الرئيسية اخبار وتقارير

انخفاض بنسبة المياه المتاحة وارتفاع في نسبة الوعي البيئي!

الدكتور طارق محمود
نُشر: 03/08/25 20:08
انخفاض بنسبة المياه المتاحة وارتفاع في نسبة الوعي البيئي!

انخفاض بنسبة المياه المتاحة وارتفاع في نسبة الوعي البيئي!
بقلم الدكتور طارق محمود بصول

منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، يشهد العالم، ومنطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، تفاقمًا في مشكلة المياه المتاحة للسكان. لا نقول إن المشكلة تتعلق بنقص في كمية المياه بشكل دقيق، ولا نقص في كمية الأمطار أو شُحٍّ فيها، إذ إن كمية المياه على سطح الأرض ثابتة ولا تتغير. المعضلة تكمن في كمية المياه المتاحة للاستهلاك البشري، وهذا ما سنتطرق إليه في السطور القادمة.  "لا بد من الإشارة إلى أن المقال يتطرق إلى بلادنا بشكل خاص، إلا أننا سنجد فيه أيضًا إشارات متعددة إلى أحداث عالمية، وذلك لأن علم الجغرافيا، وخاصة الجغرافيا الطبيعية، مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتغيرات المناخية على مستوى العالم."

الجغرافيا التاريخية
ليس من المكان الخوض في كيفية تكوّن الغيوم أو ظاهرة التبخر، ولكن يكفي أن نُشير إلى أن سطح البحر الأبيض المتوسط يُعد المورد الأساسي لتكوّن الغيوم. ونتيجة لحركة الرياح الغربية الشرقية، تصل هذه الغيوم إلى منطقتنا الجغرافية وتتساقط الأمطار.
انخفاض كمية الأمطار في بلادنا ليس ظاهرة جديدة. فلو تتبعنا التاريخ المناخي، لوجدنا أن البلاد عانت في فترات زمنية عدة من نقص في كمية الأمطار. أشار القس أسعد منصور في كتابه عن تاريخ الناصرة إلى أنه في عام 1856 شهدت البلاد وبالتحديد منطقة الجليل نقصًا في المياه نتيجة تأخر سقوط الأمطار (منصور، 1924، ص 95). أما جريدة "البشير"، وهي إحدى الصحف التي انتشرت في أواخر العهد العثماني، فقد نشرت في آذار 1879 تقريرًا أشارت فيه إلى قلة الأمطار والمياه، وأثر ذلك على المحاصيل الزراعية (جريدة البشير، آذار 1879، ص 2).
ولم تتوقف الظاهرة عند هذا الحد؛ فمن خلال إعدادي لدراسة عن مدينة شفاعمرو، احدى المدن العربية في الجليل الأسفل الغربي، خلال سنوات الأربعينيات، والخمسينيات، والستينيات من القرن الماضي، وثّقت محاضر جلسات البلدية العديد من النقاشات بين الأعضاء حول ظاهرة نقص المياه وسبل التعامل معها.
الفرق بين الماضي والحاضر
في الماضي، كان بالإمكان السيطرة على الظاهرة والتغلب عليها، نتيجة محدودية العوامل المصاحبة. وكما ذكرنا سابقًا، فإن كمية الأمطار ثابتة، ولكن التغير يكمن في:
أ.الموقع والفترة الزمنية:
أول فرق بين الماضي واليوم هو في المواقع التي تتساقط فيها الأمطار، نتيجة التغيرات المناخية. في الماضي، كانت هذه التغيرات بطيئة، وقد يحدث انحباس المطر في منطقة معينة لعام أو عامين فقط. أما اليوم، وبسبب تفاقم ظاهرة التغير المناخي، فقد يستمر انحباس الأمطار في منطقة معينة لعدة سنوات متتالية.
ب. التغيرات الديموغرافية /الاقتصادية:
تاريخيًا، كان عدد السكان، سواء على مستوى العالم أو في القرى والبلدات في بلادنا، أقل بكثير مما هو عليه اليوم. كما أن مستوى المعيشة كان متوسطًا، ولم يكن هناك استهلاك كبير للمياه. فمثلًا، في ستينيات القرن الماضي، كانت كل بلدة عربية تمتلك سيارة أو اثنتين فقط. أما اليوم، فقد ازداد عدد السكان بشكل كبير، وارتفع مستوى المعيشة، وكذلك ارتفعت وتيرة استخدام المياه الجوفية، ما يشكّل خطرًا بيئيًا حقيقيًا. فقد أشارت دراسة علمية حديثة إلى أن نصف الكرة الأرضية الشمالي يزداد تصحرًا، أي أن المناطق الخضراء تتحول تدريجيًا إلى أراضٍ قاحلة، نتيجة الاستغلال المفرط للمياه الجوفية. وهذا ما نلاحظه أيضًا في بلادنا؛ فخط الحدود الصحراوية في جنوب البلاد يمتد تدريجيًا نحو الشمال.
الختام
ما يميز الظواهر الطبيعية الجغرافية هو أنها لا تقتصر على منطقة جغرافية بعينها، فظاهرة التغيرات المناخية تؤثر على جميع قارات الأرض دون استثناء. لذلك، ورغم أن المقال يتناول الظاهرة من زاوية بلادنا، إلا أنني تعمّدت التطرق إليها من منظور عالمي.
من هنا، لا تقع المسؤولية فقط على الحكومات، بل على جميع سكان الأرض بشكل عام، وسكان بلادنا بشكل خاص، إذ إننا جميعًا "سفراء" على هذا الكوكب الأزرق. ومن هذا المنطلق، يجب تعزيز الوعي البيئي من خلال:
الاهتمام بعدم تبذير المياه أو استخدامها بشكل مفرط.
ب. الحفاظ على البيئة، وتجنب إلقاء النفايات في المناطق التي تحتوي على مصادر مياه، تجنبًا لتلويثها وتحويلها إلى مياه غير صالحة للاستخدام.
ت. سنّ قوانين من قِبَل الحكومات تساعد في تقليص هدر المياه دون رقابة. ووفقًا لمنظومة التشريع في إسرائيل، يمكن سنّ قوانين لا تتعارض مع "قوانين الأساس". قد يتساءل البعض: هل يَمسّ قانون يحدد استهلاك المياه بـ"قانون أساس كرامة الإنسان وحريته"؟ الجواب هو لا، إذ إن القانون الجديد يخدم مصلحة عامة أوسع.
ث. تنظيم محاضرات توعوية بيئية تستهدف شرائح اجتماعية مختلفة.
وإلا، فإن الظاهرة ستتفاقم، وسترافقها ظواهر بشرية نحن في غنى عنها، مثل:
أ. الهجرة السكانية نتيجة نقص المياه.
ب. التنافس بين الدول، وخاصة تلك التي تشترك في مصادر مياه، ما قد يؤدي إلى نشوب صراعات وربما حروب.
ج. تفاقم ظاهرة الجفاف، وانتشار الأمراض الناتجة عنها.

الكتاب: مختص في مجال الجغرافيا التاريخية، السياسية والقانونية.