الإعلام بين الصورة والواقع: دعوة إلى قراءة ناقدة

في مسيرتي المهنية عملتُ مديرًا لمشروع "القراءة الناقدة للإعلام"، الذي بادرت إليه جفعات حبيبة بالتعاون مع جمعية "كيشف"، المركز للدفاع عن الديمقراطية في إسرائيل. امتد المشروع على مدار أربع سنوات، وهدفه تزويد الطلاب والمعلمين بآليات ومهارات للقراءة النقدية. شارك فيه طلاب عرب ويهود إلى جانب طواقم من المدارس الثانوية، كما تم إصدار كراسات تعليمية باللغتين العربية والعبرية تحت عنوان: "حوار يتعدى العناوين"، وهو برنامج يسعى لتطوير التفكير النقدي تجاه الصحافة الإخبارية.
الصحافة تلعب دورًا محوريًا في بلورة وصقل مواقف الجمهور والرأي العام، خاصةً في ما يتعلق بكيفية التعامل مع الأقليات، وبالتحديد الأقلية الفلسطينية في الداخل. للإعلام العبري هنا دور حاسم في صياغة صورة المجتمع العربي وإبراز مكانته.
وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية أصبحت في عصرنا المصدر الأساسي للمعلومة، والجمهور يبني مواقفه تبعًا لما يُقدَّم له. غير أن الأبحاث تثبت غياب النزاهة والموضوعية في التغطية الإعلامية، خصوصًا عند تناول قضايا الأقليات القومية. المجتمع اليهودي بغالبيته يتأثر بما تنشره وسائل الإعلام العبرية عن العرب في الداخل، ما يحتم علينا كمتلقين أن نفحص مصداقية الأخبار ونمارس القراءة الناقدة.
وقد أظهر بحث قديم أجراه د. عصام أبو ريا، وإيلي أبراهام، وجيدي وولسفولد في إطار جفعات حبيبة بعنوان "مكانة العرب في الإعلام العبري"، أن التغطية الإعلامية تحمل أخبار إيجابية حول التميز التعليمي، الاستقرار والتطور الاقتصادي، وأخرى سلبية عن الهدم، النزاعات، و"التخلف". لكن النسبة الغالبة في تغطية العرب كانت للأخبار السلبية. بل إن حجم التغطية المخصَّصة للعرب لا يتجاوز 3% من مجموع التغطية الإعلامية، وغالبيتها سلبية.
حتى في قضايا كالبطالة المرتفعة، نجد أن الإعلام العبري يحمّل المجتمع العربي المسؤولية، ويربطها بـ"ثقافة وحضارة" هذا المجتمع، بدل معالجة الأسباب البنيوية والتمييزية. كما أن الخطاب الإعلامي يتعمد استخدام مصطلحات مختلفة؛ فعندما يزور وزير بلدية عربية، يُقال إنه اجتمع مع "وجهاء البلدة"، بينما في مدينة يهودية تُستخدم مصطلحات مثل "قياديين" و"شخصيات عامة". أي تغطية نمطية.
ويؤكد كراس جفعات حبيبة (ص.10):
"الطريقة التي تظهر بها الصحافة الأقليات بعيدة عن الحقيقة المجردة. من يسيطر على الخطاب والسرديات هو من يملك القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية".
وفي (ص.11):
"يوجد إقصاء للعرب في إسرائيل، وتتجاوز الصحافة ذلك بدمج نضال المواطنين العرب لنيل حقوقهم المدنية مع الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، بما ينزع الشرعية عنهم ويظهرهم كخطر على أمن الدولة ووجودها".
أذكر حادثة شخصية حين قلتُ لصحفي إنه "مجند" وتنازل عن المهنية في تغطيته لقضايا العرب، فأجابني صراحة: "نعم، أنا أعلم ذلك، وفخور بأنني منحاز وجندت نفسي وتنازلت عن المهنية".
من هنا، تكمن الأهمية الكبرى في أن نصل نحن كمجتمع عربي إلى الإعلام العبري، وأن نطرح روايتنا وقصتنا، رغم صعوبة المهمة بسبب انغلاق هذا الإعلام، الذي يفتش عن السلبي ويتجاهل نجاحاتنا وقصص تطورنا كمجتمع ومؤسسات.