الرئيسية مقالات

محور موراج واختزال قضية فلسطين في غزة

أمير مخول
نُشر: 10/07/25 21:54
محور موراج واختزال قضية فلسطين في غزة


بخلاف الاجواء التي أشاعتها ادارة ترامب عشية زيارة نتنياهو الى واشنطن، وبأن ترامب سوف يحسم القرار بصدد الزام اسرائيل بالصفقة ومنها نحو وقف دائم لاطلاق النار، فإن الترجمة الاسرائيلية الفعلية للموقف الامريكي تبدو اقرب الى ضوء اخضر لمواصلة الحرب على غزة بأكبر كثافة ممكنة، ومن خلالها السعي لتطبيق أخطر الحلول.
طالبت السلطة الفلسطينية ادارة ترامب ان تتفاوض معها بشأن مصير غزة وذلك بوصفها الجهة الرسمية الكيانية الفلسطينية، ومصير غزة هو جزء لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية. فيما نقلت يديعوت احرونوت بأن اسرائيل قد وافقت مبدئيا بان يبدأ تدفق الاموال من "قطر ودول اخرى" الى غزة خلال لغرض الاعمار وخلال فترة وقف اطلاق النار، بينما رفضت ذلك كل من السعودية والامارات.
يعتبر محور موراج "درة التاج" في المشروع الاسرائيلي القائم على التطهير العرقي والتهجير. تحت مسمى "فصل السكان عن حماس" يدفع المشروع الى تجميع غالبية سكان القطاع في المنطقة ما بين محور موراج (بين خان يونس ورفح) وبين محور صلاح الدين/فيلادلفي. ذمن ذلك ستقام "المدينة الانسانية" بروح حكومة نتنياهو.  اعتمدت حكومة نتنياهو معيار الكثافة في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين مؤكدة ان المساحة على انقاض رفح تكفي لاستيعاب ما لا يقل عن 600 ألف فلسطيني نازح وبالامكان حتى زيادة العدد.
فيما أن موراج هو أبعد من حصره في حدود جغرافية بل يتعداها الى حدود استراتيجية لها علاقة بمستقبل فلسطين والفلسطينيين، وذات ابعاد على الامن القومي الاقليمي وحصريا على كل من مصر والاردن. صرح ترامب خلال زيارة نتنياهو الى واشنطن بأن ادارته على تواصل مع دول عربية لاستيعاب الغزيين، كما وتحدث عن اتصالات مكثفة مع دولة مجاوزر لاسرائيل دون الافصاح عنها. لقد اعلنت كل من مصر والاردن مدعومتين من السعودية الرفض التام لاي خيار من هذا القبيل. فيما يتعلق بمصر والتي تقوم بدور الوسيط في المفاوضات بين اسرائيل وحماس.
إن مسألة محور موراج ومسألة التهجير تمسان جوهريا الامن القومي المصري. النوايا الاسرائيلية واضحة منذ اكتوبر 2023 بتهجير سكان غزة الى سيناء، وهو الموقف الذي يسجل لصالح مصر في منع التهجير الذي دعمته بقوة في حينه كل من الولايات المتحدة وبريطانيا ودول غربية اخرى. حاليا تتمسك اسرائيل بمحور موراج بكامله او بانسحاب جزئي مقابل السيطرة عليه باستخدام المسيّرات والذكاء الاصطناعي الحربي لضبط حركة السكان بالاضافة الى سلاح البحرية من جهة الغرب/البحر. الاهمية لهذه السيطرة هي منع عودة اي من السكان الى شمال ووسط القطاع. 
الا ان "المدينة الانسانية" التي باتت مشروعا مكشوفا ستقوم على استدامة حياة النزوح والاقامة المؤقتة بظروف تتحكم فيها دولة الاحتلال لتقوم باستغلال اي ظرف دولي او عربي وحصريا مصري لدفع الفلسطينيين الى سيناء. في حال تسنى ذلك لاسرائيل ستخضع غزة لعودة الاستيطان وحتى الى الضم اسرائيليا. في هذا الصدد ترفض اسرائيل التنازل عن الجانب الفلسطيني من معبر رفح، وهو يخضع رسميا للسطة الفلسطينية التي ادارته مقابل الجانب المصري رغما عن الانقسام الفلسطيني وسيطرة حماس على غزة. 
يرى المستوى السياسي الاسرائيلي ان لا تناقض بين اعتراض الجيش القوي على احتلال كامل القطاع لما في ذلك من اهدار لحياة المحتجزين والاسرى الاسرائيليين؛ فيما للمدى البعيد سوف يتحول الجيش الىحكم عسكري مستدام يستنزفه. فيما يشير منطق المستوى السياسي الى ان تجميع الفلسطينيين في مراكز اعتقال ومعزل ثلاثة على الاكثر وتهجير "طوعي" لنحو ثلث الغزيين في الدفعة الاولى، سيتيح حكما عسكريا سلساً وغير مستنزف للجيش يعززه الاستيطان على انقاض المدن والبلدات الفلسطينية. هذا حتى وان كانت تقديرات امنية تحذر من احتمالية ان يتحول الغضب الفلسطيني الشعبي ضد الاحتلال الاسرائيلي الذي يسعى بدوره ان يدفع به نحو الاقتتال الفلسطيني الداخلي، وعلى بنية الميليشيات الفلسطينية التي يسعى الاحتلال لتعزيز وجودها ومدها بالسلاح والتدريب وفقا للاعلام الاسرائيلي.
يكسب نتنياهو من خطاب ترامب القائل بأن الصفقة ستؤدي الى "انهاء الحرب واحلال السلام"، اي حصر حدود الصراع في غزة وليس بحدود قضية فلسطين بكل مركبات الحق الفلسطيني. لقد رفض ترامب خلال لقائه مع نتنياهو الاجابة عما اذا كان يدعم حل الدولتين وأحال الرد الى نتنياهو موفرا له فرصة ثمينة للقول لا، كما يدرك الاخير بأن مشروع حماس لا ينطلق من حل الدولتين مما يتيح له مساحة من الراحة، وحصريا لان ترامب تجاهل في هذا الصدد الموقف الفلسطيني الرسمي ومواقف كل من مصر والاردن، ومتحايدا موقف السعودية التي تشترط السلام مع اسرائيل بقيام دولة فلسطينية وفقا لمبادرة السلام العربية.
قبول اسرائيل المعلن لغاية الان بصيغة تحرير المساعدات الانسانية الى غزة من منظومة "مؤسسة غزة الانسانية" الاحتلالية، واتاحتها من خلال منظمات أممية، قد يكون بداية الاعتراف بأن المشروع الاسرائيلي الامريكي قد فشل وقد يتفكك.
سيكون من الخطأ حصر المحادثات بين ترامب ونتنياهو بمسألة غزة والصفقة او انهاء الحرب عليها. بل ان الملف السوري يندرج في اولويات كل منهما. جاء قرار إزالة تنظيم جبهة النصرة من قائمة الارهاب وفقا للاعتبارات الامريكية وسبقه مرسوم ازالة العقوبات عن سوريا، ليتماشى مع الاستراتيجية الاسرائيلية في محاصرة ايران وفي السعي الى تقويض اي وجود لحزب الله في لبنان، وحتى وفقا لموقع اي24 الاخباري الاسرائيلي تطرح فكرة دعم ضم سوريا لمدينة طرابلس اللبنانية الشمالية واقليمها مقابل التنازل لاسرائيل عن الجولان المحتل سواء منذ 1967 او الذي تم احتلاله مؤخرا وفي اطار اتفاق امني. فعليا الاتفاق الامني كما يطلق عليه هو بمنزلة اتفاق سلام غير معلن. ويكثر الحديث في الاعلام الاسرائيلي عن مفاوضات امريكية تركية في هذا الصدد. كما يتسع نطاق التأكيدات الاعلامية الاسرائيلية بأن الدولة العربية المجاورة التي يتم الحديث عنها لتهجير مئات الاف الفلسطينيين من غزة هي سوريا على ان يتم نقلهم  الى الشمال السوري وليس الى المنطقة الحدودية مع اسرائيل، ووفقا لمخطط اورورا التهجيري ستقوم اسرائيل بدفع تسعة الاف دولار لكل مهجّر من بين 500 – 600 ألف فلسطيني غزي تسعى الى تهجيرهم و"معنيين بذلك" وفقا لرواية الاحتلال.
يبني المشروع الاسرائيلي المدعوم امريكيا وبقوة على السعي لتوزيع المنطقة على اساس محاور، يكون اولها المحور القطري السوري التركي وقد يشمل لبنان لاحقا. هذا مع التأكيد ان لا ضمانات بان تنجح هذه المساعي الاسرائيلية الامريكية. اذ ان دول المنطقة لها تقاطعات عربية واقليمية ودولية لا تنحصر في حدود نوايا اسرائيل. 
بخلاف ذلك، يتضح ايضا تراجع الدور الاسرائيلي اقليميا وتراجع وزنها الاستراتيجي، مما قد يدفع ترامب الى عدم الرهان عليها في مخططاتها الاقليمية والاكتفاء بتوفير الحماية المطلقة لها، وهو ما ينعكس في التفاوت بين الموقفين في الشأن الايراني. وإذ يؤكد ترامب تحقيق الانتصار امريكيا على ايران في اطار مشروعها النووي العسكري وفقا له، فإنه يشير الى عدم قدرة اسرائيل على التصدي ذاتيا للصواريخ الايرانية والدمار الهائل الذي احدثه والذي جرى التكتم عليه بينما بدأت تتكشف اثاره.
في الخلاصة فإن لقاءات واشنطن بين ترامب ونتنياهو أبعد من الصفقة ولا تتوقف عندها، بل هي مسعى للتأسيس لمحاور اقليمية مرتبطة مصلحيا باسرائيل، وبهيمنة امريكية؛ فيما ليس بالضرورة ان تتحقق. فيما يشكل عدم حسم ترامب لموقفه بفرض الصفقة ووقف دائم لاطلاق النار، ضوءا اخضر لتكثيف الحرب على غزة ولمخططات التهجير التي تحمل اسم "المدينة الانسانية". كل ذلك رغما عن المؤشرات باخفاق منظومة "مؤسسة غزة الانسانية" في تحقيق غاياتها الحربية الاقتلاعية. رغم احتمالية ابرام صفقة مؤقتة الا ان الحرب على غزة وعلى كل فلسطين لم تتوقف ولا مؤشرات لتوقفها.
في الملف الاقليمي فالاولوية الاسرائيلية الحالية هي اتفاق امني بمنزلة اتفاق سلام مع سوريا لكونه يندرج في اهداف الحرب على غزة و"تغيير وجه الشرق الاوسط". بينما مشروع التطبيع الاوسع يتراجع. عادت قضية الحرب على غزة والصفقة تتصدر الراي العام الاسرائيل وجدول الاعمال السياسي وهو ليس في صالح نتنياهو سياسيا، حيث امكانيات تجديد الحرب على ايران تبدو مستبعدة حاليا حتى وان كانت واردة مبدئيا.
سياسيا اسرائيلياً وفي حال عاد نتنياهو من واشنطن دونما صفقة مبرمة من المتوقع ان يدفع ذلك الى اتساع حركة الاحتجاج ضد الحرب، والى المزيد من التأزم على الساحة السياسية الاسرائيلية، حتى داخل الائتلاف الحاكم. 
فلسطينيا وعربيا، فإن تعامل كل من نتنياهو وترامب على اعتبار الصفقة وانهاء الحرب على غزة (بعد تحقيق اهدافها وفقا لنتنياهو) هو حل للصراع، وتجاهل قضية فلسطين برمتها وحصريا ما يحدث في الضفة الغربية من ضم وتطهير عرقي وهدم المخيمات، هي تحديات كبرى تتطلب ان تنحصر مفاوضات الصفقة في حدودها وليس في حدود فلسطين ومصير القطاع، كما ان الجهود الفعالة لاعادة الحياة لمؤتمر نيويورك العربي الدولي لقيام دولة فلسطين باتت طارئة اكثر مما كانت عليه.
على ارض الواقع وفي ظل الاهتمام بالمفاوضات، تشهد غزة فصلا من الإفناء السكاني والمكاني المكثف والمتسارع.