استبداد-بقلم : جواد بولس

* إسرائيل تستبد وتطغى وهي كسلطة لا تأبه لعيشنا وتصر ان لا يكون رغيدا
* إسرائيل تستبد وتظلم ولن نكف عن ذكر هذا والتذكير به والحث على العمل ضده كمواطنين أصليين على تراب هذا الوطن
كما في كل عام ومع حلول موسم الأعراس والأفراح ، يكثر الكلام وميزته الأولى تبقى تأفف العامة عما تسببه تلك المناسبات من أثقال وإرباك تزيد على سوء الحال سوءاً وكأنها أضغاث تراكم
على اباله !
ومجلسي ، الذي جمعني ببعض الأصدقاء والأخوة ، في نهاية هذا الاسبوع في البلدة ، أخذنا للحديث عن هذه القضية، التي ما لبثت وكثرت شجونها، فوجدتنا نتحدث عن واقعنا وواقع مجالسنا المحلية وعن إسرائيل وإستبدادها وما تنكله بنا ، مواطنين ومجالس، حتى أمسينا نضرب ونخشى الأنين ، نحرم ونلوذ بالسترة والكتمان ، فما أدراك ما الإستبداد إن طغى .
كان الحديث ، كما قلنا طويلا ً ومتشعبا ً، وكانت قضية مستخدمي المجالس المحلية وموظفيها ، واحدة من تلك القضايا التي خضنا غمارها فأحزنتنا وأستفزت بعضنا ، فهل يعقل أن يترك مئات من هؤلاء وطيلة شهور عديدة في كفرياسيف ، كما في غيرها من البلدات العربية، وهي التي تهمنا في هذا المقام ، دون أن يتقاضوا رواتبهم بإنتظام ، لا لجرم إرتكبوه أو مبرر يستساغ ؟ فبأي حق يقع مثل هذا الظلم والإذلال؟ وفقا ً لأي قانون أو شريعة يسكت عنه؟ وكأن البشرية لم تعر هذه المسألة حيزا ً وإنصافا ويكفي أن نذكر بما جاء عن النبي العربي من حديث ، أكد وجوب إعطاء الأجير أجره قبل أن يجف عرقه . لقد جف العرق وثقبت الجيوب وذلت كرامات فإلى متى ؟ ولماذا ؟
بعضهم أجاب أن المواطنين يخشون الإعتراض لأنهم يخشون سطوة هؤلاء المشغلين، فتجربتهم علمتهم أن يصغروا عن حقهم ، لا من باب جرح يدمل في القلب ويجرح ، إنما من باب محتاج ذليل خائف إن لم يعجبه الوضع ، فغيره وهم كثر ينتظرون الوظيفة والمعاش .
المسألة إذا ً إستبداد شامل . إسرائيل تستبد وتطغى وهي كسلطة لا تأبه لعيشنا وتصر ان لا يكون رغيدا ً والأولى ، هكذا هي السياسة ، أن تدار الشؤون المشتركة بمقتضى الحكمة ولكن شؤوننا على ما يبدو ليست مشتركة مع شؤونهم وبالتالي لا حكمة ولا إنصاف ويتبقى لنا الهوى والتعسف وهما الاستبداد والتجبر بعينه .
اكتب هذا عائدا ً لما كتبه واحد من أوائل طيلعي الشرق في كتاب خصه واصفا ً طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد وذلك قبل اكثر من قرن من الزمن . واليه اعود ولا حاجة للاسترسال في علم السياسة والادارة الحديثين وما كتب عنهما وبخصوصهما .
فما اجمل ان تقرأ ان الاستبداد هو ان يتصرف الفرد او جمع في حقوق قوم بالمشيئة وبلا خوف تبعةً. وإن كان هذا التوصيف صحيحا ً قبل اكثر من مئة عام فما بالكم به اليوم ؟
إسرائيل تستبد وتظلم ولن نكف عن ذكر هذا والتذكير به والحث على العمل ضده ، كمواطنين أصليين على تراب هذا الوطن. ولكن عندما تسمع عاملا ً ذليلا ً يخشى إدارة مجلسه ولا يقوى على أن يسمع حشرجة ، الطامة كبرى، فهذا هو إستبداد لا يمكن السكوت عنه والتغطية عليه .
نحن نتحدث لأننا نريد ان يسوسنا أحرار ، فلن يكون مستبد حرا ً ولا يستطيع أن يعيش خائف حرا ً. هكذا علمنا التاريخ من فجره والى اليوم وهكذا قيل أيضا ً في حال أمتنا قبل اكثر من مئة عام فأمة لا يشعر كلها او اكثرها بآلام الاستبداد لا تستحق الحرية !
نحن مع إدارات مجالسنا ضد سلطة القمع والقهر والتفرقة العنصرية وسنبقى نعمل ضد سلطة القمع هذه حتى إذا إستنكفت بعض الادارات ولم تعل صوتا ً او تحرك ساكنا ً في وجه ما يمارس ضدنا نحن الفلسطينيين في هذه الديار .
ولكننا نحن مع هؤلاء المقموعين الذين يعملون وتحجب أجورهم، يجوعون ويسمعوا أولادهم قرقعة الحجارة في ذلك القدر المهين . نحن مع ادارات سليمة، حره ومنصفة لا تستأثر برأي يغيب حقا ً على غير ذي وجه ومع ادارات لا يملؤها غرور وتأنف بقبول النصيحة فمن يفعل ذلك هو المستبد .
آلمني ، انا وصحبي في تلك الجلسة ، ذاك الموظف الخائف المحتاج . آلمنا ذله واستفزنا ان نعيش ونحيا في مجتمع يرضى بمثل هذه المعادلات فيصلا ً يهندس رقعة حياته . بعضنا قال وآمن ، أن لا فائدة ولا امل فالمستبدون لا يتولاهم إلا مستبد والأحرار يتولاهم الأحرار . هذا ما قاله أيضا ، عشرات الخطباء الأحرار في قرانا ومدننا العربية حينما أكدوا ، كما تكونوا يولى عليكم .وبعضنا ردد في تلك الجلسة ما قاله ميكيافيلي : - بأن البشر لايفعلون أي خير إلا بالضرورة .
مهما صحت اقوال كهذه وما شابهها تبقى ، برأيي ، كفرياسيف تحديدا ً بستانا ً جميلا ً وتقول لكل متأمل ومؤمن بالممكن، حينما يسأل المستحيل عن مكان إقامته يرد هذا أنه يقيم في أحلام العاجز. وأنا ، مثلك أيها القارئ أخشى وأرفض أن أحيا عاجزا ً فما رأيك ؟ .