الرئيسية مقالات

حدود مناورة أقصى اليمين الاسرائيلي امام التحرك الدولي

أمير مخول
نُشر: 31/07/25 11:19,  تحديث: 11:20
حدود مناورة أقصى اليمين الاسرائيلي امام التحرك الدولي

توجّه 22 وزيرا ونائبا من الائتلاف بطلب من وزير الحرب لدخول غزة اليوم 30/7، وذلك تحت شعار التمهيد للاستيطان. فيما على صعيد الضفة الغربية فقد أخطر جيش الاحتلال بهدم كل المنازل في قرية النعمان شرق بيت لحم وعددها 45 منزلا وجميعها مأهولة بالسكان، أحدثها منذ 35 عاما، وأقدمها 75 عاما.
تفيد المصادر الاعلامية الاسرائيلية بأن رئيس الجيش الاسرائيلي زامير أبلغ المستوى السياسي بأن الحرب في اطار عملية "عربات جدعون" قد استنفدت ذاتها وحققت كامل اهدافها المرسومة مسبقا، وأضافت بأن زامير قد حذّر بأن الانتقال الى احتلال كامل القطاع يصطدم مباشرة مع الموقف باعادة جميع المتجزين.
تتصاعد حدة الصراع الاسرائيلي الداخلي في اسرائيل، وذلك حول مواصلة الحرب على غزة والتي ترى فيها اغلبية الراي العام بأنها باتت عبئا ثقيلا لن يأتي بنتائج بل وقد ترتد على اسرائيل ببعدها السياسي محليا ودوليا. في المقابل يأخذ التعنت الحكومي العلني منحى أكثر تشددا نحو مواصلة الحرب وتكثيفها واحتلال كامل القطاع.
بخلاف مواقف سابقة لم يسع نتنياهو الى اسكات وزرائه او مطالبتهم بعدم الادلاء بتصريحات سياسية. يبدو انه يريد لهذه الاصوات ان تخرج للعلن وحصريا تصريحات الوزير عميحاي الياهو بصدد التراجع عن اولوية المحتجزين لصالح هدف الحسم العسكري والضم والاستيطان في قطاع غزة. لقد دعا الوزير الياهو الى ان تطلق الحكومة على المحتجزين "اسرى حرب" وذلك باعتبار ان اسرى الحرب تتم اعادتهم في نهاية الحرب. كما يدعو الى الكف عن استخدام مفردة "مخطوفين" لان هذا يتطلب ان "تصبح فعليا المهمة هي اعادتهم اولا"، ويضيف "برأيي ان المهمة الاولى هي ليست المخطوفين". 
اتاح نتنياهو المجال للتصريحات بالضم بصدد الضفة الغربية والاخطارات بهدم قرية بكاملها هي قرية النعمان في منطقة بيت لحم. في هذا الصدد يندرج هذا الاخطار للقرية بمساعي حكومة نتنياهو فيما لو استطاعت، بابتزاز الدول الاوروبية والغربية الكبرى باستثناء الولايات المتحدة، بأن حكومته سوف تقوم بضم مناطق اضافية مقابل كل اعتراف من هذه الدول بدولة فلسطين. لقد استعان نتنياهو حتى بموقف المعارضة للتنديد بموقف بريطانيا واعلانها الاعتراف بدولة فلسطين في حال لم توقف اسرائيل الحرب على غزة وتتيح المساعدات الانسانية. هناك تصريحات ايرائيلية رسمية تدعو الى اقامة دولة فلسطينية في بريطانيا في حال أصرت الاخيرة على الاعتراف، مع التنويه الى مكانة بريطانيا كأقرب وأهم حليف عسكري بعد الولايات المتحدة اضافة الى وزنها الرمزي في كونها صاحبة "وعد بلفور" الداعم لاقامة وطن قومي لليهود في فلسطين من العام 1917.
يكشف هذا الصراع السياسي عن ان التصور الاستراتيجي العلني الوحيد القائم في حكومة نتنياهو هو لتيار الصهيونية الدينية والداعية لاحتلال كامل القطاع وبتره الى ثلاثة تجمعات سكانية مغلقة، ومن خلال ضم مناطق فيه. وفقا لذلك يتصاعد خطاب وزراء هذا التيار الداعين الى التخلي عن مسألة اعادة الاسرى والمحتجزين الاسرائيليين في غزة والذين ممكن اعادتهم من خلال الصفقة فقط وفقا للرأي العام السائد. 
تشير تصريحات الصهيونية الدينية الى امرين؛ الاول هو داخلي في هذا التيار لاحراج رئيسه سموتريتش الذي يواجه دعوات من وزراء حزبه بالانسحاب من الحكومة واسقاطها كي لا تستطيع ابرام صفقة شاملة وانهاء الحرب فيما يرفض سموتريتش ذلك. بل ويسعى عوضاً عنه الى التصعيد الكلامي ضد رئيس الاركان زامير متهما اياه بالاخفاق والفشل في تحقيق اهداف الحرب؛ فيما السبب الذي يبدو الاهم في تصعيد خطاب هذا التيار، هو خشيته من التحولات الدولية الغربية تجاه الاعتراف بدولة فلسطين مما يعني وضع عراقيل دولية امام خطة الضم وخطة الحسم. اذ ان هذه الدول بدأت باتخاذ اجراءات عقابية ضد سموتريتش وبن غفير بما فيه منعهما من دخول اراضيها، مما يعمق الازمة الاسرائيلية الداخلية.
بنظر هذا التيار يشكل ترامب مصدر القلق الاكبر وحصريا تصريحاته عن التجويع في قطاع غزة وعن حجم الكارثة  وبشكل خاص كارثة الاطفال الفلسطينيين. هذه التصريحات تعتبرها الدول الاوروبية ضوءاً أخضر لممارسة الضغوطات الفعلية على اسرائيل وامكانية تجاوز مسألة تسجيل الموقف الى الفعل بما فيه العقابي وكذلك الاعتراف بدولة فلسطين. وفقا للتقديرات الاسرائيلية فإن تصريحات رئيس الوزراء البريطاني ستارمر بشأن الاعتراف بدولة فلسطين في حال لم تنه اسرائيل الحرب على غزة، وردت على مسمع ترامب وبرضاه.
تأتي زيارة ويتكوف 31/7 مفاجئة للوزراء وقد لا يكون كذلك لنتنياهو، وتحمل مؤشرات بأن الادارة الامريكية معنية بوقف المجاعة في غزة وبإنجاز الصفقة. كما تحمل مؤشرات بأنه حتى الولايات المتحدة بدأت تدرك حجم المأزق الاسرائيلي ايضا، وبأن توجه ويتكوف هو استغلال حالة الاستنزاف المتبادل حتى وان لم يكن متكافئا، للضغط نحو الصفقة.
يدرك اقصى اليمين الاسرائيلي كما يدرك نتنياهو بأنه في حال كان الخيار امام رئيس الوزراء اما الاذعان لصوت سموتريتش وبن غفير او الى ترامب ومعه الدول الغربية فإن الميزان يميل بقوة لصالح الاخيرين، ما يعني عدم القدرة على مواصلة الحرب والتجويع، وتراجع القدرة على احتلال كامل القطاع وتفضيل ذلك على عودة المحتجزين. كما يدرك اقصى اليمين بأن خياراته شبه معدومة سواء باسقاط الحكومة ام بوقف الضغط الامريكي والدولي والعربي. فيما من المتوقع ان يشمل جدول اعمال ويتكوف ايضا الملف الايراني.
احد التقديرات الاسرائيلية هو بأن لهجة التصعيد والتهديد الحقيقي عسكريا وسياسيا باحتلال كامل القطاع وحتى بالتنازل عن المحتجزين، تحمل تهديدا مباشرا ووجوديا لحماس. كما تحذر الاوساط الحاكمة اسرائيليا حماس من مغبة الاعتماد على الضغط الدولي بصدد التجويع والمساعدات الانسانية، مؤكدين بأنه في مثل هذه الحال سوف تقف ادارة ترامب الى جانب اسرائيل. كما تراهن القراءات الاسرائيلية على ما وصفته اجواء مشحونة بين حماس من جهة وكل من مصر والاردن والتي تأزمت في اعقاب خطاب خليل الحية الموجّه الى تأليب الشعبين المصري والاردني.
في الخلاصة؛ تبدو احتمالات الصفقة ووقف الحرب لا زالت قائمة وفعلية، وحاليا مسنودة بموقف دولي قوي. الا انها ليست مضمونة وفي مثل هذه الحال قد تشهد غزة تصعيدا يهدد الوجود السكاني اكثر مما هو قائم، فيما يسعى نتياهو الى التنصل من المسؤولية عن التجويع وإحالتها على الدول المعنية بتقديم المساعدات.
الخطاب المتصاعد بصدد التنازل عن المحتجزين لصالح تحقيق اهداف الحرب، هو خطاب حقيقي وليس مناورة من اقصى اليمين. كما ان نتنياهو يستفيد منه للاقلال من اهمية ورقة الاسرى والمحتجزين لدى حماس، وانعكاس ذلك على مضمون الصفقة.
فلسطينياً لا يبدو بامكان حماس تجاهل هذه التهديدات لأنها ممكن ان تتحول الى خطوات ميدانية، ثم ان الثمن الذي يدفعه الشعب الفلسطيني في غزة باهظ ووجودي. فيما الخيارات المتاحة امام اسرائيل ورغم ضائقتها، لا تزال اكثر واوسع بشكل جوهري من خيارات حماس.
المساعدات العربية والدولية الى غزة هي اولوية قصوى لدى الغزيين، وكذلك السعي دوليا لاستدامتها وتوسيع نطاقها ولادخال طواقم المنظمات الاممية لتوزيعها وضمان تدفقها.
جدول الاعمال الدولي بات منصبًّا على غزة، الا انه ايضا مستند الى رؤية فلسطينية وعربية ودولية واسعة جدا تقوم على حل قضية فلسطين واقامة الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع والقدس وفقا للرؤية الفلسطينية والعربية والدولية.
مأزق اقصى اليمين الاسرائيلي الحاكم حقيقي، فلا يستطيع اسقاط الحكومة اذا لم تكن تلك ارادة نتنياهو، ولا يسمح له وزنه الوقوف في وجه الموقف الامريكي في حال كان حازما نحو انهاء الحرب. وفي حال اخفق هذا اليمين سوف يسعى الى التعويض بضم مناطق من الضفة الغربية، وهذا ايضا ليس بالضرورة متاحا.