* السيد المسيح صام أربعين يومًا وأربعين ليلة ولذلك نصوم نحن أيضًا. والصوم هو أوّلاً الامتناع عن بعض الأطعمة المحدَّدة بحسب التقاليد الكنسية
* زمن الصوم هو زمن تجدُّد روحي، هو زمن نحن مدعوّون فيه لنطهِّر أنفسنا، لتنطبق علينا كلمة السيد المسيح حين قال: "طوبى للأنقياء القلوب لأنّهم يشاهدون الله"
* زمن الصوم هو للامتناع عن بعض الأطعمة أو هو جَهدٌ للتوقّف عن الإدمان. وهو زمن للصلاة. فالصلاة هي أيضًا عنصر أساسيٌّ في الصوم والصلاة تعني أن نضع أنفسنا في حضرته تعالى
أيها الأبناء الأعزّاء
نبدأ زمن الصوم الاربعيني المقدس لنستعدَّ روحيًّا لعيد القيامة المجيدة، لنستقبل نعمة القيامة ونمتلئ بفرحها ومجدها. نصوم ونتوب ونروِّض أجسادَنا لنصبح قادرين، على مثال السيد المسيح، على العبور من موت الخطيئة إلى قيامة الحياة، لنصبح قادرين على مواجهة كل تحدّيات الحياة ممتلئين بفرح القيامة المجيدة.
صام السيد المسيح أربعين يومًا وأربعين ليلة (متى ٤:٢). ولذلك نصوم نحن أيضًا. والصوم هو أوّلاً الامتناع عن بعض الأطعمة المحدَّدة بحسب التقاليد الكنسية، وذلك لترويض نفوسنا، لنُضعِف قوى الشرّ فينا ونبدّلها بقوى الخير. نلتزم في صومنا كلَّ ما تُلزِمنا به الكنيسة. ولكن يحسن بنا أيضًا أن نضيف إلى الامتناع عن الأطعمة التقليدية، أمورًا أخرى نزداد بالامتناع عنها قوّة، مثل الامتناع عن التدخين والمشروب، وما هو أشدُّ خطرًا من ذلك، محاولة جدّية للانقطاع عن إدمان المخدّرات، وقد أصبحت هذه آفةً تفترس مدينتنا المقدسة وشبيبتنا وبيوتنا، وتدمِّر فينا الجسد والروح معًا. نعم، الصوم زمن لهذا النوع من الجهاد أيضًا. وبه نوصي عائلاتنا وشبيبتنا.
قال القديس يوحنا في رسالته الأولى:
"أَكتب إليكم أيّها الآباء لأنكم تعرفون ذاك الذي كان منذ البدء.
أكتب إليكم أيّها الشبّان لأنكم قهرتم الشرّير.
كتبت إليكم يا أبنائي الصغار لأنّكم تعرفون الآب" (١ يوحنا ٢:١٣- ١٤).
زمن الصوم هو للامتناع عن بعض الأطعمة أو هو جَهدٌ للتوقّف عن الإدمان. وهو زمن للصلاة. فالصلاة هي أيضًا عنصر أساسيٌّ في الصوم. والصلاة تعني أن نضع أنفسنا في حضرته تعالى، نضع أمامه شدائدنا وآلامنا وخطايانا ودموعنا، فنستغفر ونطلب أن يملأنا الله بروحه القدّوس، وأن يبدِّل كلَّ ما فينا فرحًا سماويًّا يَسنُدنا في مواجهة كلّ الصعاب. الصلاة تزيدنا معرفةً لله كما قال القديس يوحنا " تعرفون ذاك الذي كان منذ البدء". وتزيدنا قوّةً لقهر الشرّ وإزالة مواطن الضعف فينا، كما أوصانا القديس يوحنا أيضًا موجِّها كلامه إلى الشباب بصورة خاصة: " أكتب إليكم أيّها الشبّان لأنّكم قهرتم الشرّير".
زمن الصوم هو زمن توبة أي رجوع إلى الله. نرجع إليه لنسمع صوته، لنسمعه يقول لنا: كونوا أقوياء وأحبوا بعضكم بعضا.
فمع الصوم ترتبط الصدقة. وما نوفّره بصومنا هو لقريبنا. بل أكثر من ذلك، إنّ محبّتنا لله ولقريبنا يجب أن تفوق هذه الصدقة المؤقّتة، لتصبح "مشاركة" في النُّمُوّ، مشاركة في حمل أثقال بعضنا بعضًا وهموم بعضنا بعضًا، فنجعل نموَّنا وتحصيل رزقنا سعيًا مشترَكًا تقوده وتنيره محبّتُنا بعضنا لبعض، كما أوصانا السيد المسيح حين قال لنا: أحبّوا بعضُكم بعضًا.
نعم بحاجة إلى محبّة في أرضنا وفي كنيستنا وفي بيوتنا وعائلاتنا.
بمثل هذه الروح، يمكننا أن نواجه جميع القضايا التي تعترضنا، الخاصة منها في داخل بيوتنا فنعرف كيف نرافق أبناءنا وبناتنا في التحدّيات التي يواجهونها، وكيف نواجه معًا قضايا كنيستنا وهي أيضًا تعاني من جرح قديم لم نعرف حتى الآن أن نَشفِيَه في الوحدة والحكمة، مؤمنين ورؤساء.
وبقوّة الروح التي نجدِّدها فينا بصومنا وصلاتنا واهتمامنا لقريبنا، نعرف أيضًا كيف نواجه قضيّةَ الإنسان في أرضنا هذه المقدّسة التي تدمرّها سياسة غاشمة وتزيل عنها وعن الإنسان فيها القداسة التي أرادها الله لها ولنا جميعا.
أيها الأبناء الأعزاء
زمن الصوم هو زمن تجدُّد روحي، هو زمن نحن مدعوّون فيه لنطهِّر أنفسنا، لتنطبق علينا كلمة السيد المسيح حين قال: "طوبى للأنقياء القلوب لأنّهم يشاهدون الله" (متى ٥:٨). فإذا رأينا الله، رأينا كلَّ أخٍ وأختٍ لنا، وشاركناهم في همومهم وحاجاتهم وأصبحنا سندًا بعضُنا لبعض، وأصبحنا مؤمنين أقوياء في جهادنا وأقوياء في آلامنا وآمالنا.
"ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله" (متى ٤: ٤).
أسأل الله لكم، أيها الأبناء الأعزاء، ولا سيما أنتم الشباب، أن يكون زمن الصوم هذا زمنًا مباركًا ومصدرَ نعمةٍ وحياةٍ جديدة لكم، مليئةٍ بقوّة الله ومحبّته.
وليبارككم الرب وليتقبل صومكم وأدعيتكم وتوبتكم
وكل عام وانتم بخير
أخوكم
† المطران عطاالله حنا
رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس
بطريركية الروم الأرثوذكس بالقدس
الصوم الأربعيني المقدس – عام 2010