* مؤتمر "اللاهوت والكنيسة المحلية" لمركز "اللقاء" في الجليل يبحث قضايا الشباب العربي المسيحي وكيفية مواجهة تحدياتها بمشاركة واسعة من العلمانيين ورجال الدين
* في مركز أبحاث المؤتمر كانت النتائج المقلقة لاستمارة الاستفتاء التي شارك فيها أكثر من شاب وشابة مسيحيين من الجليل من اعداد "اللقاء"
أنهى مؤتمر اللاهوت والكنيسة المحلية، بعنوان "الشباب العربي المسيحي في الجليل، إلى أين؟"، أعماله أمس السبت في مدينة حيفا، والذي نظمه وأشرف عليه مركز اللقاء للدراسات الدينية والتراثية في الأرض المقدسة – فرع الجليل، بالمصادقة على عدد مم التوصيات، التي قرأها الأستاذ يوسف مطر، ومنها: إشراك الشباب في بحث مشاكلهم وقضاياهم، أرشفة التراث العربي المسيحي، عقد حلقات دراسية متخصصة لدراسة نتائج الاستمارة التي كشف عن نتائجها خلال المؤتمر، متابعة أعمال المؤتمر من خلال عقد مؤتمر خاص بمشاركة المسيحيين والمسلمين والدروز، وغيرها من التوصيات.
وفي الختام شكر الدكتور جريس سعد خوري، مدير عام مركز "اللقاء" كل من شارك وساهم في انجاح المؤتمر سواء بالحضور أو بتقديم المحاضرات والمداخلات. ويذكر أن المؤتمر أقيم في دير مار الياس على جبل الكرمل (ستيلا مارس)، على مدار ثلاثة أيام من الخميس- السبت من 4-6 شباط الجاري، وحضره عدد من الباحثين والأكاديميين والمهتمين من أبناء منطقة الجليل وحيفا، اضافة الى رجال الدين وخاصة غبطة البطريرك ميشيل صباح، الذي رافق أعمال المؤتمر على مدار أيامه الثلاث وسيادة المطران الياس شقور، أسقف الروم الكاثوليك في الجليل وسيادة المطران بولس ماركوتسو، النائب البطريركي اللاتيني العام وسيادة المطران بطرس معلم والأرشمندريت الياس عودة وعدد من الكهنة والراهبات.
استطلاع رأي الشباب المسيحي في الجليل يعكس تخبط وقلق الشباب وتناقضاتهم العديدة
وقفت في مركز أعمال المؤتمر نتائج الاستمارة واشتملت على 96 سؤالا وقام بتعبئتها ما يربو على 400 شاب وشابة مسيحيين من مدن وقرى الجليل، تناولت مواضيع سياسية واجتماعية وتربوية ودينية، قام بقراءة نتائجها وتحليلها كل من الباحثين الدكتور جريس خوري والدكتور برنارد سابيللا، ومن أهم نتائج الاستمارة التي أثارت اهتمام الحضور أن أكثر من 70% قالوا بأنهم يشعرون بالضياع ولا يوجد من يوجههم في الحياة، و96.1% يعانون من الشعور بضياع الهوية، و75.2% قالوا أنهم لا يشعرون بأي انتماء لأي جهة دينية أو كنسية. وقال 59% بأن المدارس الأهلية لا تعلم عن الحضارة العربية المسيحية، وقال 68% أنهم لم يتعلموا عن العرب المسيحيين في مدارسهم. وأعرب 92% رمن الطلاب الثانويين أنهم يرغبون بمواصلة تعليمهم الجامعي لكن لا يوجد من يساعدهم.
وعلى صعيد العلاقات مع الدولة والطوائف الأخرى أجاب 65,5% بأن مستقبلهم غير مضمون بسبب طبيعة الدولة العنصرية، ورأى 46,7% أن الدولة عائق أمام اندماجهم فيها. ورأى 78,4% أن العلاقة اليومية مع اليهود ضعيفة جدا، ورأى 86% أن العلاقات مع المسلمين والدروز قد ساءت فغي السنوات الخمس الأخيرة، ورأى 70,7% أنهم ليسوا شركاء مع الدروز في السراء والضراء بينما رأى 40,8% ذلك بالنسبة للمسلمين، ويعتقد 61% أن التعصب ناجم عن جهل كل طرف بالطرف الآخر.
وعلى صعيد العملية السلمية أعرب 89% من الشباب المسيحي عن تأييده لها، وأعرب 92,4% عن اعتقاده بأن المنطقة مهددة باضطرابات وحروب بدون حل سياسي، ورأى 56,4% بأن القدس يجب أن تكون عاصمة دولية.
أما بالنسبة للهجرة فان 71,6% قالوا بأنهم لا يفكرون بالهجرة من البلاد، مقابل 28,4%، وأعرب 70% عن رأيهم بأن الصحافة الاسرائيلية تعمل على تأجيج المشاعر والخلاف بين الأطراف المختلفة.
وعن تعريف مركبات الهوية للشاب المسيحي فقد قال 45,5% بأنهم يضعون المركب المسيحي أولا، 29,9% قالوا بأنهم يضعون المركب العربي أولا، و9,7% يضعون المركب الفلسطيني أولا، وفقط 6,5% يضعون المركب الاسرائيلي أولا.
محاضرات ومداخلات عميقة حول دور ومساهمة المسيحيين العرب في الحياة العامة
واشتمل المؤتمر على عدد من المحاضرات والمداخلات التي تميزت بالعمق والجدية، قدمها عدد من الباحثين والأكاديميين وعكست مساهم العرب المسيحيين في مجالات الحياة العامة، ودور المؤسسات المسيحية في المجتمع.
وكانت المحاضرة الأولى لسيادة بولس ماركوتسو عن الأدب العربي المسيحي القديم، ومساهمة الأدباء العرب القدامى في الحضارة العربية، ومما قاله بأن هناك أعلام في الثقافة والحضارة العربية أصولهم ليست عربية، لكنهم عرب بالانتماء واللغة والثقافة. وقدم الدكتور جوني منصور محاضرة عن دور العرب المسيحيين في السياسة والاقتصاد في العهود التركية والانجليزية والاسرائيلية، أكد فيها أن القسم الأكبر من المسيحيين في الجليل متمسكون بعروبتهم وقوميتهم وتصدوا للغزو السياسي والعسكري والثقافي ولهم دور بارز في ذلك قام بتفصيله في المحاضرة. وقدمت الآنسة ابتسام المعلم مداخلة عن دور العرب المسيحيين في المجال التربوي منذ بداية الاستيطان الصهيوني حتى اليوم، الأديب حنا أبو حنا عن دورهم في الأدب والثقافة تعرض فيها للنشاط الأدبي وخاصة لدى الرواد وتوقف عند نجيب نصار وخليل بيدس ونجوى قعوار فرح وغيرهم. والأستاذ زياد شليوط تحدث عن مساهمتهم في الصحافة فأكد على أن الصحافيين العرب المسيحيين لعبوا دورا رياديا في محاربة الاستيطان الصهيوني ونشر الوعي الوطني والقومي ونبذ الطائفية على اختلاف العصور، لكن دورهم تراجع في العقود الثلاثة الأخيرة لأسباب مختلفة استعرضها في مداخلته. وقدمت الآنسة الهام مرشي مداخلة حول دور الكنيسة المحلية والرهبنات في تقديم الخدمات الاجتماعية والصحية، وعددت تلك المؤسسات وما تقدمه من خدمات.
وعلى صعيد العلاقات المشتركة تحدث الأب د. فوزي خوري عن تواصل العرب المسيحيين مع الغرب، استعرض من خلالها تجارب التواصل ونوه الى أن تعيين أول بطريرك عربي لاتيني فتح آفاقا أمام هذا التواصل وكذلك زيارات البابوات للأراضي المقدسة. وقدم الباحث د. شكري عراف محاضرة عن العلاقة مع أبناء الديانات السماوية عشية وبعد قيام اسرائيل، فاستعرض ما تعرض له أبناء الشعب الفلسطيني من تشريد وتهجير في عام النكبة، ودور القرى الدرزية في ايواء المهجرين. وكشف الباحث ناصر شقور عن محاولة تهجير مسيحيي الجليل في بداية عهد اسرائيل، من خلال سرد عملية "يونان" التي هدفت الى تهجير أهالي قرية الجش الى الأرجنتين وشراء أراضيهم، تلك العملية التي باءت الى الفشل نتيجة تراجع الأهالي عن بيع أراضيهم، وذلك اعتمادا على مذكرات فايتس، رئيس الكيرن كييمت لفترة طويلة.
الندوة الختامية والافتتاح
وكانت ختام أعمال المؤتمر ندوة عامة بحثت تحديات الشباب وامكانيات العمل أمامها، شارك فيها سيادة المطران الياس شقور، الذي تحدث عن تجربة عمله مع الشباب وتجربة مخيمات الكتاب، ثم اقامة مدرسة مار الياس الثانوية التي تحولت الى كلية ثم جامعة. وتلاه الدكتور حاتم خوري الذي تناول دائرة الحياة المتمثلة في تربية الأبناء وتحديات مراحلها، متوصلا الى ضرورة اقامة المؤسسات لضمان مستقبل أبنائنا. بعدها تحدث القس فؤاد داغر الذي قدم مثالا من الانجيل عن قلة الايمان ، منتقدا تخلف الكنيسة في أحيان كثيرة عن ركب التطور التكنولوجي لمخاطبة جمهور الشباب خاصة. وتلاه القاضي المتقاعد رائق جرجورة فاستعرض الصراع مع السلطة الاسرائيلية على هويتنا وحقوقنا مما يضع تحديات أمامنا جميعا وليس أمام الشباب فقط، وطالب الى الانتباه الى هجرة المثقفين العرب. وكانت المداخلة الأخيرة للمحامي عصام أبو نصار الذي قال بأن بحث مشاكل الشباب يعود على نفسه، موجها الانتقاد لمختلف الأطراف من كنيسة الى مدرسة الى مؤسسات، مطالبا بوضع مخطط استراتيجي متكامل لقضايا الشباب.
وكان المؤتمر قد افتتح أعماله يوم الخميس الماضي بكلمات هامة ابتدأها غبطة البطريرك ميشيل صباح، رئيس مجلس أمناء مركز اللقاء مرحبا وقائلا: كثيرون يراهنون على زوالنا، وهذا نابع من ازدياد الهجرة، وهذا القول له ما يبرره ويعود الى غياب مناهج تربية سليمة فتنشأ أجيال على التعصب الطائفي. وكذلك لأحداث عنف هنا وفي لبنان أو العراق أو مصر، وكذلك نظرا للصراع الفلسطيني- الاسرائيلي المستمر. وختم غبطته أن الأسئلة المطروحة في المؤتمر ستدرس مستقبلنا الذي يجب أن نبنيه بأنفسنا.
وتلاه سيادة المطران الياس شقور الذي قال: نحن في أزمة لم تحل بعد منذ 60 عاما. وأضاف لم نجد حتى الآن وسيلة لتخفيف حدة الهجرة أو ايقافها وهذا يتطلب أعجوبة من السماء، وأعجوبة منا بأن نستجيب للسماء. وأضاف سيادته بأن التفتيش عن الهوية والانتماء ما زال حيز التفتيش والسؤال، سواء على الصعيد السياسي أو الاجتماعي أو التربوي. وتلاه الأب عطالله مخولي.
وأعلن الدكتور جريس خوري، مدير مركز اللقاء بأن المؤتمر لا يهدف للانغلاق، بل ان من أهدافه الوحدة الوطنية والعيش المشترك بموجب رسالة مركز اللقاء، وأضاف أن نتائج الاستفتاء الذي أجراه المركز عشية المؤتمر جاءت مذهلة ومقلقة، وتتطلب الحلول الضرورية.
وشارك في إدارة الجلسات كل من: السيد جورج دبيني، الآنسة رولا حبيب، الآنسة روزلاند دعيم، د. شادي أبو خضرة والمحامية بادرة خورية. كما ساهم في القراءات التأملية كل من الأب د. لويس حزبون، السيد عامر البابا والآنسة أمل خورية.