العام الدراسيّ على الأبواب.. فهل نحن جاهزون؟!

بقلم أ.يوسف كيّال
العام الدراسيّ على الأبواب..
فهل نحن جاهزون؟!
تبوّأ المعلّم مكانةً مرموقةً على مدار التّاريخ لما تحمل رسالته من شأنٍ عظيمٍ وأثرٍ هائلٍ على ملامح حياة البشريّة التي يصوغها عبر من كانوا بالأمس طلّابه، فكان من هؤلاء النّوابغ والمبدعين في العلوم والفلسفة والسياسة والاقتصاد، مساهمين بصورةٍ معتبرةٍ في صياغة تقدّم البشريّة جمعاء على هذا الكون.
وفي حضارتنا كُتب الكثير من القصص والرّوايات والسّرديّات والشّعر بحقّ المعلّم لما تحمل رسالته من أهميّة وخصوصيّة، استوجب أداؤها بإتقانٍ وتفانٍ ينتج عنه علمٌ ومعرفةٌ وممارسةٌ صحيحةٌ حتّى قادت هذه الحضارة البشريّة بأجمل الصّور الإنسانيّة.
إنّ المعلّم في مجتمعنا في الداخل الفلسطيني له شأنٌ عظيمٌ، فيدخل المعلّم المدرسة ليعلّم طلابًا يواجهون ظروفًا معقّدةً وغير مسبوقةٍ، فهناك تعقيداتٌ سياسيّةٌ يعيشها شعبنا، وعبءٌ اجتماعيٌّ غير مسبوقٍ . فقد استشرت الجريمة المنظّمة بأشكالها، والأُسَر يتهدّدها التّفكّك بسبب ارتفاع نسبة الطّلاق والخلافات العائليّة وهيمنة مظاهر البذخ والتّفاخر وانحراف الشّباب وضعف سلطة الأبَوَين ،بسبب الكثير من القوانين الّتي قيّدت أيدي الأهل عن التّربية والمعاقبة، وساهمت في تفلّت الأبناء، أضف إلى هذا الواقع الذّكاء الاصطناعي، الذي، إن لم يُحسن استعماله، يساهم بصورة معتَبرة في محاصرة دور المعلّم بتزويد المعرفة وإضعاف دافعيّة الطّلّاب، وآلة التّكنولوجيا التي ساهمت، عندما أُسيء استعمالها ، بصورة سلبيّة في صقل سلوك الأبناء، خاصّةً الهاتف الخليوي "الذّكي"، وانحسار العمل السّياسي والفعاليّات الوطنيّة، والتّغيير في سلّم الأولويّات عند المجتمع الفلسطيني، بحيث لم تعد الاعتبارات الدّينيّة، القوميّة والوطنيّة في الصّدارة.
يدخل المعلّم والطّالب المدرسة فيمارسان مهّمة التّعليم والتّعلّم في ظلّ هذا الواقع المعقّد، وفي رقبة كلٍّ منهما أمانة أداء الواجب من أجل ضمان ديمومة تماسك مجتمعنا والمحافظة على إرثنا الحضاري كشعب له تاريخ وامتداد وطموح وحقوق وهدف وطريق وجذور ولغة وعادات، إذا تمسّك بها ضُمنَت له مكانة بين حضارات وشعوب العالم وأبهَرَ العالم برقيّه وإنجازاته.
ومن أجل أن يتمكّن المعلّم من التّعاطي مع هذه التّعقيدات وأداء الأمانة على أكمل وجهٍ ويكون محطّ تقدير واحترام كما كان دائمًا، يجب أن تتوفّر فيه ثلاثة شروط، بحيث إن غاب أحدها يجعل من رسالته منقوصةً، إن لم تكن كارثيّة.
أوّل هذه الشّروط، أن يكون المعلّم قدوةً في مجتمعه وأمام طلّابه في السّلوك والأخلاق والمعاملات في كلّ موقعٍ يتواجد فيه، وذا وجهٍ واحدٍ، نظيفٍ من الآفات، تتكامل في شخصيّته الصّفات الحسنة، مثل الهيبة والممارسات السّلوكيّة الّتي تجعل منه محطّ إعجابٍ وتقديرٍ من قبل كلّ فردٍ في المجتمع، فلا يكذب ولا ينافق ولا يخلف موعدًا، ولا يتصرّف نقيض القيم المجتمعيّة، والأمثلة لا تُحصى ولا تُعدّ.
ثاني هذه الشّروط، المهنيّة والتّفاني في إتقان الرّسالة، وهذا يكون من خلال مواكبة تطوّر التّكنولوجيا وإتقان استعمالها، من هواتف خليويّة ووسائل التّواصل والذكاء الإصطناعي، بالإضافة إلى الحرص الدّائم على التزوّد بالمعرفة والتّجذّر والتّعمّق في مجال التّدريس، فينوّع وسائل التّدريس ويكون مصدرًا موثوقًا للمعرفة، ويتقن فنّ الإجابة عن أسئلة الطلّاب ويساهم بصورة إبداعيّة بنقل المعرفة والمهارات لهم.
أمّا الشّرط الثّالث والأخير ، فمن الطّبيعي أن يكون المعلّم صاحب انتماءٍ وطنيٍّ واجتماعيٍّ صادقٍ، مدركًا تمامًا للتّعقيدات السّياسيّة والاجتماعيّة الّتي يواجهها أبناء مجتمعه وخاصةً الطّلاب، ويقع على عاتقه أمانة تعزيز هذا الانتماء عندهم ، فيحافظون بذلك على هويّتهم الوطنيّة والاجتماعيّة، فيكونون أصحاب مواقف، وقلاعاً صامدةً في وجه محاولات طمس هُويّتهم الوطنيّة وانتمائهم الحضاري ومجتمعهم وقيمهم الدينيّة، ليتمكّنوا في المستقبل من قيادة هذا المجتمع بسلوكيّاتهم النّظيفة ومعرفتهم وقيمهم الّتي ورثوها عن معلّميهم.
هذا ما ينتظرنا على أبواب المدرسة والعام الدراسيّ الجّديد، نحن المعلّمون، فهل نحن جاهزون؟.