الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 14 / نوفمبر 22:02

عيد 14 شباط بين دوافع الإسقاط وتوافه الرباط بقلم عمر رزوق

كل العرب -الناصرة
نُشر: 14/02/10 08:25,  حُتلن: 15:03

*  الحب في حد ذاته ليس عيبا , لكون عاطفة نبيلة يعبّر بها الشخص عما يجيش بفؤاده من مشاعر تجاه الطرف الآخر

* ليس لشبابنا اليوم من دين سوى الحب وعقيدة المتعة الحسيّة والجسدية والسعادة المادية، وفقه الاهتمام بالرغبة العاطفية  إلا من رَحِم ربي

*لا يخفى لا على الداني ولا على القاصي، أن الحضارة العربية قد عظّمت الحب " وقدسته " منذ ينابيعها الأولى خصوصا قبل ظهور الإسلام

*الحب قيمة إنسانية كبرى يجب أن نشعر بها تجاه الله والوطن والوالدين والناس وتجاه الآخر وتجاه الحياة و يجب أن نحب لكي نحيا ويجب أن نحيا ككائنات مُحبّة

قال ابن حزم في طوق الحمامة " الحب، أعزّك الله، أوله هزل وآخره جَدّ ". إن " الحب " هو " المرض " المتفشي في هذه الأيام ,والعلة هي انتصار فلسفة المادة والجسد على فلسفة الروح، وانتصار حب الدنيا والإسراف فيها على حب التحضير للآخرة، وتفضيل المراهقين – دون فواصل وحدود للجيل – الحركة والإيقاع والاستهلاك والاستمتاع، وهدر الوقت على البذل والجد وطلب العلم والإعداد والاستعداد للمستقبل والاستفادة من خبرات الذين سبقوهم.

 القمة في السعادة ليست في استكمال الملذات
ليس لشبابنا اليوم من دين سوى الحب وعقيدة المتعة الحسيّة والجسدية والسعادة المادية، وفقه الاهتمام بالرغبة العاطفية – إلا من رَحِم ربي – وتناسوا أن الدين الحقيقي هو دين العقل، وأن الرغبة الإنسانية في الوجود الأرقى لا تضاهيها أخرى، وأن القمة في السعادة ليست في استكمال الملذات وإنما في تحقيق الذات.
يرى البعض في عدم لوم الشباب لأنه ضحية للدعاية والإشهار، ضحية الصورة والثورة الرقمية، ضحية الإنترنت والهاتف الجوال، فماذا ترى شبابنا فاعل مع كثرة هذه الآلات، إن شبابنا يعاني الفراغ الروحي وانغلاق الآفاق، وتخلّف نُظم التعليم، وهيمنة سياسة التجهيل والتعتيم، قلة مَواطن التشغيل وإمكانيات التفعيل وغياب التأطير والإرشاد بغية المقاصد الإنسانية والرشاد.

نكرّس الهيمنة ونجعلها أمرا مطلوبا ومشروعا
في خضمّ هذه الطروحات، وتحت أرزاء هذه المعطيات، يريد شبابنا صور وبطاقات، ومن الورد باقات، ويستهلك الصور والتهاني، وكلاما بمعسول المعاني ، فكيف يردّ الورود، ولا يرسل بطاقات التهاني مكللة بالوعود و في عيد الشباب الواعد الموعود، فهو يحب بعمق ويريد الاحتفال بعيد الحب بقوة رافضا كل الموانع والقيود، تلك الموانع التي قد تّفرَض عليه باسم الدين أو عادات وتقاليد المجتمع، فتلك تدخل في نظره ضمن إطار أساطير الأولين وأوهام وخرافات السابقين. إن الحب في حد ذاته ليس عيبا، لكون عاطفة نبيلة يعبّر بها الشخص عما يجيش بفؤاده من مشاعر تجاه الطرف الآخر، ولكن السياق التاريخي والثقافي للاحتفال بعيد الحب ذو إشكال، إنه سياق معولم يعبّر عن هيمنة نموذج ثقافي معيّن على ثقافات أخرى، ونحن عندما نشارك هذه الثقافة بهذا العيد، إنما نكرّس هذه الهيمنة ونجعلها أمرا مطلوبا ومشروعا.
يعتبر بعض الهروبيين أن الاحتفال بعيد الحب ترسيخ التبعية للعالم الغربي وتأكيدا لحالة الاغتراب والضياع الحضاري التي تعاني منها أمتنا وهو تجسيد وتجسيم لحالة المحاكاة وأسلوب التقليد السائد. وهناك من يرى في ذلك نوع من التقدم والتعبير عن مواكبة العصر ومعانقة روح الحداثة والتقدم ويرون ضرورة الاحتفال بعيد الحب

 إجراء أيديولوجي غربي
الحب قيمة إنسانية كبرى يجب أن نشعر بها تجاه الله والوطن والوالدين والناس وتجاه الآخر وتجاه الحياة و يجب أن نحب لكي نحيا ويجب أن نحيا ككائنات مُحبّة ودون حب لا حياة أو بمعنى آخر دون حب توجد حياة فاقدة المعنى والمغزى فالحب هو معنى وجود الإنسان وما الدين إلا الحب .إن تخصيص يوم 14 شباط يوما لعيد الحب في جميع دول العالم والاستناد لقصة يلتقي فيها الدين مع الخيال والأسطورة، إنما هو إجراء أيديولوجي غربي بامتياز، يكرّس انتصار العولمة الاختراقية الظالمة على العالمية العادلة المنشودة وترجمة رغبة الحضارة الغربية المؤسسة على تحالف يمني، محافظون جدد ويهودية متصهينة في أن تفرض نموذجها الثقافي على المجتمعات والدول الأخرى بقوة الدعاية والإعلام ذو الأنياب الزرقاء واستعمال أحابيل السياسة والاقتصاد والفن.

إزالة الأسطرة عمّا يروج ويشاع في الإعلام عن عيد الحب
لا يخفى لا على الداني ولا على القاصي، أن الحضارة العربية قد عظّمت الحب " وقدسته " منذ ينابيعها الأولى خصوصا قبل ظهور الإسلام حيث شهدت مؤسسة الشعر ظهور الثنائيات الرهيبة في عالم من العشق والجمال والإخلاص والوفاء للقيم العذرية الأخلاقية، كثير عزة وجميل بثينة وقيس وليلى. وقد تواصل الأمر على نفس المنوال، وانعقدت أواصر التواشج بين الحب والإيمان والأخوة التي جمعت المؤمنين في الجماعة الأولى وانتصر حبهم لله ولنبيهم ورسالته ولبعضهم البعض، ثم تحولت هذه المشاعر نحو الآخر ثم نحو العالم فانتشرت قيم الصداقة والأيثار وحسن الضيافة والكرم وبرزت من جديد أدبيات الغزل في فترات الازدهار والرخاء وبرزت الإبداعات الموسيقية والغناء والموشحات الأندلسية والسرديات بل وصل الأمر إلى حد الاعتلاء بقيمة الحب نحو صارية التصوف.
ما هو مطلوب اليوم، إزالة الأسطرة عمّا يروج ويشاع في الإعلام عن عيد الحب الذي أراد الغرب من العالم ألاحتفال به معه، وهذه الإرادة فيها الكثير من حب الهيمنة والرغبة بالسيطرة الساعية للظفر بقلوب الفئات الشابة وغسل العقول مبكرا، وأن ما ينبغي القيام به هو تقليب الأمور على كل نواحيها وفهم ما يجري حتى لا ننخدع وتنطلي الحِيَل علينا وذلك لوجود سلطة وراء كل معرفة ووجود رهبة وراء كل رغبة، فكما تكون للثقافات الأخرى مناسبات وأعياد للفرحة والبهجة بالحياة، لنا أيضا مناسباتنا وأعياد للإقبال على الوجود، وكما يُطلب منّا مشاركتهم نطلب منهم وبكل لطف مشاركتنا خصوصياتنا في تدبّر عواطفنا ومشاعرنا والتعبير عنها جماليا شريطة ألا يكون ذلك بالعودة للماضي بل بإعادة صقلها على نحو مختلف يواكب العصر وروحه. فمتى نرى شبابنا يحتفل بعيد الحب بمعانية الكونية الإنسانية في ديارنا دون أي تصادم مع الموروث ودون هستيريا جنونية
 

مقالات متعلقة

.