علمنا التاريخ، أن في كل حرب تقع يوجد منتصر ومنهزم ولا مكان لمعادلة (لا غالب ولا مغلوب). ولكن هل يتطبق هذا على ما أسفرت عنه الحرب بين إسرائيل وحزب الله؟ منذ الإعلان عن اتفاقية وقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل، كثرت التساؤلات عن المنتصر وعن المهزوم في هذه الاتفاقية.
نعيم قاسم الأمين العام لحزب الله قال في التاسع والعشرين من الشهر الماضي أي بعد يومين من سريان مفعول الاتفاق "إن حزب الله حقق انتصارا في الحرب مع إسرائيل"، حتى أن نعيم قاسم ذهب الى أبعد من ذلك بكثير في قوله: "نحن أمام انتصار كبير يفوق الانتصار الذي حصل في يوليو/تموز 2006".
وماذا يقول الإسرائيليون عن هذا الاتفاق؟ استطلاع للرأي العام الإسرائيلي، نشرته القناة 13 الاسرائيلية حول الاتفاق، أظهر أن أكثر من 60% من الإسرائيليين يعتقدون بأن إسرائيل لم تنتصر على حزب الله.
تعالوا نسمع ما قالته صحيفة هآرتس في التاسع والعشرين من الشهر الماضي في تعليق لها بعنوان: "إيران وحزب الله خسرتا، ولكن إسرائيل لم تنتصر". تقول الصحيفة "إن وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله يعني، أن الحرب في لبنان قد انتهت على الأرجح، وأنه من المؤكد أن حزب الله وايران هم الخاسرون، لكن هذا لا يعني أن إسرائيل انتصرت."
حزب الله يطبق في أدبياته أقوال الخميني وأفكاره التي هي مرجع للحزب. الخميني يعرّف الهزيمة:"انها الاستسلام للأهداف التي يسعى إليها العدوّ حينما يقوم بأعماله العسكرية." فهل طبق حزب الله مفهوم الخميني للهزيمة من خلال التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار؟ تعالوا نفحص ذلك خطوة خطوة:
إسرائيل قالتها صراحة انها وضعت لنفسها أهدافا منها: الفصل بين ساحتي غزة وجنوب لبنان، تصفية قيادات رئيسية لحزب الله، تسليم الجيش اللبناني وقوّات اليونيفيل مواقع لحزب الله في الجنوب بعد إخلائها، تطبيق القرار 1701 وغيرها من أهداف أخرى. والسؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة: هل استطاعت إسرائيل تحقيق هذه الأهداف من خلال عملياتها العسكرية؟ الجواب هو: نعم. لأن الاتفاقية مع لبنان تنص على تطبيق ما أرادته إسرائيل وقد وقع عليها حزب الله. بعد ذلك نسأل: ألا يعني ذلك استسلاماً لإسرائيل استناداً لتعريف الخميني للهزيمة؟ بالتأكيد نعم هو استسلام.
هناك من يعتبر أن الاتفاق هو فرض لإرادة إسرائيل على حزب الله وبالتالي نصر لها، وفريق ثاني يرى أن حزب الله لم ينتصر في الميدان بسبب الخسائر الفادحة في القيادات والعناصر والعتاد وأصبح مجبراً على سحب عناصره إلى ما وراء الليطاني والامتناع عن التسلح من جديد. لكن هناك فريق ثالث يقول أن استمرار حزب الله في إطلاق الصواريخ والمسيّرات بكثافة على إسرائيل حتى آخر لحظة قبل اتفاق الهدنة، يعني أن الحزب لم ينهزم.
على كل حال واستناداً لما ورد في التحليل، يستطيع القارئ تكوين صورة عن المنتصر والمنهزم، والحقيقة مثل عين الشمس لا يمكن تغطيتها بغربال.
وأخيراً... الصحافة في المجتمعات التي تحترم نفسها هي سلطة رابعة. لكن من المعيب والمخزي في نفس الوقت ان يكون بيننا في مجتمعنا العربي سياسيّون يتجاهلون أهمية الصحافة لأنهم لا يكلفون نفسهم بالرد على مكالمات الصحفيين ولا حتى بالعودة اليهم (أخلاقياً). فاستحوا وتصرفوا بأخلاقية أيها المعنيّون.