الرئيسية مقالات

بلا حماية، بلا تحصين: النساء، الرجال والأطفال في القرى البدويّة غير المعترف بها في النقب يُترَكون مكشوفين بلا حماية، وعلى الدولة أن تتحرّك

حنان الصانع
نُشر: 09/07/25 08:36
بلا حماية، بلا تحصين: النساء، الرجال والأطفال في القرى البدويّة غير المعترف بها في النقب يُترَكون مكشوفين بلا حماية، وعلى الدولة أن تتحرّك

في نيسان 2024، خلال الهجوم الصاروخي الإيراني على البلاد، أُصيبت طفلة في السابعة من عمرها من سكّان قرية الفرعة غير المعترف بها في النقب. في تلك البلدة، لم تكن صافرات إنذار، ولا ملاجئ أو حاميات، وبقي المجتمع السكّاني هناك مكشوفًا تمامًا أمام تهديد الصواريخ. وفي حزيران 2025، خلال 12 يومًا من الحرب بين إسرائيل وإيران، تكرّر المشهد من جديد، حين أُطلقت الصواريخ من إيران، وبقِيَت مساحات ومناطق سكّانيّة واسعة في البلاد دون حماية، من بينهم نحو 85،000 مواطن ومواطنة من سكّان القرى البدويّة غير المعترف بها في النقب. هؤلاء السكّان يعيشون واقعًا صعبًا ومعقّدًا، وسط غيابٍ شبه تام للبُنى التحتيّة الأساسيّة، مثل الكهرباء والماء، وإتاحيّة محدودة للخدمات الحيويّة، ودون وجود تخطيط عمراني منظَّم، ممّا يعني انعدام المباني الثابتة والمرخَّصة، وانعدام المنشآت المحميّة والمحصَّنة وفق مواصفات معايير الحماية، ضدّ القذائف والصواريخ أو الطائرات المسيّرة. 
منذ السابع من تشرين الأوّل 2023، وفي ظلّ التوتّرات الأمنيّة المتكرِّرة، بات الواقع اليومي لحياة هؤلاء السكّان أشدّ قسوة وأكثر تعقيدًا. في أوقات الطوارئ، يغيب عنهم كلّ شكلٍ من أشكال الحماية، بما في ذلك وسائل الحماية المعياريّة والفعّالة المتوفّرة عادةً بالقرب من أماكن السكن. لا ملاجئ ولا حاميات، لا صافرات إنذار ولا مبانٍ آمِنة، مقابل تهديد دائم بهدم البيوت. في ظلّ هذا كلّه، يجد عشرات الآلاف من الرجال والنساء والأطفال أنفسهم وهم يعيشون مكشوفين بلا أيّ حمايةٍ حقيقيّة.
هذا الواقع لم يتشكّل بين ليلةٍ وضحاها، بل هو نتاج تمييز متراكِم وممنهَج منذ سنوات طويلة. لكن في لحظات الاختبار الحاسمة للدولة، مثل تلك الّتي شهدناها خلال السنة والتسعة أشهر الأخيرة، وبشكل خاص في حزيران الماضي إبّان الهجوم الصاروخي الإيراني، تتجلّى بوضوح أهمّيّة الرؤية والاستجابة النظاميّة الشاملة والمسؤولة من قِبَل الدولة تجاه جميع مواطنيها.
في ظل واقعٍ متوتّر وغير مستقر كالّذي نعيشه، وحيث يُتوقَّع استمرار النزاعات الدمويّة العنيفة والمتكرّرة إلى حين التوصّل إلى حلّ سياسي دولي دائم للنزاع، تبرز مسؤوليّة حماية حياة جميع المواطنين، من كلّ بلدة ومجموعة ومجتمع، كتحدٍّ وطنيٍّ من الدرجة الأولى. وكما هو الحال دائمًا، فإنّ الفئات المهمَّشة في الأيّام العاديّة هي أكثر مَنْ تعاني وتدفع الثمن الأكبر في أوقات الحرب، وفي مقدّمتها المجتمع البدوي، وتحديدًا النساء البدويّات في القرى غير المعترف بها في النقب. كثيرٌ من هؤلاء النساء يعانينَ من محدوديّة في التنقُّل والحركة، لذلك هنَّ اللاتي يبقَيْنَ في القرى مع الأطفال والمسنّين، وبطبيعة الحال يبقَيْنَ معرّضات أكثر ومهدّدات نتيجة لانعدام وسائل الحماية، ممّا يضطرّهن للتعامل بأنفسهن مع الواقع الناجم ومع المخاطر والقلق الدائم على الأبناء والمسنّين. 
وعند إطلاق الصواريخ، يحاولْنَ تنظيم حياة تتناسب مع حالة الطوارئ وسط ظروف شبه مستحيلة، في الوقت الّذي يلازمهن فيه شعور دائم من عدم الأمان والتهميش. القضيّة هنا لا تنحصر بالبنية التحتيّة، بل هي مسألة ثقة وانتماء وأمان اجتماعي. ورغم أنّه منذ 7 أكتوبر 2023 قد عُقِدت عدّة جلسات في لجان الكنيست المختلفة، بل وحتّى نُصِبَت بعض وسائل الحماية كتجاوب مع التماسات تقدّمت بها منظّمات المجتمع المدني، مثل عددٍ من الكتل والاسطوانات الاسمنتيّة، وعددٍ محدود من الحاميات، ورغم الجهود التطوُّعيّة والمبادرات الشخصيّة الّتي بذلتها جمعيّات خيريّة ومجتمعيّة، إلّا أنّ الغالبية الساحقة من سكّان القرى البدويّة غير المعترف بها، بمن فيهم النساء والأطفال، ما زالوا دون وسائل حماية فعّالة ومتاحة ضدّ الهجمات الصاروخيّة. بل وأكثر من ذلك: بعض ما نُصِبَ من وسائل "الحماية" لا يفي بالحدّ الأدنى من المعايير المحدَّدة، مثل استخدام وسيلة "الهسكو"، وهي منطقة محصّنة بأكياس رمل دون سقف، والّتي بحسب تعليمات الجبهة الداخليّة لا توفّر حماية من ضربة مباشرة، وحتّى اليوم لم تُرفَق بأيّ إرشادات أو توعية للسكّان حول كيفيّة استخدامها.
لذلك، وبالتوازي مع الاستثمارات الّتي تخصّصها الدولة فعليًّا لتعزيز حماية الجبهة الداخليّة، لا بدّ من توسيع نطاق الرؤية والمسؤوليّة، لتشمل أيضًا توفير الاستجابة والحلول لسكّان القرى البدويّة غير المعترف بها في النقب، رجالًا ونساءً على حدٍّ سواء. يجب بلورة الحلول بالشَراكة مع سكّان هذه القرى أنفسهم، لتلائِم احتياجاتهم المتنوّعة، وبالتعاون مع القيادة المحلّيّة ومنظّمات المجتمع المدني الفاعِلة في النقب، والّتي تمتلك معرفة عميقة بالسياق، وبالاحتياجات والوسائل الفعّالة الّتي يمكن أن تُنتِج حلولًا وتُحدِث أثرًا حقيقيًّا.
في هذه الأوقات بالذات، لدى الدولة فرصة نادرة لإحداث تصحيح تاريخي حقيقي: توسيع دائرة الحماية لتشمل جميع البلدات دون استثناء، تقليص الفجوات العميقة والمتراكِمة على مرّ السنوات، وبثّ رسالة واضِحة من الشراكة والرؤية الشموليّة لكافّة سكّان النقب، كجزءٍ لا يتجزّأ من المجتمع الإسرائيلي.
آن الأوان لضمان الحماية للجميع، وبوسائل حماية معياريّة متاحة وموزَّعة بشكل عادل، وقريبة من كلّ مواطني وسكّان الدولة، دون تمييز أو إقصاء، مع إيلاء اهتمام خاص بالفئات الّتي تعاني أصلًا من التمييز والتهميش والعوائق الّتي تفرضها الدولة نفسها، والّتي تحول دون حصول الجميع على حماية حقيقيّة. هذه خطوة ضروريّة لازِمة لبناء حصانة مدنيّة مشتركة، وتقع المسؤوليّة في ذلك أوّلًا وأخيرًا على عاتق الدولة.

الكاتبة هي المديرة الشريكة في جمعيّة إيتاخ مَعَكِ – حقوقيّات من أجل العدالة الاجتماعيّة.