الرئيسية بلوجات

تراجع الأدب العربي في مطلع القرن الحادي والعشرين: بين الواقع والتحديات

احمد ناصر
نُشر: 25/08/25 18:30,  تحديث: 18:32
تراجع الأدب العربي في مطلع القرن الحادي والعشرين: بين الواقع والتحديات

عرف الأدب العربي خلال القرن العشرين نهضة متألقة، جعلته حاضراً بقوة على المستويين العربي والعالمي. فقد أسس
الرواد من أمثال محمد حسين هيكل، وتوفيق الحكيم، ويوسف إدريس، والطيب صالح، تقاليد السرد العربي الحديث،
وبلغت هذه النهضة ذروتها مع نجيب محفوظ، الحائز على جائزة نوبل عام 1988، ليصبح الأدب مرآةً صادقة للتحولات
الاجتماعية والسياسية والفكرية. غير أن مطلع القرن الحادي والعشرين كشف عن تراجع واضح في مكانة الأدب العربي؛
لم يعد يحتل مركز الثقافة العامة كما كان، ولم يظهر جيل جديد يماثل الرواد في الانتشار أو التأثير.
مع مطلع القرن الحادي والعشرين، بدأ الأدب العربي يشهد تراجعًا ملحوظًا في موقعه الثقافي. لم يعد يحتل مركز الفعل
الثقافي كما كان، ولم يظهر جيل جديد يتمتع بالتأثير والانتشار الذي كان يميز أسلافه. ويمكن تتبع أسباب هذا التراجع
عبر مجموعة من العوامل المتشابكة التي امتدت بين السياسة والمجتمع، والتقنية، والبنية الثقافية.
فالأدب العربي في النصف الثاني من القرن الماضي كان مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بمشاريع التحرر الوطني وبناء الدولة
الحديثة، حيث لعب الأدباء دور ضمير الأمة. إلا أن الأزمات السياسية المستمرة، من حروب أهلية وانقسامات طائفية إلى
انهيار المشاريع القومية، عزلت الأدب عن دوره الاجتماعي والسياسي التقليدي، ودفع كثيرًا من الكتاب إلى الانسحاب
إلى نصوص شخصية وتجريبية، تفقد بعدًا جماعيًا يعكس هموم المجتمع.
وفي الوقت ذاته، أحدثت العولمة والثورة الرقمية تحولًا جذريًا في طرق التلقي. لم يعد القارئ العربي يقرأ الرواية أو
القصيدة الطويلة كما في السابق، بل صار يتجه نحو المحتوى المرئي والرقمي السريع، مما قلص جمهور الأدب، خاصة
بين الشباب. وظهرت أشكال سردية جديدة، مثل المدونات والنصوص الرقمية القصيرة، لكنها لم تحظَ بالرصيد النقدي
الذي يمنحها صفة الأدب الرفيع، فظلّت حبيسة الفضاء الافتراضي دون تأثير حقيقي في الثقافة العامة.
أما على صعيد صناعة النشر والترجمة، فإن الأدب العربي يعاني من ضعف البنية المؤسسية. تكاليف الطباعة العالية،
ضعف التوزيع، وغياب الدعم الرسمي أدت إلى انخفاض حضور الكتاب على الساحة، بينما انخفضت حركة الترجمة
مقارنة بعصر محفوظ والطّيب صالح، ما انعكس على ضعف التمثيل العالمي للأدب العربي، في مقابل حضور آداب
أمريكا اللاتينية وأفريقيا المدعومة مؤسساتيًا وترجمة نشطة.
يضاف إلى ذلك غياب المشروع الثقافي الجامع الذي كان يربط الأجيال السابقة. فقد كانت الكتابات في زمن النهضة جزءًا
من حركة إصلاحية وتنويرية، أما اليوم، فالمشهد الأدبي متشظٍ: نصوص متعددة، أصوات متفرقة، لكنها تفتقد القضية
الكبرى التي توحد الرؤية الأدبية. وتظل القيود السياسية والاجتماعية حاضرة، فتفرض الرقابة على الكتاب، ما يدفع
بعضهم إلى الهجرة أو الكتابة المراوغة، لتفقد نصوصهم جزءًا كبيرًا من قوتها الفنية.

ولم تقتصر التحديات على الكاتب فقط، بل امتدت إلى الذائقة القرائية. فقد أصبح القارئ العربي يفضل النصوص السريعة
والروايات التجارية، بينما تراجعت شعبية الأعمال الملحمية والفلسفية، ما دفع بعض الكتاب إلى إنتاج نصوص موجهة
للسوق على حساب العمق الفني والجمالي.
مع ذلك، فإن الأدب العربي لم يخلُ من أصوات واعدة تعكس طاقة كامنة يمكنها استعادة مكانة الأدب وإعادة الروح إلى
المشهد الثقافي. أسماء مثل سعود السنعوسي (الكويت)، أحمد خالد توفيق (مصر)، بثينة العيسى (السعودية)، جلال
برجس (الأردن)، واسيني الأعرج (الجزائر)، وأحلام مستغانمي (الجزائر) تعكس تنوع التجارب الروائية والقصة
القصيرة في العالم العربي المعاصر، وتلمح إلى إمكانية استعادة الحضور الأدبي إذا توفرت بيئة ثقافية مؤسسية، تدعم
الإنتاج وتشجع الترجمة، وتفتح الأفق على العالم. هؤلاء الكتاب يواصلون ترسيخ الرواية والقصة كأدوات فعالة لفهم
الواقع الاجتماعي والسياسي، ويضيفون لمساتهم الخاصة التي تجمع بين الأصالة والتجريب.
هذا التنوع في الأصوات الأدبية يبرز قدرة الأدب العربي على التأقلم مع التحولات الحديثة، ويشير إلى أن الحضور
الأدبي لا يزال ممكنًا إذا توفرت سياسات دعم مستدامة للنشر، وتعزيز حركة الترجمة، والانفتاح على التجارب العالمية،
بحيث يبقى الأدب أداة حية لفهم المجتمع والتأثير في وعي الجماهير عبر الأجيال.
إن قضية تراجع الأدب العربي اليوم ليست مرتبطة بالموهبة أو الإبداع، بل هي انعكاس لتحولات اجتماعية وسياسية
وثقافية وتقنية، وما دام هناك جيل جديد واعٍ بصوت الأدب، يمكن للأدب العربي أن يستعيد نغمة حضارته ويستمر في
سرد قصصه الكبرى للعالم.

الطيرة – 25.8.2025