في مجمع ما، وكان بينهنّ رجل واحد بل طفل واحد، بل هناك من يبعد ويقول جنين واحد، وجب أن نتوجّه لجميعهن بصيغة المُذكّر، فهناك بينهنّ فحل!!! وها أنا اتبنّى اقتراح مي الذي رُفِض آنذاك.
4- جمع المؤنث السّالم: يُرفع بالضّمّة ويُنصَب ويُجرّ بالكسرة... يا الهي ما الحكمة من النصب بالكسرة وبلبلة الأفكار والأخيار والأغيار، ألا يمكن أن يكون طبيعيًا فيرفع بالضمّة، ويُنصب بالفتحة ويُجرّ بالكسرة، أليس هذا "وجع دماغ" !!!وأنا لا أرى مانعًا أبدا.
5- الممنوعات من الصَّرف... فأنا وُلِدتُ في شُباطَ (بالفتحة على الطّاء) يستغرب العربيّ والأجنبي، فالحرف "في" حرف جرّ يجرّ الجبال وحتى السّماء بالكسرة ألا يقدر على شباط ونيويورك ومفاعل.
حان الوقت أن نُغيّر هذه المُتحجِّرات، بل حان الوقت أن نقبل في لغتنا العربية المُصطلحات العلمية والطبيّة والاختراعات كما هي، والا فقد نفقد البوصلة ان لم نكن قد فقدناها أصلًا، فيضحي المواطن البسيط مثلي في وادٍ وأتباع التجمُّد والانجماد في وادٍ آخَر.
لماذا لا نقبل مثل هذه الكلمات تسرح في لغتنا، علما ان هذه اللغات العالمية أخذت بعض كلماتنا ولوّنت بها صدرها، فاليوم كلمة انتفاضة تكوكب في كلّ لُغة وكذا الأمر مع كلمة هُدنة وجِهاد و.....
إنّه اقتراح او بعض اقتراح، والنيّة طيّبة، والتنفيذ ليس سهلًا، ولكنه مستطاع، لذا أرجو أن ننظر الى الموضوع نظرة واقعية وهو اقتراحٌ ليس الا ، بعيدًا عن المشاعر والعواطف.