ثلاثة أسئلة حول خطوات عباس في قمة القاهرة
ساهر غزاوي
في القمة العربية الطارئة التي عُقدت في القاهرة مؤخرًا، أعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس عن إصدار عفو عام عن جميع المفصولين من حركة فتح، بالإضافة إلى استحداث منصب نائب لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لذلك، إلى جانب الإعلان عن عقد المجلس المركزي الفلسطيني قريبًا. ومع ذلك، تثير هذه الخطوات العديد من التساؤلات الجوهرية حول دلالاتها السياسية وتأثيرها على المشهد الفلسطيني الداخلي.
أولًا، أين هي فلسطين التي يُقدّم محمود عباس نفسه رئيسًا لها؟ فالسلطة الفلسطينية التي يتزعمها ليست سوى كيان إداري محدود الصلاحيات، يقتصر نفوذه الفعلي على أجزاء صغيرة من الضفة الغربية التي لا تمثل سوى 21% من مساحة فلسطين التاريخية. فالضفة الغربية تخضع بشكل كامل لهيمنة الاستيطان الإسرائيلي، حيث تصادر المستوطنات أكثر من 40% من مساحتها، فيما تسيطر إسرائيل كليًا على المنطقة (ج) التي تمثل الجزء الأكبر. كما أن شبكة الطرق الالتفافية والمناطق العسكرية الإسرائيلية قسّمت الأراضي الفلسطينية إلى جيوب معزولة، مما جعل السلطة الفلسطينية تفتقر إلى السيادة الفعلية. فالدولة، وفق المفهومين السياسي والقانوني، تقوم على مقومات أساسية أبرزها السلطة السياسية والأرض، وهو ما تفتقده السلطة بشكل واضح.
إلى جانب هذه المعضلة، تبرز مسألة شرعية محمود عباس ذاته، التي أصبحت محل جدل واسع. فمنذ انتخابه عام 2005، لم تُجرَ انتخابات رئاسية جديدة، ما يعني أنه يحكم دون تفويض شعبي متجدد منذ أكثر من 19 عامًا. كما أن الانقسام الفلسطيني أفقده السيطرة على قطاع غزة، ليقتصر تمثيله الفعلي على الضفة الغربية فقط، مما يجعله رئيسًا للسلطة الفلسطينية في جزء محدود من الأرض الفلسطينية. علاوة على ذلك، فقد تراجعت شعبيته بشكل كبير في ظل تصاعد الغضب الشعبي بسبب استمرار التنسيق الأمني مع إسرائيل وغياب رؤية سياسية تلبي تطلعات الفلسطينيين. فهل هذه هي الدولة التي يُقدّم محمود عباس نفسه رئيسًا لها؟ وهل يمكن اختزال فلسطين في واقع السلطة الفلسطينية المحدود؟
ثانيًا، في القمة العربية، دعا محمود عباس إلى استحداث منصب نائب لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية ودولة فلسطين. والسؤال هنا: أين هي منظمة التحرير الفلسطينية التي يُعاد التذكير بإحيائها كل بضعة سنوات، والتي يسعى عباس إلى إضافة هذا المنصب إليها؟ فيما يخص دولة فلسطين، فقد تم الحديث عنها سابقًا، أما فيما يتعلق بمنظمة التحرير، فمجرد الدعوة لإحيائها والتأكيد على ضرورتها في كل اجتماع أو بيان من الفصائل الفلسطينية يعكس غياب تمثيلها الفعلي. والواقع يثبت أنه لا يمكن الادعاء اليوم، كما كان في الماضي، بوجود تمثيل حقيقي للشعب الفلسطيني، لأن الشرعية لا تمنح إلا من الشعب، وهو من يمكنه سحبها متى شاء. فالمنظمة، كما أي كيان آخر، ليست مقدسة فوق الشعب وحقوقه وثوابته، وإذا كانت لا تلبي تطلعاته، فإن الشعب يملك الحق في رفضها.
ورغم الشرعية الدولية التي تحظى بها منظمة التحرير، فإن شرعيتها على الصعيد الوطني الفلسطيني تتأثر بعوامل داخلية مثل الانقسام السياسي والعجز عن إجراء انتخابات شاملة. وعلى الرغم من اعتراف جميع الفصائل بأهمية منظمة التحرير الفلسطينية، إلا أن هذه المنظمة لا تضم تحت جناحها حركتي حماس والجهاد الإسلامي بشكل فعّال، فضلًا عن غياب تمثيل حقيقي لجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية، مما يشير إلى عجزها عن جمع القوى الفلسطينية في إطار واحد.
لقد تأسست المنظمة في عام 1964 بهدف تحقيق مجموعة من الأهداف الوطنية الكبرى، مثل الاستقلال الوطني الفلسطيني، وتحرير الأراضي الفلسطينية، وتمثيل الشعب الفلسطيني، وتحقيق الوحدة الوطنية. ومع ذلك، لم تتحقق هذه الأهداف. إن منظمة التحرير الفلسطينية التي لا تضم تحت جناحها كل الفصائل قد انحرفت عن مسارها بفعل هيمنة فصيل واحد عليها. وما دعوة محمود عباس في القاهرة، التي تأتي في إطار ما وصفه بمحاولة "إعادة هيكلة الأطر القيادية وضخ دماء جديدة"، لا تعدو كونها محاولة لإنعاش كيان انتهت فعاليته وتم استبداله عمليًا بالسلطة الفلسطينية. وإذا كانت المنظمة قد فشلت في تحقيق أهدافها الرئيسية وواجهت تحديات في تمثيل الفلسطينيين، فهل لا يزال بإمكانها أن تُقدم كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني؟
ثالثًا، في ضوء إعلان محمود عباس عن العفو عن مفصولي فتح، ظهرت العديد من القراءات والتحليلات التي تشير إلى أن من بين من يشملهم العفو، رغم أن عباس لم يذكر اسمه، محمد دحلان، الذي يقيم في الإمارات منذ سنوات. دحلان، الذي كان يشغل دور الرجل القوي في قطاع غزة قبل سيطرة حماس على السلطة في 2007، يعيش الآن في المنفى بالإمارات ويُعتبر مقربًا من الرئيس الإماراتي محمد بن زايد آل نهيان، الذي قامت بلاده بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل في عام 2020.
على الرغم من أن عودة دحلان إلى دور قيادي في الضفة الغربية وقطاع غزة قد لا تكون وشيكة، إلا أنه قد يصبح مرشحًا مستقبليًا لإدارة غزة. ويرجح أن تكون الظروف قد أصبحت مواتية لعودته إلى الساحة السياسية، خصوصًا بعد انتهاء الحرب على غزة. وقد تسعى السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس إلى الاستفادة من عودة دحلان، مما يمنحها شرعية داخل حركة فتح، بالإضافة إلى تعزيز الدعم الإماراتي.
ولكن، في النهاية، يبقى السؤال الأهم: هل سيكون الشعب الفلسطيني في غزة، من خلال إرادته الحرة، هو صاحب القرار النهائي في تحديد مصيره وشكل السلطة التي تحكمه، بعيدًا عن المحاولات الخارجية أو الداخلية لإعادة رسم المشهد السياسي؟