* 43.6% من المستطلَعين لم يسمعوا بمشروع الخدمة المدنية من قبل, ولكن إعادة النظر مجددا بمسار "الحملة ضد الخدمة المدنية" كفيلة بإزالة الصعقة
* 10.7% من المستطلعين اختاروا تعريف -عربي اسرائيلي- لانفسهم مما يبين جليا تخلصنا من نزيف ومخلفات بل ونفايات الحكم العسكري –على الاقل من الناحية الهوياتية
تشكل نتائج الاستطلاع الأخيرة – الذي نشر الشهر الفائت وتم إجراؤه بمبادرة جمعية "بلدنا", حول موقف الشباب العرب من "الخدمة المدنية" وحول الهوية عموما معطى مهما ٌ لا يمكن المرور عليه مرور الكرام, فان ما في ثناياه من معطيات تستوجب فرملة تأملية مقرونة بقراءة معمقة لما يحمله. لا لكي نستعرض ما تم وأُنجز قبله فحسب, بل لنرى ما عليه أن يتم وينجز من بعده بوقفة قصيرة عنده ومع ذاتنا, وقفة لا تخلو من شفافية مع النفس او من نقد ذاتي بناء نستطيع من بعدها استنهاض القوة للعمل المستقبلي. ولكن بعيدا عن المراجعات لا بد لنا هنا بان نشيد بأهمية القيام بمثل هذه الاستطلاعات التي تساهم بدحض وتفنيد استطلاعات المؤسسة الرسمية حول الموضوع من جهة, وتشكل لنا منارةً من جهة أخرى نستطيع أن نسترشد بها في حملتنا المستقبلية ضد هذا المخطط.
لقد أحسن المبادر للاستطلاع عندما قام بالربط بين قضية الوعي الهوياتي لذا الشباب العرب وتعاظم الهوية الوطنية وبين الوعي لمخاطر الخدمة "المدنية" إذ إن الثاني نتيجةً للأول كما انه جزءاً منه, فيشير الاستطلاع أن 66.2% من الشباب العرب يرفضون الانضمام للمشروع, بينهم 48.8% يعللون رفضهم بتضارب المشروع مع هويتهم الوطنية مما يؤكد ذاك الترابط بين الأمرين, ومما يشير أيضا إلى أن الرفض مبدئياً بماهيته وليس اقتصادياً, نستطيع ان نستشف من هذا ان النسبة الكبيرة قد ذوتت المضامين التي حملتها "الحملة ضد الخدمة المدنية" والتي ركزت بحملتها من مواد منشورة, محاضرات, وأفلام, ان سبب الرفض الأساسي هو التشويه الهوياتي الذي يحمله ويؤدي إليه المشروع. معطى أخر يظهر تأثر الشباب العرب بالخطاب الذي حملته الحملة هو ايمان الأغلب ان لاعلاقة مباشرة بين المساواة والخدمة "المدنية" الأمر الذي يظهر الوعي الكامل لمفهوم الحقوق والواجبات والذي حاولت المؤسسة تحويله كفخ حقوقي وكجزء من "العقد الاجتماعي" العام, فيظهر الاستطلاع ان 63.7% من الشباب لا يعتقدون ان الخدمة "المدنية" مرتبطة بالمساواة مما يؤكد إدراكهم ووعيهم لهذا المطب ورفضهم له.
أما اولئك الذين يؤيدون المشروع والتي شكلت نسبتهم 33.8%, فقد تمركزت أسباب تأييدهم بثلاثة أسباب رئيسية: 1. "التطوع للمجتمع" 37% ,2. "منفعة اقتصادية" 32.6%, 3. "واجباتي كمواطن" 27.2%. معطىً كالأخير يضعنا أمام تحدِ لم يعد يقبل التأجيل, فضرورة إعادة بناء المؤسسات الوطنية باتت تلح أكثر من أي وقت مضى خاصةً في ظل ما تشهده الساحة الداخلية من صراعات لا تقف عند الخدمة "المدنية" كما انها لم تبدأ أصلا ً بها , انما بتهديد الهوية التي تشكل الخدمة "المدنية" احدى محطاته الخطرة. هنا تبرز من جديد وبوضوح أكثر ضرورة تقديم مشروع لإعادة بناء لجنة المتابعة العليا بصورة تتلائم مع الواقع الجديد, فالمعطى الأخير والذي يظهر بعضاً من المحفزات التي تقود شبابنا لمثل هذه المخططات يجعل تنظيم الأقلية الفلسطينية في الداخل مطلباً وموقفاً على الأحزاب السياسية والحركات الفاعلة تبنيه بجدية ووضعه ليس في سلم الأولويات فحسب بل على رأسه. التنظيم الذي يشمل الجانب: الاقتصادي, المجتمعي, والثقافي.
ربما يصعق البعض أمام حقيقة أخرى كشفها الاستطلاع من ان 43.6% من المستطلَعين لم يسمعوا بمشروع الخدمة المدنية من قبل, ولكن إعادة النظر مجددا بمسار "الحملة ضد الخدمة المدنية" كفيلة بإزالة الصعقة, إذ ان غالبية الفعاليات التوعوية المتنوعة من: أمسيات فنية, مهرجانات, زيارات ميدانية للمدارس تمركزت حول مدن بعينها وبالتحديد المدن الكبرى, ناهيك عن ان جزءاً كبيراً من الحملة اعتمد على الجانب الالكتروني مما جعل الحملة "نخبوية" بعض الشيء – طبعا هذا بالمجمل وبلا تعميم. يمكن للأمرين معا ان يفسرا هذه النسبة الكبيرة والأخيرة تفسر مساعي المديرية المسئولة عن المخطط بتوجيه حملتهم للقرى الصغيرة البعيدة, كنوع من استخلاص العبر اذ يظهر من النسبة انهم أيضا فشلوا بالتوصل لهذه القرى. وهذا يفيد أناّ علينا تكثيف العمل بهذه المناطق وفقا لهذه الحقيقة وهذا المعطى.
القارئ لبعض الإجابات والممعن بتفاصيلها لا بد وان استشف طبيعة الاستقطاب الذي يلفها حول الموقف من الخدمة "المدنية", والذي يشكل مرآة تعكس الاستقطاب العام الذي تتجه الأقلية الفلسطينية نحوه بمجمل القضايا السياسية, نستدل مثلا بتدريج المستطلعين التفاوتي لديمقراطية إسرائيل (من 1-5 , من الأضعف للأقوى) فنجد ان 35.6% أجابوا 1 مقابل 17.7% للدرجة 5َ. الموقف التفاوتي الأخر وبحده اكبر لوحظ بتدريجهم لضرورة تأدية الخدمة المدنية, فبطلب التدريج من 1-7 (1- لا أؤيد بتاتا, و7 أؤيد جدا) كان الاستقطاب أكثر حدّية اذ أشار 53.8% بـ 1 مقابل 17.2% بـ 7 حيث ان الإجابات الوسطية لم تتعدى ال 9% في أقواها. لم يقف الاستقطاب بالمواقف عند الخدمة "المدنية" أو "ديمقراطية" إسرائيل بل انه ظهر واضحا - وبلا تأويلات, بالوعي الهوياتي لدى الفرد وبتعريفه لذاته حيث انتقى 28.7% التعريف "عربي فلسطيني مواطن في دولة إسرائيل" مقابل 2.1% انتقوا لأنفسهم تعريف "إسرائيلي".
ان وعي الشباب الهوياتي الظاهر في السؤال حول الهوية في الاستطلاع, يظهر مدى العلاقة بين هذا الوعي وبين الموقف من الخدمة "المدنية", كما انه يؤكد ما تأكد خلال العقد الأخير ويبدو انه سيتبلور بقوة اكبر في العقود القادمة وهو تنامي الهوية الوطنية لدى الأقلية الفلسطينية ما يمكن تسميته بـ "فلسطنة" الهوية لدى الفرد, وهذا بدوره يشير إلى تحرر الشاب الفلسطيني في الداخل من صورة "العربي الإسرائيلي" الذي افرزها الحكم العسكري بفترة الخمسينات والستينات, فلقد اختار 10.7% من المستطلعين هذا التعريف (أي عربي اسرائيلي) لانفسهم مما يبين جليا تخلصنا من نزيف ومخلفات بل ونفايات الحكم العسكري –على الاقل من الناحية الهوياتية. كما تفند هذه المعطيات توقعات سامي سموحة "بأن المواطنين العرب يتجهون نحو الاسرلة". فمن الواضح ان ما نشهده في هذه المرحلة من ممارسات اسرائيلية عنصرية متصاعدة تجاه العرب – قانوناً وممارسةً, وتعاظم محاولات "الاسرلة" من جهة بالإضافة لممارسات الاحتلال والحصار ثم العدوان على غزة من جهة أخرى, نرى ان عوامل كهذه تشكل ارضية ً خصبة ً "للفلسطنة" لا "للاسرلة" شاهدنا صورها في التدني الجدي بنسبة التصويت للاحزاب الصهيونية في الانتخابات الأخيرة.
هذا الاستطلاع فأما بعد!
لم اعرض هذا الاستطلاع لنكافئ أنفسنا "كحملة ضد المشروع" او "كائتلاف شبابي" فحسب- مع الإشادة بنتائج الحملة الايجابية ونتاج عملها المتفاني, ما تم كان حسن ولكن هل هو الأحسن؟ كان كثيرا ولكن هل كافيا؟, لا بد ان تكون هنالك فسحة للذات النقدية بها يُسمع السؤال الاكبر والذي يجب أن يُسأل: "ماذا بعد؟!", كما ان على السؤال بأن يُقابَل بإجابة تعادله وضوحاً وجرئةً "هذا بعد...." لما فوق النقاط ان يكون هو ما يمكن استنباطه من نتائج الاستطلاع حول ضرورة إيجاد وتطوير الأطر والمؤسسات التي تفي المتطلبات او النواقص التي من اجلها ينخرط الشباب بهذه "الخدمة". يمكن للبعض ان ينتقد هذا بحجة إني أدعو لبديل للخدمة "المدنية", وهناك الكثيرون ممن يُصعقون حتى لدى سماع كلمة "البديل", بإمكاني تفهم هذا فان معارضتنا للخدمة "المدنية" معارضة مبدئية وليس لان هنالك بدائل, وما من شك لدي بان الساعي لبديل عليه ايجاد بديل "للاسرلة" ككل فالخدمة "المدنية" ما هي الا محطة لها. ولكن ما اقصده انا بطرحي "لبديل" هو ليس بديل للخدمة "المدنية" كمشروع فالبديل للخدمة "المدنية" هو ان تكون فلسطينياً وطنياً, انما المراد من"بديل" هو العمل على تمكين الشباب اجتماعيا, اقتصاديا, وسياسيا واحتوائهم بمؤسساتنا الوطنية والاهلية, هنا يظهر دورنا والاحزاب بالتفكير جديا بإعادة بناء هذه المؤسسات وتطويرها بدءاً من لجنة المتابعة, والعمل على تنظيم الاقلية الفلسطينية تنظيماً ليس سياسياً فحسب بل اقتصادياً ايضا فلا ننسى ان 28% ممن يخدم بالخدمة "المدنية" يخدم لأسباب اقتصادية, ومن هنا علينا الاّ نصعق امام حقيقة ان 88% ممن يخدمون هم من الفتيات, كيف لا وهن اكثر المستضعفات اقتصاديا في ظل المجتمع الأبوي الذكوري الذي نعيشه. لذا علينا ان ننشط ونكثف "حملتنا" لدى هذه الفئة المستضعفة.
اننا لسنا بصدد التباهي بما أنجز- مع ان هناك مجال لمثل هذا التباهي, اذ اني لا أنقص من قدر ما تحقق ولكن علينا استغلال هذه المعطيات والنتائج- وان شكك البعض بصحتها وموضوعيتها, فحتى لو بلغت نسبة الخطأ فيها 10% يبقى مجال للإشادة بما تحقق, ولكن المجال الذي عليه ان يفسح الان هو للآتي بساحة العمل القادمة. الساحة التي على الاحزاب والحركات السياسية ان تلعب هي الاخرى بها دورا هاماً وأساسيا, فان نتائج الاستطلاع تُظهر ان مجابهة هذا المخطط وغيره لا تقتصر على "حملة" بعينها بل على بناء مؤسساتي كامل للأقلية وتنظيماً لها على كل المستويات بدءاً من لجنة المتابعة, مما يستوجب تنسيقا جديا ونوايا جدية كذلك, لا مفر من هذا لمجابهة مخططات كهذه, وكقول الراحل مارثن لوثر كينغ "لا يستطيع احد الصعود على ظهرك إلا اذا كان منحنياً".
بقلم خالد عنبتاوي: مركز منطقة النقب في جمعية الشباب العرب-بلدنا