(في ذكرى رحيل راشد حسين
وانتخابات الكنيست):
بداية
أعترف مُسبقاً بأنه ليس سهلاً عليَّ –ولا حتى عليك، عزيزي القارئ- أنْ أجمع بين كلمة "كنيست" واسم راشد حسين معاً في آن
بل يكاد يكون هذا الأمر بمثابة حماقة ترتكبها أبجديتي
على الرغم من أنَّ اسم راشد حسين يحظى بمكانته المصانة، والتي لا تستطيع كلمة "كنيست" أن تتجاوز خطًّا أحمراً عريضاً، بأنْ تدنو من قدسيتها
*
منذُ عدّة أيام، أتهيّأ ومزاجي الأدبي، لكتابة نصّ لراشد حسين، كعادتي في كل ذكرى لرحيله، منذ ثلاث سنوات
سُرعان ما أجدني أرتّب فوضى الأفكار في ذهني، وأكوّن علاقة صداقة مع الأشياء المتواجدة في المكان الذي أكتب منه
أحوّل الوقت إلى وقته، والمكان إلى مكانه، باختصار، أحوّل عالمي إلى مكان يليق براشد حسين
أفترش أمامي مساحات من الورق، وفي لحظات صمتٍ، أحاول أن استحضره، جسداً لا روحاً، وهو الحاضر دوماً في زمن الغياب، زمن باتت فيه كلُّ عناصر الجمال تتخلّف عن الحضور في مواعيدها
ولكن
وحده هو كان الشيء الأكثر جمالاً الذي لا يغيب، والذي لا موعد محدد له، فلا الأول من شباط ولا الثامن من الشهر ذاته هي مواعيد لحضوره
فكل الأزمنة ملك له، ونحن النكرة أمام اسمه الذي حاول بعضنا ولا زال يحاول حتى لحظة كتابة هذه الكلمات، حذف "الاّت" تعريفه ليحوّله إلى نكرة، لدَواعٍ ليست أمنيّة فحسبْ، بل شخصيّة ووقحة أيضاً
مُذ كان راشد حسين على قيد الحياة، والكثيرون من أعداء الله والوطن يعترضون طريقه، أطراف كثيرة كانت تعمل ،علانية لا سرًّا، على عرقلة مسيرته نحو الحب، الشرف، الكرامة وأشياء أخرى جميلة، كان يزعجهم وَقْعُ دويِّها شِعراً وكلاماً عَذْباً، فكانت بالنسبة لهم كالصواعق، وهم كانوا ،ولا يزالون، "يَضَعونَ أصابِعَهُمْ في آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ المَوت"، إلّا أن ذلك لم يُجْدِ نفعاً أمام قضيّة راشد حسين، فماتوا وعَفَّنوا، وشَرِبَ الدَّهرُ عليهم وأكلَ وبَوَّل
فالمَبام –على حدِّ قول شاعرنا- عَلَّقه على الصّليب
و"العرب الجيّدون" سَفَكوا دَمَه
والحزب الشيوعي الاسرائيليّ (قُحححح) بديمقراطيّته العَرجاء وحمامته "المَخصيّة"، نَهَشَ لَحْمَه
(*)
والان
في الذكرى الثانية والثلاثين لرحيله،يعترض الكنيست المعظّم طريقه صدفةً
كما لو أنَّ الكنيست شَعَرَ بأولى خطوات شاعرنا، فنَشَرَ قوّاته الانتخابيّة على امتداد طريقنا الفلسطينيّ
لَعَنَها اللهُ من صُدفة
أتاحت لقاءَ طرفين متناقضين لا يلتقيان، في الفترة الزمنية ذاتها، ذكرى رحيل راشد حسين، وانتخابات الكنيست الإسرائيلييييييييي
فَمَنْ ذا الذي كان يتخيّل في مخيلته الرّحبة أنْ تُعَلَّق لافتات الدعايات الانتخابية للكنيست إلى جانب لافتات تُرحّب براشد حسين في ذكراه؟ مَنْ ذا الذي كان يجرؤ على تَصَوُّر أنَّ صُوَراً بالأبيض والأسود لراشد حسين وهو يُحَلّق بنَظَراته في أفق بعيد، قد تكون على مَقربة من صُوَر ملوّنة لأشخاص يهبطون بنظراتهم إلى مواقعَ كراسيهم الكنيستيّة الصنع؟!!
تحضرني الآن عبارة الراحل العظيم محمّد الماغوط، الذي قال أنّ"الشهداء يَتساقطون على جانبيّ الطريق، لأنّ الطّغاة يسيرون في وسطها"، مُتَقَدِّماً باعتذار كبير للماغوط الرائع، واسأله إذناً بأن أغير بعبارته قليلاً فأقول: أعضاء الكنيست يتساقطون على جانبيّ الطريق لأنّ راشد حسين وجميع الشهداء يسيرون في وسطها
يؤلمني أنه بعد عدة أيام، سيقف الكثير من أبناء شعبنا دقائق صمت احتراماً لروح شاعرنا الكبير، في حين سيقف الكثيرون أيضاً ساعات صمت حداداً على نتائج الانتخابات
سننتحب نحن على راشد حسين وجميع المبدعين الفلسطينيين، وسينتحبون هم على أعضائهم المشلولة "كنيستيًّا" وخشب كراسيهم
سننشدُ نحن "موطني
موطني
الجلال والجمال
" وسينشدون هم "أملي
أملي
الذبح والقتال"
*
ومن منطلق إيماني بحرّيّة الإنسان في اختيار ما يشاء، فأنا أتوجّه إلى جميع العرب المنتَخِبين في العاشر من شباط: يا أخوتي
أنتم أحرار في اختياراتكم، ولكن
إذا كان لا بدّ من تصويتكم، فصوّتوا لأحزابكم العربية، الّتي تضمّ أسماء عربيّة لا أسماء دخيلة، والتي تتحدّث في مهرجاناتها لغة عربيّة، لا لغة عبريّة "مكسَّرة" لتُرضي بها كيانها الغاصب
تذكّروا راشد حسين، ناجي العلي، محمود درويش، فدوى طوقان، عبد الرحيم محمود وغسان كنفاني وغيرهم وغيرهم وغيرهم
وتذكّروا-للأسف الشديد إلى جانبهم- أحدَ أعضاء هذا الكنيست الذي طالب قبل فترة من وسائل إعلامه الإسرائيليّة، أن تكتب عن حزبِهِ الإسراعربي أنه حزباً إسرائيليًّا بدلاً من عَرَبيًّا (هو أصلاً لم يخطئ، فحزبه بجميع عَرَبه لا صِلة له بالعروبة)
وعندما ترفُّ في مخيلاتكم صور أولئك المبدعين الفلسطينيين العرب،وتتحرك ضمائركم الفلسطينية التكوين، أنتم لا تملكون سوى خيار واحد، إمّا أن تتراجعوا إلى بيوتكم وتحرقوا أوراقكم، أو تكتبوا على أوراقكم اسماً عربيًّا يمثّلكم وتضعوه
أمّا أنا
فلن أخطو خطوة واحدة إلى صندوق الاقتراع
ولكنّي سأنتخب مثلكم
سأكتب اسم راشد حسين، ولن أضعه في صناديقكم الذاهبة إلى الكنيست
بل سأدفنه في تراب أرضي
أنا لن أصوت لأعضاء الكنيست (مع احترامي لفئة قليلة جدا منهم)
أنا سأصوت لأحد أعضاء حزب الله والوطن
سأصوّت لراشد حسين
وسأهتف له مع السيدة فيروز: "لَمّا بْغَنّي إسمَك
بْشوف صَوْتي غِلي
إيدي صارَت غَيْمة
وجْبيني عِلي"
(*) سأتناول قضية المبام والشيوعيين وراشد حسين في مقالة أخرى لاحقاً