* يموت الشهداء ، في حالة واحدة فقط ، اذا نسينا!
النسيان هو الاسم الآخر للهزيمة . لذلك ، كان الشهيد الأديب غسان كنفاني ، يدخل الى الصف الرابع الابتدائي في مدرسة " الوكالة " ، فيرى أمامه وجوه الأطفال الفقراء وكل " المعذبين في الأرض " فيكتب على الصبورة السوداء عبارته اليومية الشهيرة : كي لا ننسى. ويحكي " قصة " أو " شئ " من فلسطين . تلك البلاد التي هجرت العصابات الصهيونية أهلها وصارت بعيدة ومحتلة وسليبة ، وصار الوصول الى حدودها وبرتقالها يتطلب حرب لا تهدأ وفكر جديد ورصاص لا يضل طريقه وإرادة فولاذية تقاوم النسيان وكل شروط الهزيمة.
لقد أحب الأطفال معلمهم الجديد ، لأنه كان الشاب الوسيم ، و"الأستاز " الذي يبتسم دائماً ولا يعنفهم كما يفعل زملاؤه . يصافهحم كالكبار. وإذا صادف أحدهم في الشارع أو في أحد أزقة المخيم يقف معه ويسأل عن أحواله. خارج حدود الدرس والوظيفة المدرسية . إن هؤلاء الصغار ولدوا في دائرة البؤس والصراع ، بعيداً عن قرى الآباء والأجداد ، وكنفاني الأديب والعبقري أدرك جيداً بأن فلسطين ( الأرض والوطن والقضية) سوف لن تضيع أبداً إذا حفظ هؤلاء الصبية معنى الدرس الأول في وجودهم ومستقبلهم : لن ننسى ولن نغفر!
بعد أيام قليلة صار الصغار ينتظرون معلمهم بفارغ الصبر ، كي يدخل غرفة الدرس ويكتب عبارته بخطه الجميل ، تلك العيارة التي صارت علامة فارقة في يومهم : " كي لا ننسى " ، ويحكي لهم " قصة " أو " شئ " عن فلسطين. وذات مرة قصد " الاستاز " ان يمتحن ذاكرة هؤلاء الصغار ، دخل إلى الصف ولم يكتب عبارته اليومية بل طلب منهم أن يستعدوا للخروج في نزهة . لكن هيهات ، لقد انفجرت " كي لا ننسى " في رؤوسهم الصغيرة وصارت أقوى من كل سلطة ونزهة . فقام أحدهم وكتب على الصبورة " كي لا ننسى " ثم طلبوا منه ان يحكي لهم عن فلسطين بدل النزهة!