* اسلام دبور: "غزة لا هدوء، لا نوم، لا أمان، هكذا حالنا من بعد العدوان الاخير على القطاع"
* سلوى السباخي:"طوال أيام العدوان كنت شبه ميتة، ليس أنا فحسب، بل كل مواطن في قطاع غزة، كنا نتوقع القصف في كل لحظة، فنهارنا وليلنا لا فرق بينهما"
* وائل السموني : لقد بقيت اربعة ايام انزف انا واولاد عمي وسط الجثث المترامية بالمكان ولم اتناول سوى بعض حبات الطماطم الملطخة بالدماء
* مسعوده السموني : طفلي استشهد وهو بين ذراعي ورغم ذلك لم اتركه واخذت احتضنه واصرخ والتفت يمينا وشمالا فوجدت ابني موسى الذي يبلغ من العمر سنتين قد اصيب بشظية في ظهره وانا اصبت بكتفي علينا ففي هذه اللحظة فقدت عقلي
سنة خلت وكأنها لحظات مرت كلمح البصر, ولكن بالنسبة لأهل غزة فهي أعوام طوال من المعاناة والآلام والتشرد والدمار, شهور من الجوع والعطش والظلمة عاش فيها اهل غزة كل ثانية دمار، ظلم وجور وعدوان, هذا العدوان الذي خلفته أيدي الاحتلال بكل ما أوتيت من قسوة وعتاد وعدة.
عدوان، كان موجها للأطفال قبل الكبار, للنساء والرجال على حد سواء, للشيوخ والمرضى والضعفاء, حتى البيوت والأراضي والمدارس والمقدسات لم تسلم من ظلم الظالمين واعتداء المعتدين.
قبل سنة تماماً بشهورها وأيامها ساعاتها ودقائقها، خيمت السحب السوداء بشكلها المرعب، وأصوات الطائرات المخيفة، وأمطار القذائف والصواريخ المدمرة التي لم تتردد في ان تلون ارض غزة باللون الأحمر, دماء الأطفال والنساء لاسيما المسنين والضعفاء. أجواء من الرعب، طرقات مدمرة ومحفرة، أشجار مقلوعة ومطلية بالدماء، منازل تحولت لركام، والأبشع من ذلك أجساد وأشلاء الأطفال والنساء ملقاة على جوانب الطريق, وصرخات المصابين تحت أنقاض منازلهم, ولا احد يستجيب لندائهم ولا ينقد أرواحهم.
لقد قرر هؤلاء أن يسطروا في صفحات التاريخ الأسود أسمائهم تحت سجل القاتلين بالدم البارد, وفعلا قد استحقوا اللقب بجدارة، الأطفال ولعبهم وكتبهم ودفاترهم باتوا مداسا للجنود يدوسون عليها بدون أن يلاحظوا حتى أنهم يدوسون على أحلام وأمال جيل كامل سوف يكبر يوما ويأخذ بثار آباءه وأجداده ووطنه.
خراب، دمار، فقر وتشرد... هنا كانت مدرسة ارتادها الأطفال, واليوم لم يبق منها سوى بعض الطباشير والأحلام البائسة والطفولة المشردة، وهناك كان مسجدا سحقته الطائرات المحاربة بدون أي مراعاة لقدسية الأديان ولا لحرمة الإنسان.
مشاهد تقشعر لها الأبدان، ركام البيوت والمنازل وجثث الشهداء ما زالت شاهدة على الفعل الوحشي الذي نفذته إسرائيل بحق سكان القطاع، وبحق كل إنسان ينبض في عروقه دم عربي.
عام مضى على "الرصاص المصبوب", هذه العملية العسكرية غير المبررة , التي شنتها السلطات الإسرائيلية على المواطنين الأبرياء، والتي لم تخلف من هجومها البري ولا حتى الجوي، أية نتائج سياسية، ولا عسكرية، ليس إلا "حطام، ودمار وخراب مصبوب".
وعبر الهاتف, آخر ما تبقى لهم من التكنولوجيا الحديثة، لمشاركة العالم الخارجي همومهم، سرد لنا البعض من أهل غزة الذين ربطتنا بهم علاقة صداقة متينة حكايتهم مع الاحتلال قبل وبعد الدمار, حكاية من بين آلاف الحكايات من سحق المشاعر وإعدام الإنسانية. سردوا لنا البعض من المآسي التي باتت جزء من حياتهم العادية، والتي هي سراج الأمل الذي يضيء لهم الطريق عسى أن ينصرهم الله ويستردوا وطنهم ويثاروا لأرواح أعزائهم , وقبل ذلك كله أن يستردوا الحياة التي سلبت منهم بدون أي حق.
سلوى السباخي فتاة في ربيعها العشرين، طالبة في كلية الفنون الجميلة في جامعة الاقصى في غزة قالت: "يالها من ذكريات أليمة بحق، لن انسي تلك اللحظات طوال حياتي، فلهذه الحرب اثر كبير في نفسي، ففي يومها الأول، كنت كعادتي في احدى المحاضرات في الجامعة، حيث وقع القصف الأول، فخفت كثيراً، وقد أغمي عليّ، وقد حملتني صديقاتي، وقمن بإيصالي الى منزل العائلة، الى ان بدأت أستعيد وعيي، فجلست أمام التلفاز، أشاهد الأحداث التي وقعت، والدمار الذي خلفه القصف المدمر، لأفزع من مشاهد الأشلاء المتناثرة، والدماء المتراشقة، وجثث الشهداء الممزقة في كل مكان، جميعها دبت الرعب في نفسي، وقد حولت حياتي الى جحيم، فحالتي النفسية باتت صعبة للغاية، الدموع لم تفارق عيناي".
وتابعت ألسباخي في سرد التفاصيل الأليمة:"طوال أيام العدوان كنت شبه ميتة، ليس أنا فحسب، بل كل مواطن في قطاع غزة، كنا نتوقع القصف في كل لحظة، فنهارنا وليلنا لا فرق بينهما، كنا نجلس في غرفة وحدة، مترابطين، متماسكين، ندعو الله ونستغفره، لم يكن لنا رفيق سوى الشاشة الصغيرة التي نشاهد من خلالها ما يحدث إلى جانب البيت الذي أغلقت مداخله ومخارجه!!!"
اما وائل فارس السموني (32 عاماً) فقال في شهادته الدامية:" ذكريات تقطر دماً، ستبقى راسخة في ذاكرتنا مهما حيينا، نعم، اذكر تماماً ذلك اليوم عندما جمع جيش الاحتلال، جميع افراد عائلة "السموني" في المنطقة، وأسكنتهم في بيتي، الذي قطنت فيه انا وعائلتي المكونة من 12 فرداً، ليصبح بيتاً عامراً، مأهولاً بالسكان، وقد بلغ عددهم 105 افراد، بالرغم من كونه طابق أرض، مساحته 180 متراً... انه يوم السبت 2008/12/27، عندما بدأت حدة إطلاق النار، وسقوط القذائف بالإزدياد، لم يكن بمقدور أحد ان يخرج من عتبة البيت الى الخارج، فقد بدت السماء متلبدة بدخان اسود كثيف، وغزة تبكي دماً، بعد استشهاد العشرات في اليوم الاول من هذا العداون الغاشم، لقد خرجت من البيت، ففوجئت بعشرات الجنود الذين يتمركزون امام بيتي، ولم أتمكن من التأكد مما اذا كانوا جنوداً اسرائيليين، ام من افراد المقاومة الباسلة، فلم اجد نفسي الا وانا اصرخ في وجههم، هذه منطقة مدنية، مليئة بالسكان، طالباً منهم عدم ممارسة نشاطاتهم العسكرية في هذا المكان، عندها عرفت انهم جند اسرائيلين، فطلبوا مني ان اذهب اليهم، فلم استجيب، وقمت سريعاً بإغلاق الباب، وأقفلته بإحكام.
وتابع السموني في سرد التفاصيل:"في اليوم الثاني للعدوان، وفي حوالي الساعة السابعة صباحاً، استيقظنا على صوت قذيفة مباشرة اصابت منزلي، فحطمت جزء منه، ليسقط حطامه على من تواجد فيه، الامر الذي ادى الى استشهاد خمسة افراد على الفور، فدب الرعب في نفوس المتواجدين، حيث غطى الدخان الكثيف الغرفة، وتناثرت الاشلاء من اجساد المتواجدين، وبعد ثوان قليلة انهالت قذيفة اخرى، وتلاها عدد آخر، الامر الذي فرقنا بين طرفي المنزل، فأخذت انا ومن كان معي في الركض الى خارج المنزل، رافعين الرايات البيضاء، نستجدي بالجنود الاسرائيلين، ونستحلفهم متحدثين باللغة العبرية، لعدم اطلاق النار علينا، الى ان وصلنا لباحة احد المصانع القريبة، ونقلنا من هناك الى مستشفى دار الشفاء، وعلمت حينها ان ابني، وإبنتي، ووالدتي، وزوج خالتي، وزوجة ابن عمي، مع اربعة من اطفالها، وزوجة اخي وابنتها، فيما ظننت ان زوجتي واطفالي قد استشهدوا ايضاً الا انني علمت، انهم تمكنوا من الهرب ايضاً من المنزل، فتوجهت بهم الى بيت والد زوجتي، لأعلم ان طفليّ رزقة وفارس قد استشهدا، كما ظننا في البداية ان ابني عبدالله كذلك الامر، الا ان بعد مرور اربعة ايام عثرت سيارة الاسعاف التابعة للهلال الاحمر الفلسطيني عليه حياً حمداً لله، الا انه مصاب بجراح متوسطة، ومنزلي الذي بنيته حجراً تلو الحجر، من رزقي الذي كسبته من عملي البسيط في بيع الخضارـ انا وابني فارس، هدم بالكامل!!!.
وانهى وائل حديثه، الحمدلله على ما اصابنا، من استشهاد امي وابنائي واقربائي، واحتسبهم عند الله شهداء بإذنه تعالى".
اما عبدالله وائل السموني (8 سنوات) الذي بقي متواجداً في المنزل فتحدث لنا قائلا: لقد بقيت اربعة ايام انزف انا واولاد عمي وسط الجثث المترامية بالمكان ولم اتناول سوى بعض حبات الطماطم الملطخة بالدماء و كان الجو باردا جدا و المنزل مدمراً من حولنا و الدجاج يتحرك بين المصابين والجثث وينقرها.
وتحدث محمد نافذ السموني (15 سنة)وهو ابن عم عبدالله فقال:كنا نتواجد انا وعبد الله وابي الذي عجز عن الحراك، وكذلك ابناء عمي الاخرين حيث كنت اكبرهم سنا وجميعنا مصابون وننزف حيث قمت بربط الجروح بقطع القماش ولففتها لجميع من بقى حيا وجلبت لهم بعض المياه للشرب التى كانت مخصصه للمواشى والدواجن وكنت قد اصبت بشظايا في صدري مباشرة كما اننا كنا ننام على جثث الشهداء وبينهم التي كانت منتشرة في المنزل على مدار اربعة ايام واخذت بعد ذلك بسحب الجثث من زاوية لأخرى، حتى يتسنى لنا النوم على الارض بدلا من النوم على الجثث.
اما مسعودة السموني (20سنة) زوجة الشهيد محمد فقالت: بعد ان جمعنا الجيش الاسرائيلي ووضعنا في منزل وائل كان ابني الرضيع جائعاً وهو عمره 10 شهور وانا حامل في الشهر السادس ابحث له عن أي شيء يسد جوعه واثناء تجولي في المنزل سقطت اول قذيفة فاستشهد زوجي وابن خالتي وبعض افراد العائلة، وبعد ثواني قليلة سقطت قذيفة ثانية فرأيت ابني المعتصم بالله الذي كان في حضني وقد اصابته شظايا في جسمه ورأسه قد انحنى الى الخلف، وينزف فعلمت حينها انه استشهد وهو بين ذراعي ورغم ذلك لم اتركه واخذت احتضنه واصرخ والتفت يمينا وشمالا فوجدت ابني موسى الذي يبلغ من العمر سنتين قد اصيب بشظية في ظهره وانا اصبت بكتفي علينا ففي هذه اللحظة فقدت عقلي، ولم ادري ماذا افعل من هول ما يجري حولي، جثث هنا وهناك وقد تطايرت الاشلاء فاخذت اركض بجنون خارج المنزل انا ومن تبقى معي من العائلة احياء فوقعت ارضاً وفقدت وعيي الى ان وصلت الى المستشفى وعلمت هناك ان افراد عائلتي قد حملوني في بطانية ووضعوني في سيارة مدنية اوصلتني لتلقي العلاج.
نور المزيني 24 عاما من سكان مدينة غزة تعمل معلمة في احدى المدارس الابتدائية تقول : كنت في دوامي المدرسي وكنا نستعد لاول يوم في الامتحانات الشتوية واذكر اننا فجأة سمعنا قصف فبدأ الاطفال بالصراخ والبكاء وسادتنا حالة هيستيرية فقد كنا نركض ونتخبط ببعض ولا اعرف كيف استطعت الوصول لبيتي ايام مره مرت علينا والرعب ملئ قلوبنا حتى بيتي تحطم من شظايا قصف صاروخ للحي الذي اسكن فيه ما ادى الى اصابة اخي باختناق وهربنا مع الصليب الاحمر لمدة 3 ايام بعز البرد " الله لا يعيد هديك الايام" , لن تغيب عن ذهني مرارة الايام والمعاناة لم تنته فالمدرسة خسرت عشرات الطلاب والذين تبقوا عاد كل منهم بمأساة .....
اما غزة العزة بالنسبة للمواطن اسلام دبور الذي يبلغ من العمر 20 عاماً، ويدرس ادارة الاعمال... "غزة لا هدوء، لا نوم، لا أمان، هكذا حالنا من بعد العدوان الاخير على القطاع".
وعن ايام الحرب فقال:"كنت اقضي جل وقتي في المستشفيات، اساعد الاطباء، وكل محتاج للمساعدة، لقد ذقت العذاب الاليم حينما كنت ارى الاشلاء الممزقة، والاطفال الممددين بلا روح، ولا نفس، جفت دموعنا من البكاء، لكن صبرنا وصبرنا وصبرنا وسنبقى صامدين حتى يومنا الاخير".
وتابع: ما حدث شل تفكيرنا المستقبلي, وجعلنا نعاني من الخوف من المجهول، أي ما يعنيه ان اسرائيل تمارس علينا حرب اعصاب اكتر من كونها حرباً حقيقة، حتى الاطفال من منهم كان يحب متابعة افلام الكرتون وافلام الرعب، الآن باتوا بشاهدون ذلك ببث حي ومباشر، لدرجة انهم اصبحوا يعلمون بأنواع الطائرات واسمائها، ويتعرفون الى الصواريخ من صوت انفجارها !!!".
اما مرعي بشير وهو ممثل مسرحي، ومدرب اجتماعي من غزة فقال واصفاً قطاع غزة بخزان غزة المحاصر:"الحرب الصهيونية على غزة، لم تخلف سوى الدمار، والمنازل المحطمة، والمؤسسات والوزارات المهجورة، والبنية التحتية التي لم تبق كذلك، بدون ان ننسى مئات الشهداء الابرار، وآلاف المصابين، كل هذا حدث بالتزامن مع الحصار المفروض علينا، ومنع دخول البضائع، ومواد البناء للعمل على ترميم واعادة بناء المنازل المهدومة، غير ان الكثيرين مازالوا يتخذون من الخيام مسكناً لهم، خاصة $في حلول الشتاء مرة ثانية خلال معاناتهم، دون ان تحل قضيتهم.
وتابع بشير:"لقد عطلت العديد من الشوارع الرئيسية، وحتى الفرعية، التي تتسبب يومياً منذ سنة بإختناقات مرورية شديدة، كذلك الامر في شبكات المياة والكهرباء التي خلقت عجزاً واضحاً ونغصت الحياة الكريمة على المواطن الفلسطيني".
وتطرق مرعي بشير في حديثه الى الطبقة العاملة، وأماكن التشغيل والمصانع، وشدد على ان الشأن شبه متوقف، قائلاً: كثير من المصانع أغلقت ابوابها، نظراً لعدم توفر المواد الخام، وعدم وجود اماكنية التصدير، مع العلم ان السوق الشرائية في غزة متوقفة، اما على صعيد الايدي العاملة، فهنالك نسبة بطالة كبيرة جداً، الامر الذي يجعل الايام تمر بدون مقومات الحياة الاساسية، فالياس والاحباط يخيم على قطاع غزة، بسبب تدهور الاوضاع الامنية والاقتصادية والصحية والتعليمية، ولعدم وضوح الرؤية المستقبلية لهذه الشريحة من سكان هذا العالم، خاصة مع وجود هذه الخلافات السياسية بين حركة فتح وحركة المقاومة الاسلامية حماس، ما يبدعنا ويمنعنا من التواصل مع اهلنا في الضفة، ويجعل الامل بإقامة دولة فلسطينية ضعيف للغاية، ولا ادري ان فقد الغزي أمله في التغيير، وان كانت مجرد أمنيات.