أيام قليلة إلى الوراء ، ودّع الشعب المصري ابنهم البار الاستاذ محمد السيد سعيد ، فلكم غمرني شعور عميق بالحزن لدى تلقى نبأ رحيل د. محمد السيد سعيد ابن بور سعيد البار وأحد أنبل وأصلب ابناء السبعينات ، فرغم كل الاغراءات التي تعرض لها في حياته ، فقد ظل ثابتاً على المبدأ مؤمناً بقضايا التقدم والعدالة الاجتماعية وحقوق الانسان ، الاستاذ محمد السيد سعيد كان رحمه الله مثال المثقف الجاد واسع الاطلاع وكانت له إسهامات نظرية مهمة ومتميزة في وقتٍ امتلأت فيه الساحة بالجدب الفكري والسطحية المفرطه وهكذا قدّم هو و د. عبد الوهاب المسيري رحمهما الله نماذج رائعة للمثقف القوي الذي لا تلين له قناة ويتصدر الصفوف للدفاع عن مصالح الجماهير الشعبية التي تعاني من الاضهاد والاستغلال والتهميش .
كان لي الشرف الكبير خلال المرات القليلة والتي سعدت بزيارته في مكتبه حيث كان يراس تحرير صحيفة "البديل"، واستماعي له أيضاً في محاضراته في المجلس الثقافي الاعلى بالقاهرة أن أتعرف عليه قليلاً وبهذه المعرفة القليلة قد تعرفت على رجلٍ جميل الفكر ، خلوق ، ومؤدب ، فلكم كنت أخجل من تواضعه .
لقد استطعت أن أجمع بعض المحطات في حياته من خلال اتصال هاتفي من لندن إلى زوجته ( د. نور الهدى ) في القاهرة التي رافقته قرابة السبعة أشهر في باريس لعلاجه من السرطان الذي حال دونه والحياة .. حيث كان سفره الى باريس على نفقة الحكومة الفرنسية وقبل وفاته باسبوع واحد نصح الاطباء زوجته واصدقائه بأن يعيدوه فلا أمل للعلاج ..
الدكتور محمد السيد سعيد
يذكر أن الدكتور محمد السيد سعيد ولد في بور سعيد في 28 يونيو 1950م وحصل على بكالوريوس علوم سياسية جامعة القاهرة عام 1973م وعلى الدكتوراه من جامعة نوركاولينا عام 1983م في العلاقات الدولية وشغل موقع نائب مدير مركز الدراسات السياسية والاسترتيجية وشغل موقع رئيس تحرير مجلة "أوراق دولية" وله الكثير من المؤلفات منها :استيعاب الهجرة في اسرائيل والشركات المتعددة الجنسيات والشركات عابرة القومية ومستقبل النظام العربي وغيرها من المؤلفات في حقوق الانسان ، وأخيراً كان يشغل منصب رئيس تحرير صحيفة "البديل" عام 2007م حتى اكتوبر 2008م وعمل مستشاراً اكاديمياً لمركز القاهرة لداراسات حقوق الانسان .
لم أر نفساً غنية كل هذا الغنى كنفس الاستاذ محمد السيد سعيد ولم أعرف يسارياً على الحقيقة كما كان هو ولم أصادف أحداً يملك القدرة والرغبة في احترام الاخر كما كان يفعل رحمه الله ولم يسعدني الحظ بلقاء رجل صادق مع نفسه مثله لذلك فمثله يخلف رحيله في القلب غصة لا تترك لنا فرحة للدمع فتستريح .
هو الان محمد السيد سعيد وكفى خلع عن نفسه ألقاب الدكتور والمفكر والسياسي والمحلل الاستراتيجي ورحل خلع عن كاهله دنيانا بكل شرورها ورحل نبيلاً كما كان فارق كل شيئ التصق باسمه وبقيت صفته الأساس وبقيت سيرته تؤكد أنه كان هنا إنسان بالمعنى الكبير للكلمة رحل وبقي منه الانسان الذي تركه متربعاً في قلوب محبيه وعارفي فضله ترك وراءه عذابات الدنيا ونفض عن نفسه أوجاع المرض رحمه الله كنت قد أحببته وأحبه الان في مماته أكثر ...