الهوية هي مجموعة من الدوائر الانتمائية المكونة للإنسان الفرد وللإنسانية كمجموعات متجانسة او متنافرة فيما بينها
هذه الدوائر يحددها الفرد يتعرف اليها ويتعامل معها, وينسجم او يرفضها بمقدار وعيه وثقافته وقدرته على التعرف الى ذاته والى محيطه والتعامل معه, ويحددها المجموع بمقدار وعيهم ونضجهم السياسي والاجتماعي والفكري والثقافي ومدى حاجتهم ورغبتهم في الحفاظ على ذاتهم الانتمائية أي الهوية , والتماهي والتمازج مع هذه الانتماءات يعتبر في المحصلة النهائية المكون الحقيقي لشخصية الفرد
هذه الدوائر الانتمائية تشبه الى حد بعيد الدوائر التي تتكون على سطح الماء الراكد في يوم ماطر حيث تبدا بفعل قطرات الماء (الفرد) من المركز وتبدأ بالانتشار والتوسع الى ان تصل الى الإطراف وهي قوية او ضعيفة بمدى قوة وصلابة وحجم قطرات الماء النازلة من العلا
وكلما كانت مجموع القطرات النازلة أكثر واشد كلما تعددت الدوائر وكثرت كلما كونت حركة متناغمة ومتجانسة على صفحات الماء لتكون حركة دائمة وسريعة للمياه الراكدة, للتحول جسم ينبض بالحياة المتناغمة والمتناسقة فتعطي للحياة رونقا ولوننا وجمالا, وهذا ما يحدث تماما للمجتمعات وللأفراد على حد سواء فالراكد ميت والمتحرك والفاعل ينبض بالحياة
إذن هويتي تبدأ من الانتماء الى ألانا الفرد, فالعائلة, فالقرية فالمنطقة, فالوطن والأرض, انتماء الى اللغة الفكر والثقافة الى الدين الى الحضارة والتاريخ ,كل هذه المصطلحات قطرات ماء تصنع دوائر انتماء في بحيرة الشعب لتصب وعيها وفكرها وثقافتها في بحر الإنسانية المترامي الإطراف
لقد وعت وعرفت الحركة الصهيونية منذ تأسيسها هذه الحقيقة عن شعبنا الفلسطيني القابع تحت الاستعمار والتبعية ,فقامت بكل ما وسعها من قوة بتفتيت وتمزيق وشرذمة الهوية للشعب الفلسطيني لحرفه عن مساره وفي إلغائه كشعب وتحويل أفراده وخاصة الأقلية الفلسطينية الاصلانية التي عانت ويلات التمييز والتضييق والمصادرة الى مجرد أفراد يأكلون التبن ويعلكون الهواء في عالم متلاطم الأمواج والغلبة فيه للقوي
فنحن إزاء صراع توجهات وهوية وثقافة وتاريخ، يختزله صراع سياسي يفتقر إلى النزاهة
صراع بين مشروعين وذهنيتين مختلفتين، يفصح عن مأزق حقيقي
صراع طرفاه متناقضان تماما، باعتبار الأخيرة نقيض للأولى يتهدد هيمنتها المستمرّة على الوطن
الحركة الصهيونية واذرعها استقبلت شظايا بشر من مختلف ثقافات العالم, فعلمتهم التنكر لماضيهم الحديث ولأصولهم القومية ,وحتى قامت بتغيير أسمائهم ,علمتهم تاريخها وثقافتها وانتمائها ,وعلمتهم الاعتزاز والقبول باللغة العبرية التي لم بتكلمها احد حتى أصبحت مصدر فخر واعتزاز لبنيها
تثبت حقائق التاريخ ان الحركة الصهيونية تقوم فلسفتها الدعائية لتسويغ احتلال الأرض واستيطانها على الإنكار التام لوجود شعوب أصلية هي صاحبة الوطن المحتل عبر تاريخه, والاصرارعلى هذا التبرير وترديده بشكل دائم حتى يختفي المواطن الأصلي الفلسطيني وراء اكتساب الكذبة مصداقية الترديد المستمر,وهو ما أدته بجودة وكفاءة مؤسسة الدعاية الصهيونية,لتثبيت دعائم الدولة تحت شعار \"ارض بلا شعب لشعب بلا ارض
وأبانها تم تغييب الفلسطينيين تماما خلال تلك الحملة الدعائية العالمية الواسعة, لترويض الضمير الإنساني على ابتلاع الكذبة التاريخية الشريرة وقبول الوضع الجديد
إزاء هذا التوصيف فأنني اشعر إننا نعيش في أزمة حقيقية عميقة وشرسة تهدد مجرد وجودنا وبقائنا كشعب له تاريخه وثقافته وجذوره المتأصلة في هذا الوطن الذي لا وطن لنا سواه ,فتحت وطأة الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي أصبحنا او أصبح معظمنا يقبل بكل وافد جديد وبكل ما يفرض علينا دون تفكير او تمحيص او بحث ,صودرت الغالبية الساحقة من أرضنا وما بقي فهو على كف عفريت ,ونحن نحيي ايام نضالنا ضد المصادرة والتهويد والتشريد ,وأجيالنا الجديد لا تعرف شيئا عن الموضوع ,لغتنا العربية في مهب الريح ولكم ان تتصفحوا بعض تعليقات القراء على الشبكة لنتأكد من حجم المأساة ,أجيال المستقبل ولأننا لا نعلمها او نثقفها فقد اصبح الاعوجاج في اللغة قانونا ,وفي مدارسنا ولتربية أجيال المستقبل فحدث ولا حرج فما زال أبنائنا يتعلمون عن احمد شوقي ومحمود سامي البارودي وامرؤ القيس وطرفة بن العبد في حين ان محمود درويش وتوفيق زياد وناجي العلي وسميح القاسم ,وغسان كنفاني هم نكرات لا يعرفون عنهم شيئا
وفي مجال الهوية قاموا بتفتيتنا وتقطيعنا ,من مسلم مسيحي درزي الى بدوي وفلاح ,من سني وشيعي الى كاثوليكي وارثودوكسي ,ومن ابن عائلة فلان الى عائلة علان ,المهم من سينتصر على من في انتخابات السلطة المحلية
كل هذا ونحن صامتون ساكتون راضون بما قسم الله لنا لا نحرك ساكننا ونشكر دولتنا وولية نعمتنا على ما قدمته لنا من نعم ,ماذا يعرف أبنائنا وشبابنا عن هذا والى اين نحن ذاهبون ؟؟؟ !!!
هل سنستطيع ان نصلح هويتنا التي تقوم المؤسسة بتقطيعها وتمزيقها امام أعيننا صباح مساء دون ان نعمل الكثير ؟؟
القائمة طويلة
طويلة جدا
لا أظن ان عاقلا يختلف على ان أول أسباب التماسك الداخلي القوي والمتين لنا كشعب يبدأ بترسيخ الهوية وقيم المواطنة والانتماء للأرض وتاريخها ,والاعتزاز بكل مواطن فيها بغض النظر عن لونه او جنسه او دينه ,بإرساء دعائم ليبرالية واضحة تضمن مناخا كاملا للحريات التي هي منبع الفرز الإبداعي اللازم للنهضة