* واضح وضوح الشمس أن الذي يحدد إيقاع المشهد كله ، وبيده تحديد لائحة الأولويات هي الأكثرية اليهودية
* يدعي البعض أن المشروع ( أحسن من بلاش ) كما نقول في مثلنا العامي ، وهو يعين بشكل أو بآخر في مساعدة الشباب والشابات في حل بعض مشاكلهم المادية ويفتح أمامهم بعض الأبواب الموصدة
قلنا في الحلقة الماضية أن إسرائيل لم تتوقف ولن تتوقف عن تحديث خططها ( ومنها الخدمة المدنية / الوطنية ) ، بكل ما يتعلق بنا كأقلية فلسطينية قومية ما زالت تصر على العيش على أرض وطنها ، معتزة بماضيها وحاضرها وواثقة في مستقبلها ، ومحافظة على ثوابتها التي لن تساوم عليها أبدا ، ولن تفرط بها مطلقا مهما بلغت التحديات ، ومهما ارتفع لهيب العنصرية الإسرائيلية رسميا وشعبيا ... نؤكد على هذه الحقيقة لا من باب المزايدة الشعاراتية أو الترف الفكري ، ولكن لأسباب مبدئية صرفة ، وأخرى موضوعية محضة ... أما المبدئية فذلك لأننا جزء من شعب ومن امة ومن قضية ، سيبقى لها تأثيرها على عقلنا الواعي واللاواعي ، وستبقى الموجهة لنضالنا والهادية لمراحل كفاحنا من اجل تحقيق الحقوق والحفاظ على الوجود في ظل ظروف شبة مستحيلة . وأما الموضوعية فلأننا أقلية قومية تعيش في وطنها تحت حكم دولة ذات غالبية يهودية ، تعيش حالة ساخنة على أقل احتمال مع شعبنا الفلسطيني وامتنا العربية والإسلامية ، وتتحدى بعنجهية كل أمل نحو حل سلمي للصراع المستمر لأكثر من مائة عام ، وتقتل كل جهد يبذل في سبيل وضع أطراف النزاع على سكة المصالحة التاريخية ، في الوقت ذاته تمارس سياسة قهر وظلم تاريخي ، وتمييز فاضح ضدنا رغم مواطنتنا الإسرائيلية ، وتتشدد بشكل متصاعد في تعاملها معنا في جميع مجالات الحياة ، على اعتبارنا خطرا استراتيجيا ، مما نعتبره تهديدا حقيقيا غير متوهم لوجودنا ومستقبلنا ...
وقلنا أيضا أن الحركة الإسلامية كانت أعلنت منذ البداية عن رفضها لمشروع ( الخدمة المدنية / الوطنية ) بصيغته التي وضعتها الحكومة ، وكذلك فعلت كل الهيئات والفعاليات العربية ، رغم تأكيدنا وبلا تردد عن دعمنا لمشروع يضمن تطوع الشباب العرب لخدمة مجتمعاتهم ، ولكن بعيون عربية وبسيطرة عربية كاملة ، وبلا أية علاقة مع المشروع الذي وضعته الحكومة ، والذي ستكون له أضراره غير القابلة للإصلاح على المدى القريب والبعيد ... وعليه فلسنا ضد مبدأ التطوع لخدمة المجتمع كما يحاول المروجون لهذا المشروع اتهامنا ظلما وزورا ، لكننا ضد مشروع الخدمة بصورته الإسرائيلية الصهيونية ، خصوصا في ظل حكومة نتنياهو / ليبرمان الحالية التي جعلت من ( الخدمة الوطنية ) شرطا للحصول على المواطنة الكاملة ، الأمر الذي نرفضه جملة وتفصيلا ... إضافة إلى أن الدراسة المعمقة للمشروع وأهدافه في مقابل الواقع الذي تعيشه الجماهير العربية ، يدل بما لا يدع مجالا للشك أن هذا المشروع فوق انه لا يعترف أساسا بالأولويات كما نراها نحن كعرب ، فإنه لا يمكن أن يكون الحل لأزماتنا المتراكمة والمكدسة على مدى واحد وستين عاما من الظلم والتمييز والقهر القومي ...
مساواة حقيقة بين الأكثرية اليهودية والأقلية العربية في إسرائيل أمر مستحيل نظريا وعمليا ، لأن الأسس الفكرية والايدولوجية التي تقوم عليها الدولة تكرس حالة التمييز من خلال تقديم العنصر اليهودي عن غيرة بصفته يهوديا ، وما أقيمت الدولة في الأساس إلا من اجله لا من اجل غيره . فإن قُدِّرَ لغيره أن يعيش فيها وبالذات إذا كان عربيا وفلسطينيا ومسلما ، يكون وجوده إلى حد كبير ( مع وقف التنفيذ ) مهما بلغ في منصبه أو موقعه ، ومهما قدم من خدمات قد تبلغ أحيانا تقديم الروح على مذبح ( عهد الدم ) كما هو الحال بين الدروز وإسرائيل ... أمام هذا الواقع لن يكون ( مشروع الخدمة المدنية / الوطنية ) إلا لعبة خداع كبيرة ، تحاول أن تخفي - دون جدوى - التشوهات الخِلْقِيَّةَ للسياسة الإسرائيلية ، وتسعى – دون فائدة - لتجميل مََسْخٍٍ لا أمل في تحسين ملامحه مهما بذل العطارون في سبيل ذلك ...
إذا كانت الأهداف الأساسية للمشروع كما وردت في ديباجته التي أقرتها الحكومة في قراراتها ذات الصلة ، تشير أولا إلى ( تقوية الصلة والانتماء بين المواطن والدولة – חיזוק הקשר וההזדהות בין האזרח והמדינה – מטרת על ) وهو الهدف الأعلى والموجه لكل تفاصيل المشروع ، وان المشروع يهدف إلى ( إقامة إطار جماهيري مدني لخدمة الصالح العام – הקמת מערך של השתתפות אזרחית למען אינטרס הכלל ) ، فلنا أن نتساءل :
أولا : من هي الدولة ، وما هي ماهية الدولة التي يريدون من الشباب العربي ( ذكورا وإناثا ) أن يقوي صلته بها وانتماءه إليها ؟؟!!
ثانيا : من المُخَوَّلُ بوضع التعريف لمصطلح ( الصالح العام ) الذي يٌرادُ من المشروع أن يُعِدَّ الشباب لخدمته ؟؟!! أهو صالح الأكثرية اليهودية أم ماذا ؟؟!! وهل أخذت إسرائيل منذ إقامتها في العام 1948 صالح الأقلية العربية في الاعتبار حتى تأتي اليوم لتزعم أنها راغبة في تجنيد شبابنا وشاباتنا لخدمته ؟؟!! أم تخطط للقضاء على آخر قلعة من قلاع التماسك / الصمود العربي في البلاد والذي يمثله الشباب العربي أمل المستقبل وصناع الحياة ، فتكون الخدمة المدنية العسل غير المصفى الذين يدسون فيه سمهم الناقع ، ويحققون به سقوط القلعة الشبابية أخلاقيا وقيميا وسلوكيا وربما أكثر من ذلك من جهة ، ويسخرونهم لخدمة ( المصلحة العليا للدولة اليهودية كما يصرون على تعريفها ) من جهة أخرى ...
واضح وضوح الشمس أن الذي يحدد إيقاع المشهد كله ، وبيده تحديد لائحة الأولويات هي الأكثرية اليهودية ، وعليه فلن يكون هنالك مكان لعربي لكونه عربي ولا لأي شيء آخر ، مما يجعل من عملية إقصاء من ليس بيهودي من المشهد أمرا حتميا إلى حَدِّ يصبح (الصالح العام) في الحقيقة والنهاية ( الصالح اليهودي ) فقط ... فكيف لمشروع هذه ماهيته وجوهره – مهما زعم القائمون عليه غير ذلك – أن يكون مقبولا ؟؟!!
قد يدعي البعض أن المشروع ( أحسن من بلاش ) كما نقول في مثلنا العامي ، وهو يعين بشكل أو بآخر في مساعدة الشباب والشابات في حل بعض مشاكلهم المادية ويفتح أمامهم بعض الأبواب الموصدة ، إلى غير ذلك من الأسباب ؟؟!! سؤال في ظاهره مشروع ومنطقي ، إلا أن نظرة متعمقة في النتائج المدمرة المترتبة على هذا المنطق – فوق ما ذكرناه سابقا وما سنذكره لاحقا في الحلقة القادمة - ، يضعنا حتما أمام خيار واحد : الرفض الكامل ،ولا أقل من ذلك ... إن قبولنا بهذا الاشتراط للحصول على المواطنة والحقوق الكاملة كعرب ، معناه على المدى القريب والبعيد تسليم بمنطق ليبرمان الذي يقول : ولاء كامل يساوي مواطنة كاملة ، في الوقت الذي يُحَرِّمُ المنطق والشرائع والقوانين الإنسانية مثل هذه المساومة .. القبول بهذا المنطق اليوم يعني أننا بأيدينا اعترفنا بأن سياسة إسرائيل وتمييزها الصارخ ضدنا أكثر من ستة عقود كان أمرا منطقيا ، وأنه لو أن العرب ( رقصوا!! ) منذ البداية على أنغام ( ناي ) الإسرائيليين لحصلوا عل حقوقهم الكاملة منذ أمد بعيد ، وهذا محض تضليل وخداع ...
وللحديث بقية إن شاء الله ...