فضائح العصر في ثلاثة كتب

اتصف عصرنا الحديث بالعديد من الصفات فقد اختلف عن سابقيه اختلافًا كبيرًا جراء ما شهده من تسارع في التحولات والتبدلات، وفي حين كان الإيقاع الزمني بطيئا نوعا ما في الازمان والعصور السابقة، شهد عصرنا هذا تسارعا عير مسبوق في التطورات والتبدلات، وبإمكان مَن يود الاطلاع على ايقاعات هذه التسارعات، مراجعة صفحة من كتاب التفكير العلمي للكاتب المفكر العربي المصري الهام فؤاد زكريا، أرجو أن أتمكن من إرفاقها بهذه المقالة.
لقد اثار ما شهده عصرنا من تطورات وتبدلات هامة وعامة، الكثير من الكُتّاب العرب أيضًا، واذكر في هذا السياق ان احد كُتّاب مجلة المجلة المصرية، وصف عصرنا بانه عصر اللامعقول، كون ما كان غير معقول في العصر السابق بات معقولا في عصرنا. هذا على المستوى العام للعصر، فماذا عن المستوى الخاص؟.. ماذا عن رجالات عصرنا، ماذا عن اعلامييه وماذا عن وسائل اتصاله الاجتماعية وما سجّلته مِن تغيّرات وتبدّلات وصلت حد الفضائح، والاستغلال العبثي وغير المبرر، واكاد أقول الجنوني من الانسان لأخيه المدعو.. انسانا؟
فيما يلي سأتعرض باختصار شديد الى ثلاثة كتب صدرت في العقود الماضي القليلة، وسجلت منذ صدورها حتى هذه الأيام، اهتماما ثقافيا عامًا ومتزايدًا، فقرأها الناس في بقاع واسعة من العالم، علما أنها تُرجمت إلى العشرات من اللغات، بما فيها لغتنا العربية، وصدرت طبعات منها في هذه البلاد او تلك، كما اعيد طبع بعض منها في بلادنا خاصة الكتاب الثالث الذي سأتعرض له بكثير من الاهتمام كونه سلّط الضوء على أعمق أعماق ما يعيشه الناس في عصرنا من تغريرات وأنظمة اقل ما يقال فيها إنها تستهدف التفاهة وتكرسها، لمن يعرف خبثا ولمن لا يعرف تبسيطا يصل حد السذاجة.
فيما يلي أقوم بتقديم أهم ما أشار إليه أحد الكتب الثلاثة الملمح اليها، وذلك ضمن منهجية تهدف لاطلاع الأخ القارئ على الكتاب عنوانه، اهم ما ورد فيه وما ميّزه، ومَن يعلم قد يحفز ما أقدمه تاليًا على قراءة هذه الكتب او بعضًا منها عملا بالقول الكريم زدني علما.
المثقفون - تأليف بول جونسون- الكشف عن الوجه الآخر لمثقفي العصر
صدر هذا الكتاب في طبعته الإنجليزية الأولى عام 1989، وصدرت طبعته العربية الأولى، بترجمة الكاتب المصري المثقف طلعت الشايب عام 1997. وكانت مجلة اخبار الادب المصرية قد نشرت في حينها عددًا من فصوله، واطلع عليها قراء الصحيفة، وكاتب هذه السطور واحد منهم. الكتاب يُقدّم فحصًا مُدقّقًا وموسّعًا لأبرز مثقفي عصرنا، معتمدا في معلوماته هذه على مصادر كتبها مقرّبون منهم، من الأصدقاء وأبناء العائلة. نقرأ في صفحات الكتاب مثلا عن ماركس - نباح اللعنات الكبرى، ذلك المفكر الذي كتب عن الرأسمالية واستغلالها لأبناء الطبقة العاملة وعن حقوق العمال، ويُفاجأ قارئ الكتاب بأن ماركس لم يزر في حياته مصنعا ليتعرّف عن قرب على أحوال أبناء الطبقة العاملة.
كما نقرأ فيه عن جان جاك روسو الذي احتقر الثروة في كتاباته وعاش حياة انسان جشع محب للمال. وعن جان بول سارتر الذي كان يخون خدينته ومحبوبته الفيلسوفة الوجودية سيمون دي بوفار ويستغلها في اغوائه تلميذاتها. اما الفيلسوف الإنجليزي برتراند راسل ذلك الداعي الأخلاقي الكبير فقد كان زئر نساء لا يوفر احداهن من غاراته. واما هنريك ابسن نصير المرأة في كتاباته ومسرحياته، فقد امتهن كرامتها في حياته، وفي الكتاب صورة أخرى للوجه الحقيقي للكاتب الألماني الانساني في مسرحياته، هذا الكاتب كان يستغل ما يتلقّاه من رسائل حبيباته لإدخالها في كتاباته!
المثقفون المزيفون- تاليف باسكال بونيفاس- كيف يصنع الاعلام خبراء في الكذب والتغرير بالناس
مؤلف الكتاب مفكر سياسي من أبرز المحللين الإستراتيجيين الفرنسيين وهو حاصل على دكتوراة في القانون الدولي العام. من مؤلفاته: فهم العالم (2010) ولماذا كلّ هذه الكراهية؟ (2010) ونحو الحرب العالمية الرابعة (2009) وهو كتاب ينتقد فيها أطروحة صدام الحضارات لصامويل هينتنغتون، وقد صدرت طبعته الأولى سنة 2005 وكتاب من يجرؤ على نقد إسرائيل؟ وغيرها من المؤلفات الهادفة. يفضح بونيفاس في كتابه هذا- "المثقفون المزيفون"- كيف يصنع الإعلام خبراء في الكذب، وإستحواذ فئة من الصحافيين والمعلقين والمثقفين مِنْ عديمي الضمير على الفضاء الإعلامي والثقافي الفرنسي، وقلّبهم الحقائق بهدف توجيه الرأي العام نحو قناعات أيديولوجية أُحادية البُعد، خاصةً برنار هنري ليفي اليهودي. الأصل" وجماعته.يؤكد بونيفاس في مقدمة الكتاب، الذي رفضت نشره أربع عشرة دار نشر من كبريات دور النشر الفرنسية، أن فكرة فضح المثقفين المزيفين، أو المرتزقة كما يسميهم، قد راودته منذ فترة طويلة مواكِبةً لمواقفهم المخزية التي تدمّر الديمقراطية وتُهدد الإعلام.
كما يؤكد أنّ عدم النزاهة الفكرية لها اليوم نجومها في فرنسا، وهم يحظون بالتكريس الإعلامي ويشتركون في تغذيةٍ قدرٍ كبير من الخوف غير العقلاني من خطرٍ إسلامي مزعومٍ يُمثّل عدواً مشتركاً للعالم الحُرّ، أو تبرير غزو بلدٍ ما وتدميره كما حصل في العراق بحجة وجود أسلحة دمار شامل، أو كما يمكن أن يحصل الآن في بلداننا العربية الرازحة في ربيعها الأسود تحت ذرائع أسلحة كيميائية أو انتهاكات حقوق إنسان أو تطهيريات عرقية.
نظام التفاهة- تأليف الان دونو- التفاهة تبسط سبطتها على كل ارجاء العالم
مؤلف الكتاب فيلسوف كندي. محاضر في علم الاجتماع يعمل في جامعة كيبك. صدر كتابه هذا بالفرنسية عام 2015. يعرض فيه فكرة مُفادُها أننا نعيش فترة مختلفة عن فترات التاريخ البشري السابقة، حيث السلطة بعيدة عن يد من يستطيع التميز في القيادة، ومبسوطة في يد التافهين باختلاف درجاتهم ومستوياتهم. لقد تطوّر الأمر حتى صار يكتسح جميع المجالات، وصارت التفاهة نظاما يُحتفى به، واستطاع التافهون أن يبنوا عالما جديدا يقتل الإبداع والتميّز، ويشرّع التفاهة والتخلف، كما يجعل الخروج عن النظم التقليدية خطأ غير مقبول، مهما كانت الدوافع، وحتى لو كانت نتيجة التجديد حسنة وجيدة.
مما قيل عن الكتاب: انه كرس صاحبه، آلان دونو، واحدًا من أهم المفكرين الكنديين الذين لم يسبق للعالم الناطق بالإنجليزية أن سمع بهم من قبل.. لقد وضعت الكتابة الجريئة دونو في قلب خارطة الجدل في كندا. بل في العالم أجمع.