الرئيسية مقالات

الضربة الامريكية المباشرة واكتمال الرواية الاسرائيلية

أمير مخول
نُشر: 23/06/25 17:24
الضربة الامريكية المباشرة واكتمال الرواية الاسرائيلية

في تعقيبه بالعبرية بعد الضربة الامريكية للمنشآت النووية الايرانية، استعار نتنياهو التعابير التوراتية ليضفي سبغة ربانية على انجازات اسرائيل بقيادته. اعتبر نتنياهو بأن الحرب على ايران "الاسد الصاعد" وهو ايضا مفهوم ديني، هي انجاز له اولا وللجيش وللسرائيليين. كما اعتبر نتنياهو بأن الانجاز الحالي هو الاكبر في تاريخ اسرائيل، تفاخر نتنياهو بأنه القائد الاهم لاسرائيل بوصفه لم يخضع لتقديرات الانهزاميين (في اشارة الى قادة الجيش والمؤسسة الامنية الذين أقالهم) ولا لمحبطي الهمم، وانما للرسالة الالهية وفقا للتوراة التي واجه بها الرب تردد النبي موسى من صعود الجبل خوفا من ان قدراته لا تسمح لرعاياه بذلك، وعليه انهى نتنياهو كلمته باقتباس توراتي مفاده ان إصعد وقتنا التي لا تعرف المستحيل سوف تنصرنا بعد اللوعد الرباني. فيما اضاف يوم 22/6 بعد الضربة الامريكية وبرفقة عدد من حاخامات الدين " قبل الحرب على ايران أودعت ورقة في الحائط الغربي (حائط البراق) وعليها "هوذا شعب يقوم كالاسد"، فيما اليوم أودعت  ورقة جديدة تقول "هوذا شعب قام كالاسد"".
في كلمته باللغة الانجليزية وضع نفسه ندا لترامب وشريكا في منزلته، وجه الشكر الى ترامب باسمه شخصيا وباسم الجيش وباسم الاسرائيليين وباسم "الشعب اليهودي" ويقصد يهود العالم، بل اضاف بأنه يشكره باسم "قوى الحضارة" في العالم، مشيدا بمقولة "السلام عن طريق القوة".
في التحليل:
بموازاة الاستعدادات الاستراتيجية والعملياتية للحرب على ايران والتي تعود بأقل تقدير الى عقدين من الزمن، فقد جرى تصميم منهجي للرواية الاسرائيلية والتي لا تنحصر في نتنياهو بل تحظى بإجماع قومي صهيوني والذي ازداد تلاحما بعد الضربة الامريكية صباح 22/6. كما وتقوم الرواية المدعومة شعبيا وسياسيا على عدد من الاسس منها:
ان ايران بنظامها الاسلامي تشكل خطرا وجوديا على اسرائيل وعلى اليهود، ثم تطورت هذه المحاججة لتفيد بأن ايران تشكل خطرا على الحضارة الانسانية والعالم المتنوّر (اي الغربي)؛ وان قوتها الصاروخية وفي تصنيع المسيّرات هي البنية لتصويب السلاح النووي نحو ابادة اسرائيل. في مرحلة محدودة وبخلاف نتنياهو نقض نفتالي بينيت بصفته رئيسا للحكومة في حينه، بأن ايران هي مجرد نمر من ورق وانها اضعف بكثير مما يتهيّا للعالم الغربي وبالامكان تقويضها، داعيا الولايات المتحدة والدول الغربية لاسناد اسرائيل وتوفير مظلة حربية لها كي تقوم بالمهمة ان لم يكن العالم الغربي معنيا بذلك.
إلحاحية التصدي لايران واضفاء الطابع الدفاعي على السياسة الاسرائيلية وطابع الضحية القوية لكن التي تحتاج الى المزيد من القوة، وبأن ايران بصدد انتاج السلاح النووي وخلال اسبوعين. وقد تكرر هذا الخطاب منذ العام 2012 على لسان نتنياهو، بخلاف من سبقوه مثل شارون واولمرت اللذين آثرا الصمت والتكتّم مقابل الفعل الاستخباراتي والعملياتي.
الرواية القائلة بأن ايران لا تختلف في الجوهر عن النازية والمرشد عن هتلر، في كراهية اليهود والسعي لافنائهم مستفيدين من شعار "الموت لامريكا" و"الموت لاسرائيل" وقد بنت ايران "طوقا من النار" من منظمات عسكرية غير دولانية يحاصر اسرائيل ويشكل درع ايران في مهاجمتها و"القضاء عليها". فيما الايحاء بأن اسرائيل تشكل الجبهة الامامية للغرب في مواجهة ايران نووية، وبأن الامر ممكن وقابل للتنفيذ عند الحاجة. الا انها ليست فقد جبهة الغرب المتقدمة بل جبهة الخير والتحضر في مواجهة التخلف والشر المطلق. تطورت هذه الرواية لتجيب على تساؤلات دولية بصدد شرق اوسط خالٍ من الاسلحة النووية بما فيه اسرئيل، لتكون المحاججة بأن اسرائيل لم تهدد اية دولة بالابادة بينما ايران فعلت ذلك وفقا للدبلوماسية الاسرائيلية وحصريا بهدف "ابادة دولة اليهود".
إن فكرة الجبهة الامامية للغرب تستوجب استحقاقات من الدول الغربية؛ سواء أكان ذلك بالغطاء الحربي الامريكي الفعلي والدعم العسكري والاقتصادي الهائل، ام بالدعم الاقتصادي وبالتسليح من قبل دول اوروبا. لقد وجد مثل هذا الاثر والتقاء المصالح والرؤى تعبيرا عنه في الموقف الذي عبر عنه المستشار الالماني بعد الضربة الاسرائيلية الاولى على ايران، بتصريحه بأن "اسرائيل تقوم بالحرب القذرة نيابة عنا" اي نيابة عن الغرب، مما يعني على ارض الواقع الالتزام الالماني الاوروبي الى جانب الامريكي بتقاسم مهام الحرب الاسرائيلية بما فيه التسليح والدعم الدبلوماسي وبالتمويل والدعم الاقتصادي. وللتنويه فقد كان على جدول الاعمال الاوروبي قبل الحرب على ايران اتخاذ اجراءات عقابية ضد اسرئايل بسبب حربها على غزة والتي باتت شأنا مهمّشاً دولياً في سياق الحرب على ايران.
الرواية الاسرائيلية متحركة ويضاف اليها مركبات جديدة وفقا للتطورات ومآلات الامور، فلم تعتد تتوقف عند "الخطر النووي الايراني"، بل امتدت لتشمل القدرات الصاروخية والقدرات في صناعة المسيّرات المتطورة، باعتبارها البنية الاساسية للمشروع النووي وباعتبارها ايضا بأنها تشكل التهديد الحقيقي لاسرائيل. قد تكون هذه المسألة هي المسوّغ لمواصلة الحرب بعد الضربة الامريكية لايران، واستهداف منشئات مشروعها النووي وحصريا منشأة فوردو. بينما يبدو ان التركيز على منشأة فوردو كان بمثابة فزاعة لاستدراج التدخل الامريكي العلني والمباشر للحرب وليس بالضرورة حصريا في هذه المنشأة بل لتقويض النظام. يقول ايهود براك رئيس الحكومة ووزير الامن الامن الاسبق واحد ابرز المطلعين على المشروع الايراني بأنه حتى لو استهجفت اسرائيل او الولايات المتحدة منشأة فوردو فإن ذلك لن يؤثر على قدرات ايران النووية فيما لو ارادت استخدامها عسكريا، اذ تملك ايران وفقا له نحو 400 كغم من اليورانيوم المخصب بدرجة 60% وما فوق وهي كمية لا تحتاج الى مفاعل نووي ولا الى منشأة فوردو بل بالامكان إخفاؤها وبالامكان زيادة تخصيبها لاحتياجات عسكرية بوسائل ابسط من المفاعلات. في المقابل نجح نتنياهو وقيادة الجيش في ترسيخ خطر فوردو بوصفه اساسيا في تدمير القدرات النووية الايرانية.
تغيرت الرواية الاسرائيلية الرسمية في اعقاب الضربة الهائلة للجيش وللدولة في ايران وسيطرة سلاح الجو الاسرائيلي على الاجواء الايرانية بشكل شبه مطلق ومستدام لم يتوقف عند الضربة الاولى بل بات يتعزز. وانتقلت الرواية التي يتبناها نتنياهو من الخطر الايراني النووي والوجودي على اسرائيل الى رواية اقرب الى موقف بينيت بأن ايران "نمر من ورق"، وهي رواية عززت روح الانتصار وعلى اثرها الالتفاف الشعبي الهائل اكثر من 80% حول تأييد الحرب، وكذلك لاغراء الادارة الامريكية واوروبا بأن امكانية القضاء على النظام الايراني واردة وتبدو متوفرة، وذلك باعتبار ان بقاء النظام سيمكنه من اعادة بناء المشروع النووي لاحقا وحتى لاحتياجات عسكرية. ويبدو ان هذه التقديرات قد نجحت في اقناع ترامب بأهمية الضربة الاستراتيجية التي قامت بها الولايات المتحدة على ايران 22/6. حتى وإن نشرت "وول ستريت جورنال" بأن واشنطن أبلغت طهران أنّ الضربات "لمرة واحدة"، فإنه التطورات توحي بالتصعيد الامريكي لا التوقف عند هذا الحد.
في الخلاصة:
بموازاة الاعداد للحرب منذ عشرات السنين  تم تطوير الرواية الاسرائيلية لتلائم اهداف الحرب ومتطلبات الجانب العملياتي منذ بدء الهجوم على ايران، مما عزز الاجماع القومي الاسرائيلي على الحرب، وعزز من الالتفاف الدولي الغربي حول اسرائيل بخلاف الاختلاف معها حول الحرب على غزة.
تشير الامور الى ان الاحتمالية الاقوى بعد الضربة االامريكية في ايران، هي التصعيد ومواصلة العمل الحربي الامريكي والاسرائيلي في محاولة لاسقاط الدولة والنظام في ايران.
شكلت الضربة الامريكية ذروة جديدة من النشوة الاسرائيلية والشعور بالانتصار، ومن شأنها تعزيز الاجماع القومي الصهيوني والاصرار على مواصلة الحرب.
هناك خشية لدى نتنياهو من ان الضربة الامريكية في ايران تشكل خطوة من جانب ترامب للسيطرة على مجريات الامور بما يخدم الاولويات الامريكية في الهيمنة على المنطقة والعالم ضمن النظر الى ان اسرائيل تقوم بدور وظيفي ضمن السياسات الامريكية، وكونها تحظى بالدعم الامريكي الهائل عسكريا وماليا، وهذا يتماشى مع روح الادارة الامريكية القائمة على فكرة امريكا اولا.
من غير الواضح كيفية الرد الايراني، وهل تملك القدرات لمواجهة الولايات المتحدة، وعليه لا تزال كل الاحتمالات واردة، ويبدو التصعيد سيد الموقف.