الرئيسية بلوجات

لا ملجأ بعد اليوم ...

زهير دعيم
نُشر: 02/09/25 18:11
لا ملجأ بعد اليوم ...

شادي ابن السابعة ، طفل حزين جدًا في هذه الأيام ، يبكي كلّ
الوقت بهدوء وصمت ، ويرفض أن يتناول طعامه كما كان يفعل ،
حتى عصير البرتقال الطبيعيّ الذي كان يحبّه لم يقربه.
حاولت أمّه أنّ تُخفِّفَ من حزنه ، فعانقته وضمّته إلى صدرها
ولكن دون جدوى ، واشترى له أبوه درّاجة حمراء جميلة لعلّه
ينسى، ولكن دون فائدة ، فظلَّ حزينًا ، باكيًا ينظرُ إلى البعيد
ويُفتِّش في الحديقة وغرف البيت وينادي : جدّي ...جدّي ..أين
أنتَ  ويروح يسأل : لماذا ...لماذا أرسلتم جدّي إلى الملجأ ، فأنا
احبّه ، أحبّ قصصه وحكاياته ، وأحبّ مرافقته في مشاويره ،
أريده أنْ يعود إلى البيت.
وتمسح ألامّ دموع وحيدها وتقول : ... انها الظروف يا حبيبي ،
لعنَ الله الظروف ، ولكن اطمئن فقريبًا سوف نأخذكَ إليه ، فالملجأ
لا يبعد كثيرًا عن بيتنا ، انّه بجانب مدرستكَ يا شادي ..قريبًا يا
بُنيّ سنزوره أنا وأنت وأبوك ، وسنأخذ له في عيده كعكةً جميلة
لذيذة.

انّه قريب من المدرسة ....هزَّ شادي رأسه ثُمَّ صمت ، ونام تلك
الليلة نومًا هادئًا.
وفي الصّباح استيقظ على غير عادته في الأيام الأخيرة ، استيقظ
نشيطًا ، مرِحًا ، ففرك أسنانه ، وغسل وجهه ويديه وسرَّحَ شعره
وتناول زوّادته وذهب إلى المدرسة.
رأى الوالدان ابنهما والبسمة تعود إلى مُحيّاه ، ففرحا كثيرًا وقالا:
لقد نسيَ ...لقد مرَّت المُشكلة على خير .
لذلك قرّرت ألامّ أنّ تُجهّز طعامًا شهيًا وعصير برتقال طبيعيًّا بهذه
المناسبة الجميلة .
انتظرت الامّ وانتظرت ، فها هي السّاعة تُقارب على الثانية بعد
الظهر ، وهو الموعد المُحدّد لعودة شادي من المدرسة .
ولكنّ شادي لم يَعُد ، وانتظرت الأمّ نصف ساعة ولكن دون
جدوى ، فخَفَقَ قلبها هَلَعًا وقامت تُهاتف المدرسة ، فأخبرتها
السّكرتيرة أنّ جميع الطلاب تركوا المدرسة عائدين إلى بيوتهم.
ازداد خوف الام وتضاعفت حيرتها ، أتتصلُ بزوجها المحامي
المتواجد في مكتبه أم تنتظر ؟ .
وقرّرت الانتظار نصف ساعة أخرى ، ولكن لا خبر، فها قد
مضى أكثر من ساعة على انتهاء الدّوام المدرسيّ ، وشادي لم يَعُد
، وليس من عادته أنْ يفعل ذلك.

وأخيرًا قرّرت أن تتصل ، فابنهما ، وحيدهما أهمّ من ألف مكتب،
وألف عمل !!
وحضر الزّوج إلى البيت سريعًا والقلق يملأ تفكيره ، كيف لا
والفصل شتاء والسماء عابسة.
تشاور الزوجان ، أيخرجانِ إلى الشّوارع يبحثان عنه ، أم يتصلان
بالشُّرطة ؟!
يا الهي ارحمنا صرخت الامّ ، أعدْ إلينا شادي ، أعده سالمًا فقد
تعذبّنا حتى رأيناه !!!
ها هو جرس الهاتف يرنّ ، فيسرع الأب إليه ، ليصرخ بعد
لحظات قليلة : شكرًا...شكرًا لله ، سآتي حالاً وسريعًا .
وبكت ألام من الفرح وهي تستفسر ، كيف ومتى وأين؟ والزوج
يقول لها في السّيّارة سأخبرك بكلّ شيء هيّا أسرعي.
ركبا السّيارة. وفي الطريق أخبر الزوج زوجته بأن المُتصل ما
هو الا الجدّ من الملجأ وشادي لديه ، فقد وجده البوّاب قبل لحظات
بجانب بوّابة الملجأ ، والمطر يقطر من ثيابه.
****

وبعد أقلّ من ساعة واحدة عادت السّيّارة البيضاء إلى الحارة ،
ونزلت منها الزوجة وزوجها يحمل حقيبة كبيرة ، ومن الباب
الخلفيّ نزل الجدّ وهو يُمسك بيد حفيده والبسمة تملأ وجهيهما.