في وسط حي تل الهوى في غزه, سكنت الجدة (أم مكرم)التي تبلغ من العمر ثلاثة و ستين عاما مع أحفادها و أرملة ابنها في بيت مؤلف من طابقين شرفاته واسعة تحيطه حديقه صغيرة ذات سور عال من الحجر الجميل كأنه قلعة صغيرة اثرية ، هذا ما تبقى لها بعد استشهاد ابنها في كرم الزيتون الذين قاموا بتجريفه قبل حوالى عشر سنين .
منذ ذاك اليوم وأم مكرم تقوم على تربية أحفادها وإعالتهم واخذت تبث فيهم حب الارض والوطن وكرم الزيتون الذي سالت دماء ابيهم فيه وتغرس فيهم العزة والكرامة والشجاعة وأن لا بد ان يأتي اليوم الذي سيقع على عاتقهم مسؤولية الدفاع عن أنفسم وبيتهم وكرمهم.
وفي آخر عملية قام بها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزه والمسماة ( الرصاص المصبوب) كان لأم مكرم نصيب في المعاناة شأنها شأن بقية أهل القطاع، ففي إحدى الليالي المظلمة العصيبة المأساوية أخذ بعض الجنود من فرق الجيش بالتقدم والتوغل في أطراف الحي محاولين الدخول مستخدمين المدفعية في ضرب البيوت السكنية .
بينما تحلق الطائرات الحربية تلقي القنابل الفوسفورية المضيئة تحرق الأخضر واليابس على حد وصف المراسلين وتنشر الرعب بين الأهالي!
فالكل فقد الأمن والأمان ناهيك عن فقد الأحبة والمنازل التي اخذت تهدم على رؤوس من فيها من ضربات المدفعية ، كانت أم مكرم في هذه الاثناء تختبىْ مع احفادها في احدى الغرف السفلية السرية التي تربط بيتهم بالحي فاذا بها تسمع طرقا خفيفا على باب السرداب المؤدي الى الخارج فتحت بسرعه واذا بمجموعة من المقاومين المتخفين اتوا يحملون بعض الذخائر والقذائف والعتاد ، دخلوا بسرعة توزعوا في البيت وعلى السطح وتمركز بعضهم على الشرفات وجاء احدهم فطلب من ام مكرم مغادرة المنزل هي واحفادها حفاظاعلى سلامتهم لكنها ابت ان تخلي البيت فاما موت بكرامة مع بعض او عيش بحرية فالامران واحد.
وبقيت تهدهد الاطفال وتطمانهم انهم الان في امان اكثر من ذي قبل فهم بجوار المقاومين ، ومن ثم صعدت الى الطابق العلوي فاعدت لهم الشاي بالاعشاب وبعض الشطائر الخفيفة من محتويات المنزل ، ومن ثم احضرت لهم بعض البطانيات وقدمتها لكبيرهم فاخذوا يتناوبون العمل ثلاثة يستريحون قليلا واثنان يقاومون وام مكرم حاضرة معهم في كل زوايا المنزل ثبث بدعائها لهم الثبات والعزيمة وروح المقاومة والانتصار الا ان وقعت قذيفة في ساحة المنزل اصيب على اثرها احد المقاومين الذين كانوا على الشرفة، واذا بام مكرم تاخذه وتقوم بتضميد جرحه مع زميله ببعض الادوية والفوط واللفائف التي كانت تدخرها لأوقات الحاجة داعية له بالشفاء واخذت تلفه بالشراشف وتمسح على راسه بلفائف الماء حتى لا ترتفع حرارته الا ان حضر رجال الاسعاف ونقلوه الى المشفى .
بقيت ام مكرم ثابته صامدة تقوم على خدمة المقاومين واحفادها ثلاثة ايام وهم في بيتها تطبخ لهم الارز بالعدس والمجدرة وتعد لهم اكواب الشاي ، وتقدمها لهم بابتسامه هادئة تبث فيهم بلسم الحياة بين لهيب النار وانفجار القنابل،وتدعو لهم بالنصر والثبات وان يسدد الله ضرباتهم وينصرهم على اعدائهم مذكرة اياهم دائما انه لن يموت الانسان الا حين يوفى اجله . ولن تخرج الروح الا بيد باريها فاما حياة بعزة وكرامة او استشهاد .
واخذ المقاومين ينادونها يا(ام المكارم)يا ام المقاومين لا تحزني ، فموت مكرم ميلاد لشعب ووطن ولا بد الفجر قادم.
بقلم :احمد يوسف كيوان مجد الكروم
مدرسة السلام-الصف الخامس ه
القصة على خلفية احداث غزة