البراغماتية السياسية العربية داخل إسرائيل: بين تعزيز التأثير والمساءلة التمثيلية

البراغماتية السياسية العربية داخل إسرائيل: بين تعزيز التأثير والمساءلة التمثيلية
بقلم: محمد دراوشه
تثير تصريحات النائب منصور عباس، التي عبّر فيها عن استعداده للانضمام إلى أي حكومة لا تهمّش التمثيل العربي – يمينًا كانت أو يسارًا – نقاشًا واسعًا حول ماهية التمثيل السياسي العربي داخل إسرائيل، وحدود البراغماتية السياسية التي باتت تُشكّل أحد أبرز أدوات العمل السياسي في السنوات الأخيرة.
في السياقات الديمقراطية المعقّدة، تُعتبر البراغماتية أداة لتجاوز الحواجز وتعزيز المكاسب. غير أن هذه البراغماتية، حين تُمارَس دون خطاب جماعي واضح أو رؤية وطنية تُراعي الهوية السياسية والاجتماعية، تصبح موضع مساءلة من الجمهور الذي يتطلع لتمثيل يعكس تطلعاته الحقيقية، لا مجرد حسابات ظرفية.
ليست تجربة النائب عباس استثنائية أو الأولى من نوعها؛ فقد دعم الحزب الشيوعي والحزب الديمقراطي العربي حكومة رابين في الفترة بين 1992–1995، من خارج الائتلاف، استجابة لطلب فلسطيني ودعمًا لعملية السلام. كما أوصت القائمة المشتركة عام 2019 بتكليف بيني غانتس لتشكيل الحكومة، بهدف إسقاط حكومة نتنياهو التي واجهت اتهامات بالتحريض ضد المواطنين العرب. في كلا التجربتين، كانت البراغماتية مشروطة ومؤطرة سياسيًا، تُعبّر عن موقف جماعي يسعى لتغيير موازين القوى دون التخلّي عن المبادئ الوطنية.
في المقابل، هناك تيارات ترفض الانخراط في العملية السياسية الإسرائيلية كليًا، وتعتبر المشاركة في الانتخابات شرعنة لبنية تمييزية تتعامل مع المواطنين العرب كمجموعة هامشية غير شرعية من منظور المواطنة. في حين تؤيد تيارات أخرى المشاركة، لكنها تتمسك بالبقاء في المعارضة، وترى في ذلك وسيلة للكشف عن السياسات العنصرية، والدفاع عن الحقوق، دون الدخول في تحالفات قد تُربك الثوابت السياسية.
لكن ما يغيب في الكثير من الجدل السياسي هو صوت المواطن العربي، وهمومه اليومية، التي تتطلب سياسات واقعية وجرأة تنفيذية. فالبراغماتية من منظور شعبي ليست مفهوماً سياسياً مجرداً، بل وسيلة لتحقيق تطلعات أساسية، مثل:
* محاربة الجريمة والعنف، التي تتصدر أولويات المجتمع العربي، في ظل أرقام صادمة من الضحايا.
* تحسين التعليم وضمان تكافؤ الفرص الأكاديمية والتربوية.
* توفير فرص عمل عادلة، وخاصة للنساء والشباب، ومكافحة الفقر الهيكلي.
* تطوير البنية التحتية والمواصلات في البلدات العربية المهملة.
* حل أزمة السكن، وإنهاء سياسات التخطيط التمييزية التي تُفاقم الضائقة السكنية.
كل هذه القضايا تُعبّر عن طموح جماعي، يرى في التمثيل السياسي وسيلة للعيش الكريم، وليس فقط موقعًا داخل معادلات السلطة.
في النهاية، لا يُقاس نجاح التمثيل السياسي بعدد المقاعد أو حجم الميزانيات، بل بالقدرة على ترجمة الحضور إلى تغيير ملموس في حياة الناس، دون التفريط بالهوية الوطنية أو تذويب المطالب الجماعية. السياسة، في جوهرها، ليست فن الممكن فقط، بل فن التمسك بالقيم وسط الممكن.