وتبقى المحبة... بقلم: فؤاد خوري
ها إنّه شُباط، بأمطاره ونسماته العليلة الباردة، يأتي ليجدّد مع الحبّ عهدًا في قلوبنا، أفلا نُرحّب بهذا الشعور المفعم بشتّى معاني الإنسانية، البساطة، التواضع، العطاء؟! حتمًا بَلا، سنتقبله فنتوّحد به، ليكون سرمديًا لا شعورًا عابرًا، يمّر في يومٍ، في لحظة.... من عالم الزمان.
إنّنا بالإيمان نحب أيضًا، فلأني أؤمن بحضورك، بكيانك أستطيع أن احبك، وإلاّ سيكون حبًا منطويًا خلف شعاراتٍ التملّق والرياء، عندما أستطيع أن أرى في الآخر صورةً من الإبداع دون أن أمسّه وأجرح مشاعره، عندها وحينها فقط أستطيع أن أحبه.
فإن كانت كلمةً عابرةً تمّر بين سطور الكلام، كلمةً وُجدت 1على التمتّع بالمحبة، فالمحبة هي المشاركة، هي أن أكون أنت وتكون أنا، حين أستطيع أن أقدّم من ذاتي في سبيل الآخر، دون أن أنتظر مقابلاً، أستطيع بهذا أن أجعل للمحبة مرادفًا في قاموس عباراتي، لكي لا تبقى قناعًا يُخفي حقيقة أنفسنا، بل ورقةً بيضاء، نستطيع أن نجسّد ذواتنا والآخر فيها ومن خلالها ، وأن نغيّر من معالمها الكثير، الكثير إن شئنا، ولكن مع كلّ مرّة نبدّل فيها الصورة، فإنَّ ما خلفتّه من آثارٍ، هو باقٍ ولن يزول.
إنَّ المحبة لا تطلب شيئًا لذاتها، فهي وهبت ذاتها، ونحن إن عجزت أفئدتنا عن تقبّل معنى أنّك لا تحتّل من جعبة ذكرياتي لكَ ذاكرةً، عندها نستطيع أن نحب، فالحب والألم رفيقان يتفرقان، يتهامسان ولكن تظّل توحّدهما حتميّة اللقاء، فالحب يحتاج منّي إخلاصا في سبيل من أحب، والحياة يعتريها الألم أحايين، فليست مسالك الحياة دومًا كما نرسم في أذهاننا، فدولاب الزمن يبدّل مساره، ولكن ما يحمل من انباءٍ سيكون هو الواقع.
بقدر ما ترتجف عاصفة الجسد في ليالي الزمهرير القارس، وبقدر ما نقع من تخبّط وتهيّج إزاء موقفٍ يحدّد فشلنا أو نجاحنا، هكذا المحبة، فإنّ عواصف الفكر والوجدان بهياجها وإن أثرّت في المحبة، فإنّ بذلك تستطيع أن تتيّقن وبشكلٍ قاطع أنَّ النصر سيكون لها.... لا للمحبة.
وبينما كانت تُقلّب الجريدة، عنوانًا بالخط العريض يقع تحت عينيها: شابٌ وهبَ احدى كليتيه لحبيبته، أعطاها قطعةً منه، لأنّه يحبها، ولأنّه مؤمنٌ أنّه يستطيع أن يعيش بكلية واحدة، ومؤمنٌ أنّهما سيظّلان، معًا للأبد، وأيضًا على يقينٍ أنّه سينال سعادةً لم يكن لينالها لو لم يُقدم على هذه الخطوة، وتحت أيّة ضائقة تعتري سبيل حياتهما سيتحّدى أعاصير الزمن وسيجابهه لأجل هذا الحب.
إنَّ المحبة لا تعني أن يهمّش المرء نفسه في سبيل الآخر، ولكن أن أعطي إن كان العطاء يؤثر حبًا مضاعفًا وأملاً جديدًا.
أحيانًا تهّب الرياح من حيث لا نشاء، وتأخذ معها من تشاء، في رغبتها أن تُرضي القدر، ورغبة ذواتنا إرضاءها، والمصير واحدٌ لا يتفّرع لشقّين، فالمحبة ملاّذ الصابرين، وعزاءٌ لنا، ويجب ألاّ تشكّل ألمًا، لأنها تطوي وتجرف معها أحيانًا من لا نرغب بمفارقتهم، ولكنّها ستعود بحلّة جديدة، سترجع وتجلب معها ضيوفًا جددا، وأيامًا جديدة، ولهذا المحبة كما إطلالة صباحٍ مودعًا بذلك غياهب الظلام.
عندما تغزو قلوبنا المحبة، سيكون لنا ما نشاء، ولكن لنيل ما نبتغي، على المحبة ألاّ تكون المسيّر ونصْب الأعين لوحدها، فهي لوحدها قادرة أن تعطي ولكن أين عطاؤنا يكمن؟ فيَد واحدة لا تُصفِّق.
إذا تأملنا في صمت الأيام ومرورها وما تخلّفه من أحداثٍ، نجدها كسَيْلِ ماءٍ جارٍ، يظّل يجري، بعض القطرات تسلك اتجاهًا آخر، قسمٌ يتبعثر، قسمٌ يرتطم بحائط، وآخر، وآخر... لم يعد يجمعها شيءٌ كما السابق، وربّما لن تعود لحظات الماضي، وإن ظلّت المحبة في الماضي وللماضي، ربّما أيضًا سيصعب عليها أن تعود لتعيش الحاضر.
بقدر ما نحب، نستطيع أن نسامح، فالمحبة لا تعرف أن تُنمّي حقدًا في النفوس، ومن تتمّلك عليه تلك المشاعر، هذا لا يعني أنّه خالٍ من المحبة، ولكّن المحبة بالنسبة له بقيت على الهامش، واستقّرت هناك، ولم يولها أهميةً، هذا لأنَّ المحبة لا تفرض ذاتها علينا، فهي تمهلنا الوقت والتفكير وحرية الاختيار، فإن نحن أخمدناها أُخمدت، وإن سموْنا بها إلى مصّاف النفس، بلغت بنا جمال الروح..... ووصلت بنا الى درب السعادة.
تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد:
مجموعة تلجرام >>
t.me/alarabemergency
للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >>
bit.ly/3AG8ibK
تابع كل العرب عبر انستجرام >>
t.me/alarabemergency