هل من الممكن المقارنة بين الوباء الذي ضرب أوروبا والعالم في بداية القرن الماضي، وفتك بعشرات الملايين من بني البشر، وأنفلونزا الخنازير الصاعد إلى العناوين في بداية القرن الحالي؟
ليس تقليلاً من مخاطر أنفلونزا الخنازير أطرح مثل هذا التساؤل، ولكن محاولة في قراءة دور الخنازير في إبادة بني البشر، فحينها لم يكن العلم على هذا المستوى الذي نشهد اليوم وكان بلا شك صعوبة في الاتصال والتواصل
ولكن التشابه الأكيد أن العالم كان مقسّم إلى طبقات، أغنياء وفقراء، واليوم لا يوجد شيء اسمه صعوبة الاتصال، وتناقل المعلومات، والمختبرات العلمية ميزانياتها تفوق ميزانية قارة أفريقيا بكاملها، والعالم مقسّم إلى أغنياء وفقراء
قبل سنوات حين أُعلن عن اكتشاف مرض جنون البقر في أوروبا البلد الغني والمتطور جُنّ جنون البشر وكان المتضرر الأساسي من هذا الجنون فقراء العالم وليس أغنياءه أصحاب ومصدر المرض
وما أُبيد من ثروة حيوانية في أوروبا في حينه يكفي لإطعام فقراء العالم عشرات السنين، وعند اكتشاف، والإعلان عن أنفلونزا الطيور أُعلنت حالة الطوارئ في مطارات العالم وسعى الإنتربول الدولي إلى القبض على كل حامل لهذا الفيروس، وأُبيدت ملايين الطيور ودفع الثمن فقراء العالم، دول وشعوب
واليوم مع ثورة أنفلونزا الخنازير التي تضرب العالم، ومع أن عدد الوفيات لم يتجاوز عدد ضحايا مجزرة قانا – بيرس السلام -، وعدد المصابين لم يتعدى إصابات أطفال فلسطين في العقد الأول من القرن الحالي، فقد أعلنت منظمة الصحة العالمية عن حالة طوارئ، وهبّت الجيوش العربية في مصر العروبة لشن حربًا على مزارع الخنازير، وتبيدها عن بكرة أبيها، نزولا عند رغبة من يقف وراء منظمة الصحة العالمية، ومختبرات التجارب والأبحاث «العلمية» الممولة من شركات صناعة اللحوم والحروب
فما معنى أن يُعلن عن حالة الطوارئ بسبب مرض «مجهول المصدر» ولا يحرك العالم ساكنًا أمام وباء معروف المصدر، وباء يفتك بملايين البشر وتحت أنظار الجميع دون أن تنتفض مطارات العالم وأجهزة الصحة والتنمية والتغذية
الخ
ألا تعلم هذه المنظمات والجمعيات والشخصيات أنّ في العراق ملايين الأطفال ضحايا إرهاب الدولة المتحضرة، أكثر من نصف مليون طفل مات قتلاً جوعًا قصفًا خنقًا تحت الأنقاض، في العراق حرب تحرق الأخضر واليابس ويدمّر البلد بتراثه وحضارته وتاريخه وما من متحرك عالميًا، والجيوش العربية استبسلت في هجومها على حظائر الخنازير ولم تحرك ساكنًا في العراق أو الصومال حيث يموت الطفل في حضن أمه من الجوع، وفي أفغانستان يدمر الغرب المتقدم فلول التخلف هناك ليبنوا حضارة على جثث الملايين من بني البشر! وفي السودان بلد النيل والأرض الشاسعة والخصوبة، الجوع يفتك بالبلد طولاً وعرضًا والحروب تقطّع أوصاله من دارفور إلى النوبة حتى جنوب الجنوب، وفي فلسطين من غزة إلى حرق شعبها بالفسفور بالبث الحي والمباشر أمام عيون العالم ومنظمات الصحة وحقوق الإنسان ورؤساء العرب حلفاء بوش وإسرائيل، إلى القدس التي تدمّر والضفة المخنوقة بالحواجز وعساكر القتل، وفي كل مكان حول العالم يموت يوميًا الآلاف الأطفال فقرًا وجوعًا وقتلاً، أليس هذا وباءً يستحق حالات طوارئ فأينما حطّ أقدامه خنزير الفقر والحرب يزرع الموت والدمار
يوميًا وفي كل لحظة يموت طفلاً جوعًا وآخر قتلاً وآخر قهرًا وبالبث الحي والمباشر، ومن يضغط على الزناد معروف الاسم والملامح، فزناد الجوع والفقر والحرب يضغط عليها إصبع واحد في يد واحدة، الاستعمار الامبريالي الرأسمالي المتوحش
ديمقراطية!!
قُدم هذا اليوم الأربعاء 27 أيار اقتراح قانون للكنيست الإسرائيلي يقضي بفرض عقوبة غرامة مالية وسجن لمدة سنة على كل من يُصرّح ضد يهودية وديمقراطية الدولة، وهناك رزمة من مشاريع قوانين مقترحة من قبل الحكومة والتي تصب في خانة قمع الجماهير العربية الفلسطينية في البلاد
وأخرها اقتراح قانون منع أحياء ذكرى النكبة في يوم «استقلالهم» هذا «التصعيد» الحكومي ليس غريبًا وان كان خطيرًا، وخطيرًا جدًا
ليس غريبًا ولا مستغربًا أن تقوم حكومة صهيونية بتقديم وإقرار قوانين جل همّها مواجهة تنامي ظاهرة الوعي الوطني والقومي لدى العرب الفلسطينيين في البلاد، على مدار سنوات النكبة ومنذ العام 1949 حتى اليوم سن البرلمان الصهيوني (الكنيست) عشرات القوانين التي تهدف إلى مصادرة الأرض ومنع عودة أصحابها إليها رغم وجودهم على بعد عشرات الأمتار منها فقط، كقانون الحاضر غائب، وقوانين عديدة أخرى صودرت بموجبها أراضي وأملاك اللاجئين وأخطرها قانون «المواطنة» الذي يحدد لقلب الشاب أو الفتاة العربية في البلاد حدود المسموح في الحب والعاطفة، حيث لا يسمح للعربي أو العربية من البلاد بالزواج من ابنة عمه مثلاً وإن كانت تسكن في مخيم جنين حتى لا تحصل على المواطنة في \"دولة اليهود\"، \"واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط\"
دولة تقوم على أنقاض شعب آخر لا يمكن أن تكون ديمقراطية ووزير كان مجرمًا في مسقط رأسه لن يغير في تاريخ وحقائق بلاد أخرى
فنحن كنا نُحيي ذكرى النكبة قبل أوسلو ورفعنا علم فلسطين حين كان ممنوعًا بعُرف القانون الإسرائيلي، ولن تستطيع قوانين العالم من منع أطفال ميعار بالعودة إلى شجرة التوت في وسط ركام البيوت المدمرة، ولن يغير قانون جديد من طبيعة الدولة كدولة احتلال عنصري فاشي لا تمت بصلة للديمقراطية
إنّ ولائنا لوطننا ولشعبنا ولقضيتنا العادلة في البقاء والصمود والعودة والحرية والحياة الكريمة، إنّ هذه القوانين الفاشية بمثابة امتحان حقيقي لقيادة الجماهير العربية في البلاد أحزاب وحركات ومؤسسات وجمعيات (خاصةً المموّلة أمريكيا) ولجنة المتابعة العليا، في مواجهة هذه الهجمة الليبرمانية- البرلمانية