الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الأحد 10 / نوفمبر 03:02

الحرب العالمية على الإرهاب


نُشر: 08/04/09 07:43

لماذا توقفت إدارة باراك أوباما عن استخدام تعبير \"الحرب العالمية على الإرهاب\"؟

*  إدارة أوباما قد تخلت عن استخدام تعبير \"الحرب العالمية على الإرهاب\" الذي صكته إدارة بوش


تصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، عن توقف إدارة باراك أوباما عن استخدام تعبير \"الحرب العالمية على الإرهاب\"، تعد مفصلا جديدا من مفاصل القطيعة التي تسعى الإدارة الديمقراطية الحالية لإحداثها مع الإرث السياسي والاقتصادي والإداري، وحتى الإيديولوجي والثقافي، مع إدارة الرئيس الجمهوري السابق، جورج بوش، والتي يتهمها منتقدوها بتوتير علاقات الولايات المتحدة مع حلفائها، كما خصومها


وكانت هيلاري كلينتون قد قالت يوم الثلاثاء (31/3) في تصريحات صحفية من مدينة لاهاي في هولندا، إن \"الإدارة (الأمريكية) توقفت عن استخدام التعبير، وأظن أن هذا بحد ذاته يوضح المسألة\"

مشددة أن إدارة أوباما قد تخلت عن استخدام تعبير \"الحرب العالمية على الإرهاب\" الذي صكته إدارة بوش، عبر القول: \"لم أسمع أن التعبير قد استخدم، ولم تعط لي أي تعليمات حول استخدامه من عدمه

ولكن التعبير ببساطة لا يستخدم الآن\"

وعلى الرغم من تأكيد كلينتون السابق بعدم وجود تعليمات حول استخدام التعبير من عدمه، غير أنه من الواضح أن هذه الموضوعة تندرج ضمن سعي إدارة أوباما إلى إبراز التباينات والتناقضات التي تميزها عن الإدارة السابقة تحت بوش، هذا من ناحية

ومن ناحية أخرى، وهذا هو الأهم، أنها تنساب مع تصريحات وقناعات الرئيس أوباما نفسه، والذي سبق أن عبر عنها من قبل، سواء حين كان مرشحا، أم بعيد انتخابه رئيسا



\"القوة وحدها لا يمكن أن تحمينا\"
فمثلا، وخلال خطاب حفل التنصيب في العشرين من كانون الثاني/يناير من هذا العام، وجه أوباما سهام نقده إلى المنهج الذي تعاطت به إدارة بوش مع التهديدات التي تحيط بالولايات المتحدة ومصالحها وكيفية توظيفها إياها

وهو المنهج الذي اندرجت ضمنه ما أسماه بوش \"الحرب العالمية على الإرهاب\"، والتي بموجبها شنت الولايات المتحدة حربين على أفغانستان وعلى العراق واحتلتهما، وَفَعَّلَتْ سياسات عنفية وتوتيرية واستفزازية في العالم، انتهكت بموجبها سيادة الدول وحقوق الإنسان

أوباما كان واضحا عندما قال في خطاب التنصيب ذاك: \"نجتمع هذا اليوم لأننا اخترنا الأمل على الخوف\"، مضيفا: \"نرفض أن نخير بين أمننا وقيمنا\"، وذلك على أساس أن \"القوة وحدها لا يمكن أن تحمينا، كما أنها لا تخولنا الحق لفعل ما نريده

قوتنا تنبع من استخدامنا الحصيف لها، وأمننا ينبعث من عدالة قضيتنا\"

وفعلا ترجم أوباما هذه العبارات، بعد يومين من حفل التنصيب، من خلال إصداره أمرا رئاسيا بإغلاق معتقل غوانتنامو سيئ الصيت خلال فترة عام من رئاسته، والذي مثل أحد \"أفجج\" صور ما يسمى \"الحرب على الإرهاب\"، كما أعلن أوباما أيضا عن حظر كل أشكال التعذيب في المعتقلات الأمريكية باسم \"الحرب على الإرهاب\"



إعادة مدِّ الجسور مع العالم الإسلامي
أيضا، أبان أوباما غير مرة، أنه يدرك أن سياسات ومفردات خطاب الإدارة السابقة ساهمت في توتير العلاقة مع العالم الإسلامي، مما ضاعف من انكشاف الأمن القومي الأمريكي والمصالح الحيوية الأمريكية في العالم

ويبدو، حسبما أشارت العديد من التقارير الصحفية الأمريكية، أن أوباما اقتنع بالتحليل القائل بأن تعبير \"الحرب العالمية على الإرهاب\" ينظر له بسلبية كبيرة في العالم الإسلامي، كما في أوروبا

وذلك، لما يحمله في ذهن المسلمين من ربط لدينهم بـ\"الإرهاب\"، وفي الذهنية الأوروبية من مضامين عسكرية، فضلا عن أنه يأتي بنتائج عكسية

ولذلك فإن أوباما يريد أن ينأى بإدارته عن هذه التركة الثقيلة، حتى فيما يتعلق بـ\"صراع المصطلحات\"، خصوصا وأنه جاء إلى الحكم بوعود لمحاولة إصلاح العلاقة مع العالم الإسلامي، ومدّ الجسور-التي دمرتها إدارة بوش-من جديد مع المسلمين


وضمن هذا السياق، أعلن الفريق الانتقالي لأوباما عندما كان رئيسا منتخبا (أي قبل أن يتسلم مقاليد الحكم عمليا) بأن هذا الأخير يعتزم توجيه خطاب إلى العالم الإسلامي من قلب عاصمة إسلامية في سبيل إذابة الجليد الذي اعترى علاقة الطرفين في السنوات الثمانية الأخيرة

ولم يكد يمض وقت طويل حتى كان أوباما في خطاب التنصيب يرسل برسائل إيجابية وتصالحية إلى العالم الإسلامي، قائلا: \"إلى العالم الإسلامي، نتطلع قدما إلى طريق جديدة، قائمة على المصالح المشتركة والاحترام المشترك\"

وفي ذات الاتجاه، لاحظ المراقبون في الولايات المتحدة، نأي أوباما المتكرر عن استخدام تعبيرات من مثل \"الحرب على الإرهاب\" في خطاباته، وإن كان يستخدم مصطلح \"الإرهابيين\" الذين يشنون حربا على الولايات المتحدة، الذين يؤكد أن الولايات المتحدة ستهزمهم



البرغماتية في مواجهة الإيديولوجيا
كل ما تقدم يشير إلى قناعة أوباما من أنه ينبغي للولايات المتحدة أن تعود إلى مربع \"البرغماتية\" في توجيه سياساتها، والتحرر من إسار الإيديولوجيا، التي تحكمت في توجيه سياسات سلفه بوش، حتى ولو كانت نتائجها مضرة بالولايات المتحدة ومصالحها

وهو الأمر الذي عبر عنه أوباما بأوضح صورة في التاسع من الشهر الماضي، وذلك عندما ألغى قرارا سابقا لبوش يحظر بموجبه تمويل أبحاث الخلايا الجذعية من قبل الحكومة الفدرالية، بسبب ما كان يرى فيها بوش من أنها غير أخلاقية

أوباما في قرار إلغاء حظر التمويل الفدرالي لمثل هذه الأبحاث قال بوضوح بأن الإيديولوجيا لن توجه قراراته، بل إن الحقائق هي من ستوجه قراراته

هذا المنطق الذي قدمه أوباما في هذه المسألة، حسب مراقبين، يتسع ليشمل السياسات الداخلية والخارجية، ومن ضمنها مفهوم \"الحرب على الإرهاب\"، والذي اكتسب تحت بوش مضامين إيديولوجية صلبة جدا، وصلت إلى حد إطلاقه تعابير مستفزة جدا مثل \"الإسلام الفاشي\"، وحمله على الإسلاميين لأنهم يسعون لإقامة \"دولة الخلافة الإسلامية\"



أمريكا عاجزة عن شنِّ حرب أزلية
إلا أن التفسيرات السابقة وحدها لا تكفي لفهم التغييرات التي أحدثتها إدارة أوباما في هذا السياق، حيث ثمة أسبابا أخرى دفعت إجباريا باتجاه هذه التغييرات، سواء في الخطاب، أم في السياسة

فمثلا، وخلال أحد المناظرات للمرشحين الرئاسيين في الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الديمقراطي، سأل المرشحون ومن بينهم أوباما وكلينتون ونائب الرئيس الآن، جوزيف بايدن، حول ما إذا كانوا يؤمنون بأن الولايات المتحدة تشن حربا عالمية على \"الإرهاب\"؟ الغريب أن أوباما وكلينتون كانا مؤيدين لهذا الافتراض، في حين عارضه بايدن!

فما الذي حدث وتغير فضلا عن ما سلف؟
في سياق الإجابة على هذا السؤال، تبرز جملة من المعطيات التي ينبغي أن نلم بها لفهم هذا التحول


بداية، ينبغي أن ندرك، أن هذا السؤال الذي جاء خلال مناظرة في الانتخابات الديمقراطية التمهيدية، جاء في وقت كان فيه الجمهوريون يبتزون الديمقراطيين بأنهم ضعفاء في مجال الأمن القومي و\"الحرب على الإرهاب\"، وبأن وصول أي مرشح ديمقراطي للرئاسة سيعني تهديدا حقيقيا للأمن القومي الأمريكي، والأمن الفردي للمواطن العادي

جورج بوش، ربح دورته الرئاسية الثانية عام 2004 مستندا فقط إلى ما أسماه إنجازاته في \"الحرب على الإرهاب\"، وبأن نجاح المرشح الديمقراطي للرئاسة حينها، جون كيري، قد تكون له نتائج كارثية على الأمن القومي

ذلك أن كيري والديمقراطيون-حسب بوش والجمهوريين حينها-ينظرون للحرب على \"الإرهاب\" وكأنها قضية جنائية ينبغي التعامل معها أمنيا، لا على أساس أنها تهديد استراتيجي للولايات المتحدة لم يسبق أن تعرضت له من قبل، وعلى هذا الأساس فإنه ينبغي التعامل معها على هذا المستوى


ولكن العامين الأخيرين لإدارة بوش أوهنت الجمهوريين، خصوصا مع التراجع الاقتصادي الأمريكي المستمر، وصولا إلى بدء الانهيارات الكبرى في القطاعات العقارية والمالية والمصرفية والصناعية في شهر أيلول/سبتمبر 2008، أي قبل شهرين من الانتخابات

هذا شجع الديمقراطيين على قلب الطاولة على رأس الجمهوريين

فلم يعد بإمكان الحزب الجمهوري الآن ابتزاز الحزب الديمقراطي بمقولات \"الحرب على الإرهاب\"، في حين كان الناخب الأمريكي مشغولا أكثر بالواقع الاقتصادي المتردي و\"الحرب على نمط معيشته\"

ومع الوقت بدأت استطلاعات الرأي تشير وبوضوح إلى تراجع أهمية \"الحرب على الإرهاب\" واحتلال العراق لدى الناخب الأمريكي لصالح إصلاح الخلل الذي أصاب الاقتصاد، الذي أصبح يهدد أمن المواطن الأمريكي الذاتي، أكثر من تهديد \"الإرهاب\" المزعوم

  أوباما، المرشح الديمقراطي حينها، التقط الرسالة وتحرك بموجبها، في حين كان الجمهوريون لا زالوا أسارى ماض لم يعد له تأثير إلا في مفاصل حزبهم المنهك

وبهذا قلب أوباما ورقة الابتزاز التي ابتزّ بها حزبه لسنوات ثمانية إلى نحور الجمهوريين أنفسهم


عامل آخر ساهم في إحداث هذا التغيير

فحتى منذ الأشهر الأولى لإطلاق بوش ما أسماه بـ\"الحرب العالمية على الإرهاب\"، كان ثمة أصوات سياسية وأكاديمية، بل وحتى من داخل المؤسسة الأمنية، تعارض استخدام هذا المصطلح الفضفاض

تعددت جوانب معارضة أولئك لهذا التعبير وما يترتب عليه من سياسات

بعض جوانب اعتراضهم أشير لها من قبل، ولكن الاعتراض الأبرز تمثل بقلقهم، من أن هذا التعبير يخلط بين كينونة وماهية \"العدو\"، وبين الوسيلة التي يوظفها للإثخان في الولايات المتحدة

فـ\"العدو\"، حسب أولئك، هي القاعدة والتيارات الإسلامية التي تهدد باستخدام العنف ضد الولايات المتحدة ومصالحها في العالم

ولكن تعبير \"الحرب على الإرهاب\"، يجعل من الوسيلة \"الإرهاب\"-في منظور هؤلاء-هو العدو بحد ذاته، وبذلك تتوسع دائرة الأعداء لتشمل حتى التيارات التي لا تهدد الأمن القومي الأمريكي ومصالحه ولكنها تستخدم \"العنف\" كوسيلة لتحقيق أهدافها، كحماس وحزب الله مثلا

ومن ناحية أخرى، وهذا الأخطر، أن الحرب بهذا المعنى ستصبح ضد عدو فضفاض ووهمي غير موجود عمليا \"الإرهاب\"، أي الوسيلة، وهذا يعني أن الولايات المتحدة ستكون في حرب أزلية ستستنزفها على المدى الطويل، ذلك أنه لا يمكن الانتصار على عدو غير محدد، خصوصا في ظل الوضع الاقتصادي الأمريكي المتهاوي الآن

ويبدو أن أوباما ومدرسته أدركوا هذه المسألة وتبنوها


كل ما سبق لا يعني أن سياسات إدارة أوباما ستكون حمائمية، ويكفي للتدليل على ذلك استباحة الطائرات الأمريكية من غير طيار، للأجواء السيادية الباكستانية، والتي تزرع في كل يوم جديد تقريبا، المزيد من الموت، عبر قصفها لأهداف، تقول أمريكا أنها عائدة للقاعدة وطالبان، ويصر أهالي المناطق المستهدفة أن ضحاياها في العادة هم من المدنيين الأبرياء

غير أن ما يمكن قوله، أن إدارة أوباما تريد تقليص دائرة الأعداء الذين تشتبك معهم عسكريا وأمنيا كالقاعدة، وبين الأعداء الذين لا يسعون إلى مهاجمة أمريكا ومصالحها الحيوية، ولكنهم يقفون حجر عثرة في طريق بسط هيمنتها في مناطقهم، كطالبان

ومن هنا نفهم، حديث أوباما عن استعداده لمحاورة \"معتدلي\" طالبان، وهي سياسة سبقه إليها بوش بحديثه إلى العشائر وفصائل المقاومة العراقية في مسعى لعزلها عن القاعدة، وذلك بعد أن اصطدمت قرون الإيديولوجيا عنده بصخرة الواقع، ولكن دون أن يقر بذلك

ما يفعله أوباما أنه يقر منذ البدء

مقالات متعلقة

º - º
%
km/h
3.75
USD
4.02
EUR
4.84
GBP
288514.86
BTC
0.52
CNY
.