* تزايدت أعداد الأرامل في قطاع غزة خلال السنوات القليلة الماضية جراء الممارسات الاسرائيلية اللاإنسانية، خصوصاً عدوان "الرصاص المسكوب" الذي حصد أكثر من 1500 شهيد
* أم محمد: "في البداية كنت حزينة على فراق من عشت معه أكثر من 8 سنوات، لكن مع مرور الوقت أصبح الحزن مضاعفا، فأصبحت فجأة مسؤولة عن الأولاد واحتياجاتهم التي لا تنتهي"
*وائل الزرد: "نحن حريصون على ألا تبقى أي منهن أسيرة لجدران الغرف المعتمة، ونحن نسعى لتزويجهن بكرامة واحترام، فهن ليس سلعة للبيع أو الشراء"
ووريت جثامين الشهداء الثرى وبكى عليها من بكى. أيام قلائل وتنفض مجالس العزاء ويغادر المعزون إلى بيوتهم. وتودع الأرامل أيام الاستقرار ليفتحن صفحة جديدة لا تنتهي من المعاناة. معاناة ليس أقلها فراق شريك العمر، لكنها تمتد لتصل إلى أدق تفاصيل الحياة، محولة بذلك حياة آلاف الأرامل إلى مأساة تتنوع فصولها وتتعدد أشكالها.
في قطاع غزة بالكاد تستطيع أن تتحدث مع هذه الفئة المنهكة بالألم والجراح، جراء الضوابط الاجتماعية المفروضة عليهن من قبل الجميع، حتى أنهن لا يستطعن الإفصاح عن أسمائهن الحقيقية ويفضلن الحديث من خلال الكنية كما هو الحال مع أم محمد، التي استشهد زوجها خلال عدوان "الرصاص المسكوب" تاركاً وراءه خمسة أبناء لا حول لهم ولا قوة.
تقول أم محمد: "في البداية كنت حزينة على فراق من عشت معه أكثر من ثماني سنوات، لكن مع مرور الوقت أصبح الحزن مضاعفا، فأصبحت فجأة مسؤولة عن الأولاد واحتياجاتهم التي لا تنتهي". وتضيف وهي تتنهد بعمق: "والله إنني لا أنام من شدة التفكير في هذا الحمل الثقيل الذي لا يقوى عليه الرجال في ظروفنا هذه. ليس لنا مصدر رزق ثابت سوى بعض المساعدات التي تقدم في البداية وسرعان ما تنتهي".
وتزايدت أعداد الأرامل في قطاع غزة خلال السنوات القليلة الماضية جراء الممارسات الاسرائيلية اللاإنسانية، خصوصاً عدوان "الرصاص المسكوب" الذي حصد أكثر من 1500 شهيد، نسبة كبيرة منهم من المتزوجين، الأمر الذي أوجد ظاهرة اجتماعية مقلقة تمثلت في وجود آلاف الأرامل.
ورغم إشادتها بنظرة التقدير والثناء التي تجدها من المجتمع الغزي كونها زوجة شهيد، إلا أن أم إبراهيم تعتبر "أن كل المواقف الجميلة تسجل في البداية، ولكن مع استمرار الحياة يبدأ الجميع في البحث عن حياته تاركين زوجات الشهداء وأولادهن فريسة للعوز والفقر في أحيان كثيرة".
وتضيف والدموع تملأ مقلتيها: "يتحدث البعض عن دعم مادي من هنا أو هناك، لكن الحياة أصعب من ذلك بكثير سواء على المستوي المعيشي أو النفسي أو الاجتماعي".
فالمشاكل الكثيرة التي تواجهها أرامل الشهداء في قطاع غزة في جميع الجوانب القانونية والنفسية والاجتماعية والاقتصادية، دفعت بعض الجهات الأهلية إلى البحث عن وسائل كفيلة للتخفيف من معاناتهن ومساعدتهن في ظل الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة جراء الحصار الإسرائيلي.
ومن بين هذه الوسائل، تزويج أرامل الشهداء والتي لاقت رواجا في قطاع غزة خلال الفترة الأخيرة. ورغم معارضة البعض لهذه الفكرة، فإن رئيس جمعية "التيسير للزواج" في غزة وائل الزرد يعتبر ذلك "إكراماً للشهداء واحتراماً لحقوق زوجاتهن وحرصاً على رد الجميل لمن ضحى بنفسه في سبيل الله"، مضيفاً: "نحن حريصون على ألا تبقى أي منهن أسيرة لجدران الغرف المعتمة، ونحن نسعى لتزويجهن بكرامة واحترام، فهن ليس سلعة للبيع أو الشراء".
ويتابع: "في ذلك احترام لحقوقهن الشرعية، ورعاية للأيتام، وحفظ من بعض العادات المجتمعية السيئة".
بدوره يحذر مدير "مركز التدريب المجتمعي وإدارة الأزمات" في غزة فضل أبو هين من الآثار السلبية التي قد تظهر على أرامل الشهداء في حال أهملهن المجتمع ومؤسساته المختلفة، ولم تقدم لهن الرعاية الكافية، مشيرا إلى أن "زوجات الشهداء يعانين من سلسلة طويلة من المشاكل الاجتماعية والنفسية المرتبطة بفراق الزوج، ناهيك على المشاكل الاقتصادية الأخرى".
وعبر أبو هين عن تشجعيه لفكرة ارتباط أرامل الشهداء بأزواج جدد، في ظل ضوابط شرعية واجتماعية معينة تحقق الفائدة المرجوة لهن.
أما الناشط في العمل الأهلي برهم القرا، فيعتبر أن معظم المؤسسات التي تقدم خدماتها للأرامل والأيتام، غالبا ما تؤدي أدواراً محدودة في التخفيف من صعوبات الحياة عليهن، "إذ لا توجد برامج كافية وشاملة تخدم هذه الفئة التي تواجه مشاكل اقتصادية واجتماعية جمة".
ويقول: "تقدم بعض المؤسسات الكفالات المالية للأيتام بمخصصات مالية محدودة، في حين أن الأمهات يواجهن بعض الصعوبات مع عائلة الزوج في الحصول على مخصصات الشهداء التي تقدمها السلطة الفلسطينية"، داعيا إلى إيلاء هذه الشريحة المجتمعية الأهمية التي تستحق، خصوصاً وانها أضحت ظاهرة اجتماعية في الآونة الأخيرة.