الرئيسية مقالات

من نوكيا إلى ميغا: كيف تُفلس الشركات

محمد سامي محاميد
نُشر: 17/07/25 18:13
من نوكيا إلى ميغا: كيف تُفلس الشركات

بقلم: محمد سامي محاميد | مستشار تنظيمي وموجه مهني، مدير مركز توب تالنت


من منّا لا يذكر ذلك الهاتف الذي ذاع صيته في التسعينيات؟
نوكيا لم تكن مجرد شركة هواتف، بل كانت جزءًا من الحياة اليومية. صلابته، بطاريته التي تدوم لأيام، وألعابه البسيطة، جعلت منه رفيقًا لا يُستغنى عنه. في ذروة مجدها، كانت نوكيا تسيطر على أكثر من 40% من سوق الهواتف المحمولة في العالم. لكن أين هي اليوم؟ وكيف تراجعت بسرعة أمام منافسين مثل آبل وسامسونج؟

السبب لا يكمن في ضعف التكنولوجيا ولا قلة الموارد، بل في العقلية التي أدارت الشركة. نوكيا تبنّت عقلية تقليدية مفادها أن "ما نجح في الماضي سينجح دائمًا". تمسكت بنموذج عملها القديم، تجاهلت التحولات الرقمية، ولم تصغِ لتغيرات السوق واحتياجات المستخدمين. وبينما كان العالم يتجه نحو الهواتف الذكية، كانت نوكيا لا تزال تصنع أجهزة بأزرار وشاشات صغيرة.

والمؤسف أن هذه ليست مجرد قصة شركة عابرة، بل نموذج يتكرر حتى اليوم في كثير من المصالح، المؤسسات، وحتى المشاريع الصغيرة. كم من مطعم، مكتب، أو شركة محلية ما زالت تدار بنفس الأسلوب؟ نفس طريقة الاستقبال، نفس الخدمات، نفس القناعات: "الزبائن سيأتون لأننا الأفضل، كما كانوا دائمًا". ولكن السوق تغيّر، والزبائن تغيّروا، والتكنولوجيا قلبت كل الموازين.

ولا يقتصر الأمر على عالم التكنولوجيا وحده، ففي إسرائيل أيضًا، شكّلت شركة "ميغا" التجارية مثالًا واضحًا لسقوط شركة محلية كبرى بسبب التمسك بالنموذج التقليدي ورفض التغيير. فقد واصلت "ميغا" إدارة فروع ضخمة ومكلفة دون مرونة، متجاهلة التحولات في السوق والمنافسة المتزايدة. كما تأخرت في دخول العالم الرقمي، ولم تطور تجربة زبائن حديثة. هذا الجمود، إلى جانب سوء الإدارة، أدى إلى فقدان ثقة الموردين والزبائن، وانتهى الأمر بانهيار مالي كبير وإفلاس في عام 2015. تمامًا كما حدث مع نوكيا، كان السبب الجوهري هو الاعتقاد بأن ما نجح في الماضي سيبقى ناجحًا دائمًا – وهو اعتقاد ثبت مرارًا أنه قاتل في زمن يتغير فيه السوق باستمرار.


والمقلق أكثر، أن بعض أرباب العمل في مجتمعنا يتصرّفون كما لو كانوا "رؤساء عرب": يبدّلون الأقسام كما تُبدَّل الوزارات، ويغيّرون الأشخاص لا السياسات. نفس العقليات، نفس الأخطاء، ونفس دوائر الثقة الضيّقة... ومع ذلك، يتوقّعون نتائج مختلفة! ويُضاف إلى ذلك ثقافة المحسوبيات والعقلية "العائلية" التي تُعطّل الكفاءات وتُقصي أصحاب المبادرة، لتُبقي دوائر اتخاذ القرار محصورة في المحيط القريب والآمن، حتى لو كان عاجزًا أو مقاومًا للتغيير. وهكذا تُدار بعض الشركات كأنها "ملكية خاصة" لا كمؤسسات موجهة للنمو والاستدامة، ما يجعلها غير مؤهلة لمواجهة تحديات السوق الحديث أو المنافسة الحقيقية.


التمسك بالعقلية التقليدية يمنح أمانًا زائفًا، لكنه قد يكون أخطر قرار. فالنجاح اليوم لا يُقاس بجودة المنتج فقط، بل بسرعة التكيّف. وما أسقط نوكيا قد يُسقط أي مؤسسة لا تتحرك ولا تتجدد. في عالم متغير، المطلوب هو المرونة والانفتاح لا الثبات. المؤسسة الناجحة ليست تلك التي تجيد التسويق أو تردد شعارات جذابة، ولا تلك التي تعتمد على إنجازات الماضي وتكتفي بما كان. النجاح المؤسسي لا يُقاس بثبات الأسلوب، بل بقدرة المؤسسة على طرح أسئلة جديدة تُحاكي أدوات العصر وتستجيب لتغيراته. فمؤسسات الأمس الناجحة ليست بالضرورة مؤسسات اليوم الرائدة، خصوصًا في زمن معقّد أصبح فيه التغيير هو الثابت الوحيد. إن المؤسسة التي تطمح للبقاء والتفوق، عليها أن تدرك أن التطوير ليس محطة، بل مسيرة دائمة غنية بالتجربة والاستكشاف.