قدر نابلس أن تواصل الحياة حتى في ظل حالة احتلال وقمع وإغلاق، ومواصلتها لحياة أو ملامح حياة طبيعية هي جزء من مقاومتها
ومواصلتها للحياة يأتي من خلال مدها بأسباب الصمود، الذي هو أيضًا جزء من مقاومتها من أجل الحرية والاستقلال والحياة الكريمة، وواجب القيادة الفلسطينية أن تصنع هذا التوازن الضروري بين السعي لتعيش الناس حياة أقرب ما تكون من الحياة الطبيعية، وفي الوقت نفسه مواصلة المشروع الوطني من أجل الحرية والاستقلال
ولا تناقض، فالشعب الأقوى اقتصاديًا ومؤسساتياً وفنيًا وفكريًا و"كنافة"، والشعب الأبعد عن الفقر والمهانة الاقتصادية، هو شعب يملك قدرة أكبر على مواجهة الاحتلال وعلى تحقيق الأماني الوطنية العادلة
والشعب القادر أن يفرح هو شعب يستحق الحرية والحياة الكريمة
الشعب الفلسطيني، هو شعب واعِ ومبدع ومتقدم في المجالات الاقتصادية والفكرية والثقافية، وأحد أهم أساليب ضرب هذا الشعب هو ضرب إبداعه ومقدراته العلمية ومقدراته التجارية والمهنية
وإسرائيل تعرف ماذا تفعل، حينما تشدد الخناق على الاقتصاد الفلسطيني
ولذلك إذا كان سدر الكنافة الأكبر، هذه الفكرة الخلاقة التي انطلقت من نابلس وتم تجسيدها على أجمل ما يكون، في عمل جماعي شارك فيه العشرات من العاملين المهنيين وغيرهم، قد أدخل نابلس العريقة إلى وسائل الإعلام العالمية، فهذا دليل أن أهالي نابلس يعرفون من أين تؤكل الكتف، ويعرفون أن الكنافة النابلسية هي جزء من مقاومتهم، وهي جزء من صمودهم
وربما، والشيء بالشيء يذكر، فبعد أن حاول سفراء إسرائيل في العالم إقناعنا بأن الفلافل والحمص هما إبداع إسرائيلي لا شأن للعرب فيه، فقد جاءت هذه الضربة الاستباقية، أو الوقائية، للكنافة النابلسية لمنع أي التباس مستقبلي بهذا الشأن الوطني
وأما نحن، "عرب إسرائيل" (بلسان السلطة، ويُسمونا أيضًا عرب الـ 48، أو عرب الداخل- سموهم بما شئتم لكن، رجاء، لا تسمموهم)، فنأكل الكنافة والبورما والبقلاوة، ونذهب لطابا وشرم الشيخ ورودوس وأنطاليا، وعندما نزوّج أبناءنا لا ندَع مطربًا يعتب علينا، ولا أقل من ألف مواطن مسكين يحضر حفلات أعراسنا
بالذات نحن، أو على الأدق جزء منا، بعد هذا كله، شاطرين بالوعظ على إخوتنا الفلسطينيين في الضفة والقطاع، ممنوع تفرحوا، قوموا ناضلوا، ممنوع توكلوا كنافة وعندكو بعد فيه احتلال
هذا تلون
من يريد أن يعظ الآخرين ليبدأ بنفسه، فإذا كنا صادقين في وعظنا، فلنتوقف عن كل مظاهر الفرح والترفيه والترف، وبعدين، يحق لنا أن نقول لإخوتنا: لا تفرحوا
ناضلوا
فهذا قدركم
عندما كنت في نابلس، في إطار وفد جبهوي، وكان ذلك في عز الحصار، وكانت الزيارة بعد هجوم دموي عليها، وشاهدنا هنالك آثار "القدم الوحشية" كما تقول فيروز، وشاهدنا شعب يرفض أن يطأطئ الرأس، وكتبت في حينه مقالاً متأثرًا بقوة هذا الشعب على الصمود أن: "نابلس لا تؤمن بالدموع"
نعم نابلس لا تؤمن بالدموع، نابلس تقاوم
وحتى في عز فرحها فهي تقاوم