* لابد ان نبتهج كلما لمحنا معلماً تاريخياً يحاول الصمود ومنح الزمن درساً في مقاومة انياب الهدم
* المسجد يحاول رسم صوره للمواجهه يشعر انه امام طوفان من البنايات الرافضة لوجوده ، وهو عبارة عن شوكة في حلق المنتزه والفنادق ووجوه السائحين والسائحات
* مسجد حسن بيك من المعالم التاريخية ، الفلسطينية التي تقف في مواجهة هجمة ديناصورية ، عمرانية ، تحيط به وتحاول تقليص حجمه امام الهندسة البنائية الجديدة القائمة على تعدد الطوابق
حين تكون مدينة يافا – وباقي المدن والقرى الفلسطينية - في حالة انتهاك دائم وهروب الى التزوير والتزيف التاريخي ، لابد ان نبتهج كلما لمحنا معلماً تاريخياً يحاول الصمود ومنح الزمن درساً في مقاومة انياب الهدم التي تعد وسيلة من وسائل الذوبان وتهميش الشعوب ورميها في بحر التبعثر واللجوء
مدينة يافا التي كانت متألقة ، ممتلئة بالتوهج السكاني والثقافي والتجاري والسياسي ، اصبحت مدينة البحر اليتيمة التي دخلت جوف الحوت الأسرائيلي ولم تستطع الخروج من بين اضلاعه حيث بقيت حبيسة ، متآكلة، تبكي كعروس البحر التعيسة التي تنتظر الصياد ليخلصها من لعنة الأنتظار
(مسجد حسن بيك ) من المعالم التاريخية ، الفلسطينية التي تقف في مواجهة هجمة ديناصورية ، عمرانية ، تحيط به وتحاول تقليص حجمه امام الهندسة البنائية الجديدة القائمة على تعدد الطوابق ، بالأضافة الى تركيع هذه البنايات امام عملاق السياحة الذي يسعى الى بناء المزيد ويحاول السطو على ارض المسجد، وهنا يصبح (مسجد حسن بك ) الأرض التي تكون العيون التجارية عليها وايضاً تخلصاً من الأثر الفلسطيني الذي يخيف الفكرالصهيوني
( مسجد حسن بيك) القائم في حي المنشيه شمال مدينة تل ابيب ، بناه الحكمدار حسن بصري الجابي في مدينة يافا اواخر العهد التركي وهو من اصل سوري وقد حكم يافا اربعة اعوام ثم نقل الى العراق واصبح حاكماً عسكرياً لمدينة بغداد ، وقد بني المسجد على الطراز التركي ، الجدير بالذكر ان حي المنشية كان من ارقى الأحياء وكانت تسكنه عائلات ثرية مثل عائلة (بيدس) وعائلة (بامية) وكان في الحي مصنعا للصابون وقد تحول بعد ذلك الى متحف لحركة(الأيتسل )
في عام 1948 نزح اهالي يافا وبقي المسجد مهجوراً الى ان قامت الهيئة الأسلامية المنتخبة في يافا بترميمه وفتحه للصلاة عام 1988 ، وقد تعرض للكثير من الأعتداءات اشهرها عندما القي برأس خنزير داخل المسجد ومحاولة احراقه من قبل متطرف يهودي وزوجته
وايضاً لا ننسى موقف المؤرخ تسفي البيلغ الذي دافع عن المسجد وقد كان مهدداً بالمصادرة ، ففي احدى المرات عندما زار (شلومو لاهط) رئيس بلدية تل ابيب المسجد مع وفد من المسلمين قام (عوفر ) ابن (البيلغ) بسرقة حذاء (لاهط) وقد انزعج الوفد وارسلوا احدهم للسوق لشراء حذاء ، ثم تبين بعد ان وصلت برقية الى (لاهط) من (البيلغ) انه قد سرقها وقد كتب له (انا سرقت الحذاء وتخيل كم كان الأمر محرجاً ومزرياً جراء ضياع حذاء ، ولك ان تتخيل الوضع الذي اصاب عرب يافاعندما فقدوا مدينتهم والآن تستعد بلديتك لسرقة مسجدهم
من يتأمل المسجد ويحاول رسم صوره للمواجهه يشعر انه امام طوفان من البنايات الرافضة لوجوده ، وهو عبارة عن شوكة في حلق المنتزه والفنادق ووجوه السائحين والسائحات ، ولا يوجد صداقة بين البنايات المحيطة وبين المسجد ، الصديق الوحيد هو البحر الذي يشهد ويعرف ، وموجاته تحفظ ملامح السكان الذين هاجروا وتركوا كل شيء ورائهم
السور المحيط بالمسجد لايحميه ، حتى قضبان الحديد المزروعة فوق السور ، المتينة ، المتشابكة بحزم وخوف لاتحميه ، لكن تشعر عندما تدخله ان هناك عزيمة واصرار وتحدي ممزوج بالسهر يحميه ويرفض هدمه او بيعه او التفريط به
عناق شاطىء البحر للمئذنة يفتح نافذة واسعة امام الذين يشوهون الخرائط ويدسون الأسماء والعناوين ويغطون السماء بتاريخ جديد، من يزور يافا قد يتنهد بأسى يأسف على مسيرة التاريخ المخجلة ولكن عندما يرى ( مسجد حسن بيك ) يشعر ان عطر البرتقال اليافاوي مازال ينتشر وان ميناء يافا مازال يغسل الشواطىء بأصوات الباعة والمسافرين والحمالين والقادمين
الكثير من اهالي يافا في الشتات ما زالوا يتمسكون بتاريخ ومفاتيح بيوتهم كباقي الفلسطينين ، شهادات الميلاد ضاعت والقبور في الغربة اصبحت تبكي التراب الغريب والموت في الغربة منفى اخير بدون حلم ، واجيال تبتعد وتبني اوطاناً جديدة تحت سماء الذل والرحيل الدائم
في ساحة (مسجد حسن بيك ) وقفت ، ليست وقفة البكاء على الأطلال ، بل وقفة الشموخ والعز ، هذا الهدير المنبعث من امواج البحر هو تضامن مع حجارة هذا المسجد ، تضامن لاتمحوه جرافات ولا معاول ولا محاكم ولا ابتزاز
تشعر انه ليس مكاناً للعبادة فقط بل هو خندق من خنادق المقاومة