الرئيسية مقالات

من الهامش إلى الريادة – قصة نجاح النساء العربيات في سوق العمل

محمد دراوشة
نُشر: 27/08/25 10:30,  تحديث: 12:44
من الهامش إلى الريادة – قصة نجاح النساء العربيات في سوق العمل

في عالمٍ تتغير فيه المعايير وتتبدل فيه التحديات، تبرز قصص النجاح الجماعي كمنارات أمل وإلهام. واحدة من هذه القصص هي قصة النساء العربيات في سوق العمل، والتي تحولت من واقع التهميش إلى مشهد الإنجاز والتمكين الاقتصادي والاجتماعي.

نقطة الانطلاق: حلمٌ بدأ برؤية

قبل 18 عاماً، كانت نسبة النساء العربيات المنخرطات في سوق العمل لا تتجاوز 18٪؜. هذا الرقم لم يكن مجرد إحصائية، بل كان انعكاساً لواقع اجتماعي وثقافي واقتصادي معقد. في تلك اللحظة، انطلقت مبادرة رائدة من خلال صندوق إبراهيم، بإدارتي أنا وزميلي الشغوف بالتغيير أمنون بئيري سوليتسيانو، لتأسيس مشروع يهدف إلى تشجيع تشغيل النساء العربيات.

المشروع استند إلى ثلاث ركائز استراتيجية:

• تأهيل النساء لسوق العمل الحديث عبر التدريب المهني والتعليم العالي.
• تهيئة أماكن العمل لتكون بيئة مرحبة بالنساء العربيات، مع احترام خصوصياتهن الثقافية والاجتماعية.
• الضغط على المؤسسات الحكومية لإقرار سياسات وبرامج وميزانيات داعمة لدمج النساء في سوق العمل.

التحول التاريخي: من 18٪؜ إلى 50٪؜

اليوم، وبعد جهود مضنية استمرت قرابة عقدين، وصلت نسبة النساء العربيات المنخرطات في سوق العمل إلى ما يقارب 50٪؜. هذا التحول ليس مجرد قفزة رقمية، بل هو إنجاز نوعي يعكس تغيّرًا عميقًا في النُظم الاجتماعية والاقتصادية.

وفقًا لتقرير نشرته صحيفة “كلكليست”، فإن نسبة التشغيل بلغت 49.4٪؜ في الربع الأول من عام 2025، بزيادة 3.2 نقاط مئوية عن الربع الأخير من 2024. هذه الزيادة تُعزى إلى:

• ارتفاع مستويات التعليم بين النساء العربيات.
• إزالة الحواجز البنيوية والثقافية.
• إطلاق برامج حكومية مخصصة لدعم تشغيل النساء.

كما أشار التقرير إلى أن مساهمة النساء العربيات في الناتج المحلي بلغت نحو 15 مليار شيكل، وهو رقم يعكس الأثر الاقتصادي الحقيقي لهذا التحول.

الأثر المجتمعي: من دخل واحد إلى دخلين

إن دخول النساء العربيات إلى سوق العمل لا يعني فقط تمكينهن الفردي، بل ينعكس مباشرة على الأسر والمجتمعات. فوجود دخلين في ٥٠٪؜ من البيوت العربية يعني:

• تعزيز الاستقرار المالي.
• رفع مستوى المعيشة.
• انتقال العديد من الأسر إلى الطبقة الوسطى.
• تقليص الفجوات الاجتماعية والاقتصادية.

شهادة من قلب التغيير

الدكتورة الاقتصادية المميزة مريان تحاوخو ، إحدى الباحثات البارزة، علّقت على هذا التحول بقولها: “الارتفاع في نسبة التشغيل يدل على تغيّر في النُظم الاجتماعية، وعلى استعداد المجتمع العربي لتبني نماذج جديدة من التمكين والمشاركة.”

الطريق إلى الأمام

رغم هذا الإنجاز، لا تزال هناك تحديات قائمة، أبرزها الفجوة في الأجور بين النساء العربيات وغيرهن، والحاجة إلى تعزيز بيئات العمل الداعمة والمحفزة. لكن ما تحقق حتى الآن يثبت أن التغيير ممكن، وأن الاستثمار في النساء هو استثمار في مستقبل أكثر عدالة وازدهارًا.

الفخر بالإنجاز، والإيمان بالإمكان

إن قصة النساء العربيات في سوق العمل هي شهادة حيّة على أن التغيير يبدأ برؤية، ويُصنع بالإصرار، ويُترجم إلى واقعٍ أفضل للجميع. فلنحتفل بهذا الإنجاز، ولنواصل العمل من أجل مستقبلٍ تكون فيه كل امرأة عربية قادرة على تحقيق ذاتها، والمساهمة في بناء مجتمعها واقتصادها.