* احسدك يا ا اخي لأنك ذَكَر.. انت حر وتملك كامل الحرية، والحرية المطلقة، لأنك ذَكَر
* جسدي ملك القوانين الاجتماعية شهواتي أُعدِمت قبل ان أُعدَم على قارعة الطريق وعلى الملأ على الطريقة السعودية "الحضارية"
ليته لم يكن لديّ عائلة، عندها لن يكون لديّ أخ يقتلني وعمٌّ يحاسبني وخالٌ يزجرني، ليتني وُلدت على الطريقة الصينية حيث يُسمح بانجاب مولود واحد لكل ذكر وانثى، ومع مرور جيلين على هذا النحو تنتهي العائلة، فلا أخ ولا اخت ولا عم ولا خال، فلماذا ننجب منهم الكثيرين ثم نقوم بذبحهم حسب دستور شرف العائلة؟
أخي العزيز:
احسدك يا ا اخي لأنك ذَكَر.. انت حر وتملك كامل الحرية، والحرية المطلقة، لأنك ذَكَر، علما بأنك لم تكن انت الذي قرر المجيء الى الحياة على شكل ذَكَر، ولو كان القرار قراري لقررت ان اولد ذكرا مثلك. اريد أن اذكّرك أخي عن حقيقة علمية معروفة ان ّ المسبّب في ان يخرج المولود ذكرا او انثى هو الذكر وليس الأنثى، فالكروموزوم الذكري هو الذي يحمل بداخله صفات الذكر والأنثى، فاذا اتحد كروموزوم الذكر ذو الصفات الانثوية مع البويضة خرج المولود انثى، واذا اتحد كروموزوم الذكر الأنثوي مع البويضة خرج المولود ذَكرا، فكيف أُعاقب على كوني ولدت انثى وانت ايها الذكر هو سبب كوني جئت الى الحياة على هذا النحو؟
لو كان القرار بيدي لقررت ان اولد ذكرا مثلك. انت ايها الذكر الحر الطليق، تخرج من البيت متى تشاء، تركب السيارة وعندما تكون لوحدك فيها تتمنى ان تلتقط فتاة جميلة في الطريق وتتجاهل الذكور المحتاجين ل"تْرِمب".
جسدك ملكك
جسدك ملكك، واما انا فجسدي ملك القوانين الاجتماعية. شهواتي أُعدِمت قبل ان أُعدَم على قارعة الطريق وعلى الملأ على الطريقة السعودية "الحضارية".
أعرف كم من الوقت تقف يا أخي امام المرآة كي تستعرض نرجسيتك ورجولتك وجاذبيتك الذّكرية كي تخرج لجذب بنات جنسي اليك. تستطيع ان تمارس كل ما ترغب اذا واتتك الفرصة. الذكورة مسموحة علناً اما الأنوثة فعيب وحرام وعورة.
هذا هو الجزء التحتاني الذي يتحول الى بقرة مقدسة ويجب ان يُستثنى كأنه غير موجود، مع اننا جميعا، ذكورا واناثا، خرجنا ونزلنا منه.
هذا هو الجزء التحتاني المليء بالدماء الشهرية كريهة الرائحة كرائحة جثّتي، وبمجاري اوساخ الجسم، هو ايضا منبع حياتنا وسر وجودنا، يتحوّل الى أعقد عُقَدنا، يتحول الى شرف مقدس تسقط من اجله حوريات النيل ضحايا كي ينعم النيل الذكر بصباياه الحور المقتولات خنقا بثَقّالة حجر مربوط الى اجسادهن، او تقطيعا بالسكاكين او رجما بالحجارة، او رميا بالرصاص او شنقا.
لم تَعُد أخي يا أخي
لم تَعُد أخي يا أخي. كنت اختك والعب معك عندما كنا طفلين، وعندما كان جسدنا غير ناضج جنسيا، بحكم قوانين الطبيعة والزمن، وليس بموجب قوانين البشر، والآن اصبحتُ عدوّتك اللدودة، واصبحتَ قاتلي لأني حاولت ان اكون حرّة بعض الشيء.
أصبح جسدي ملككم ومحَكّا لقوانينكم القاتلة. ليتنا بقينا اطفالا نلعب معا يا اخي..ليتنا لم نكبر، فلو لم نكبر لما قتَلتَني.. يبدو اننا كلما كبرنا زادت خطايانا.. ومن لم يكن منكم بلا خطيئة فليرجمني بحجر او يقطّعني ارباً ارباً بسكاكينه، او يخردقني بالرصاص او يشنقني او يدفنني حيّة.
قاتلي العزيز،
اعرف ان فرحتك آنيّة، وعندما تصحو الى ذنوبك وخطاياك ستسامحني، وستنظر الى عالمك الذي لا زلتَ فيه وأخرجتني منه، بمنظار علمانيّ جديد وبصدر رحب وبتسامح، وستجد بعد قتلي انك لم تكفّر عن خطاياك بعد، بل ان قتلي سيذكّرك بالخشبات العالقة في عينيك، والتورّط يجرّ التوّرّط. قررتَ قتلي عمدا وعلى رؤوس الأشهاد لأنهم علّموك بأنك وصيّ عليّ ولأنك تنفّذ ارادة الجماعة التي لا تريد ان تتعلم ما هي قيمة الفرد..الواحد..
هذه هي نتيجة التعبئة المستمرة وغسل الدماغ الجماعي اللذين شحنك بهما مجتمعنا المتحفّظ فأعمى بصيرتك وجعلك-وانا ادرك مدى الطيبة التي في قلبك لأني اختك وأعرفك- تمسك بسكينك وتطعنني قبل ان يتغلب عقلك على قلبك، وقبل ان تسمح لنفسك بمواجهتهم. وماذا سيكون مصيرك ومصير طيبتك بعد ان تكون السكين قد فعلت فعلها ودخلت القلب والأحشاء؟
نعتوها بعائلة الزنى والدعارة والاباحية
ان هذا العمى البصيري لا يقود الا الى المزيد من التورط والأسى والحسرة والندم والعذاب. لقد سمحتَ لنفسك بتنفيذ حكم الاعدام فيّ والذي اصدروه بحقي لأن قوانينهم ملونة بالاسود والأبيض فقط كلون الأكفان والغشوة والظلمة والجهالة، لأنهم لا يستطيعون ان يستوعبوا باقي الألوان، وبهذا الحكم زدتَ الطين بلّة وبلاء وبلية وبلوة، فهم يدّعون ان عائلتنا وبسببي اصبحت منبوذة، ونعتوها بعائلة الزنى والدعارة والاباحية، عائلة تدوس على محرّمات المجتمع وقوانين الطائفية والقبلية والقداسة والطهارة، وكل ذلك بسببي انا.
لو انني لم اولد انثى لبقيتْ عائلتنا شريفة عفيفة طاهرة وبألف خير، وسالمة من عيون الحساد والهجّائين والحاقدين، ولو شتموا اختك وعرضها لضحكتَ في وجوههم، ولما كنتَ بحاجة لاستعمال سكّينك لأنه لا أخت لديك.
وعندما تعبّأتَ جيدا طعنتَني امام الملأ، فأرديتني قتيلة، وبذلك اكتملت دائرة انقراض شرف عائلتنا. عائلتنا التي يجرم فيها الأخ بأخته، والزوج بزوجته، وعائلة الأنثى التي خرَجَتْ عن قوانين الجماعة.
أخي العزيز، أنا الآن ميتة ومرتاحة من العذاب وكل حواسّي توقّفت عن العمل، لذلك، وبذلك ارتحت من كل مشاعر العذاب والندم والذنب والرذيلة. اما انت فلا زلت شابا وطريق العذاب والآلام لا زالت طويلة امامك، وستلازمك طوال ما تبقى لك من عمر طويل، في سجنك، في نومك، اثناء طعامك، امام اولادك، وامام المجتمع ذاته الذي قتلتَني من أجله.
كم هو صعب ان يقضي الانسان بقية عمره في سجن ندمه وحسرته، وهذا اصعب من سجنه الحقيقي، وهو متهم بأنه اتخذ اصعب قرار في حياته، وهو ان يضع حدا لحياة غيره، وغيره جزء منه، اخته وابنة ابيه وامه، فكأنما القاتل هو المقتول ايضا.
غلطتك لن تُصَحّح
انا الآن مرتاحة لأنني فقدت جميع أحاسيسي لأنني ميتة، مقتولة، اما انت فلا محالة ستموت..كل البشر سيموتون لأن عمرهم محدود. كلهم سيموتون، واما انت فانك الى حين موتك ستكون احاسيسك متعبة ومثقلة بالسواد والندم والشعور بالذنب. وهل سهل على الانسان ان يشعر طوال حياته بأنه اقترف جريمة وصورة مقتولِهِ رابضة في اعماق دماغه؟
من البشر من يستقبلون موتهم وهم مرتاحون، واما انتَ فستستقبل موتك بعد رحلة عذاب لا نهائية، لأن غلطتك لن تُصَحّح، وأختك التي قتلتَها لن تعود الى الحياة مرة اخرى، لأن الانسان يعيش حياة واحدة فقط.
أخي، هل تدرك معنى انّ الانسان الذي يموت لا يستطيع ان يعود مرة أخرى الى الحياة؟ اذا اردتَ معنى هذه الحقيقة فانك ستدرك ما معنى ان يكون الانسان مجرما. انا اعرفك جيدا وانك لم تكن مجرما ولم تؤذِ احدا. انت طيّب يا أخي، وكنت اعتبرك اقرب المقرّبين الى قلبي، ولكن ما هذا السواد والغباش الذي يغشى عينيك؟ اهي ذاتها تلك الغيمة السوداء الملعونة التي تحوم في ثنايا ادمغة مجتمعنا فتعبئه بالمفاهيم البالية والقوانين التي ادرك الانسان المتحضر المتمدن مدى خطورتها منذ مئات السنين؟
صدقني يا أخي، فالميتة الطبيعية للانسان القاتل اصعب الف مرة من ميتتة مقتولا قبل أوانه، وميتتك حسب هذه القاعدة ستكون اصعب بكثير من ميتتي، ومن هذا المنطلق فأنا اشفق عليك.
ليتني لم اولد
ليتني أتقمّص في الصين واجرّب ما معنى العيش بدون عائلة وحَمولة وقبيلة وفخذ وبطن وصِلَة أرحام، كي انعم بحياة جديدة، فيها الدولة، اعظم دولة في العالم، يعيش فيها مليار وثلاثمائة مليون مخلوق بشري، وليس كما نحن هنا قبائل مشرذمة تتوجس الشر لبعضها البعض، وتتحين الفرص للانتقام والثأر لشرف العائلة، وللدفاع عن عرضها "المقدّس"، بينما هي تتناذل امام الدفاع عن ارضها ووطنها وهويتها.
ليتني لم اولد.. فلماذا تنجبونني وتُسمِّنونني وتدلّلونني كي اصل الى مرحلة الذبح، ولكي اصبح كبش العيد وبقرة اللحم، ولتَتَمتّعوا بطقس الفرجة والتَفَرُّج على جثّتي المسكينة الملطخة بالدماء على قارعة الطريق، والكل مسرور ومقهقه من حولي لأنّ الصيد سمين ويشفي الغليل..
انتم فعميان البصيرة والبصر
انا هو كبش فدائكم، ولكنني "كَبشة" منكم ومن صنعكم، واما انتم فعميان البصيرة والبصر، ولا تستطيعون ان تشاهدوا الخشبات التي في اعينكم قبل ان تحاولوا اقتلاع القذى الذي في عيني، او قبل ان تفقؤوا عيني بخناجركم، وقبل ان تقطعوني بسكاكينكم الحادة فتجهزون عليّ، وتجهّزونني لطعام عيدكم وفرحكم الدموي العظيم بموتي.
ضحكات انتصاركم المهزوم والزائف والمقيت عليّ بوضعكم حدا لحياتي الشابة تقتلني مرة اخرى، وهكذا اكون قد قُتلت مرتين.
اما انتم ففرحتكم فرحتان، اولا لأنكم تخلّصتم مني، وثانيا لأن قاتلي في نظركم هو بطل وشجاع وشهم وذائد عن العِرض والشرف، ويتحلى بأسمى آيات الشرف الشرقي العربي الأصيل، ويستأهل كل التقدير، ويستحق جائزة نوبل لأنبل النبلاء. انه ليس قاتلا، بل انه مناضل اشوس صنديد يدافع عن شرف الأمة، التي فقدت شرفها وكرامتها اصلا، من رجس النساء والاناث اللواتي كيدهن عظيم. انه الأسد الجسور السبع الملك المتسلط الحاكم الوقور المتحكم بحياة البشر! انه الذكر!!؟؟
ليتني لم اولد انثى...
ليتني ولدتُ ذَكَراً كي أجرّب معنى الحرية والجنس
ليتني ولدتُ ذَكَراً كي أجرّب معنى الحرية والجنس واللذة والمشروب والتدخين والسفر والسهر ومعاشرة كل انواع الاناث الجاهزات للمعاشرة، من غير قبيلتي وديني طبعا، لأن مجتمعي سيرفض تصرفي الذكري الجامح على مقربة منه.
ليتني وُلدت خُنثى (نصف ذكر ونصف انثى) كي امارس حقي الانثوي في الخفاء، متخفية في جسد رجل ذكر.
ليتكم تصبحون تابعين لكل ما بعد "ليتني". ليت "ليتكم" و"ليتني" تصبح يوما ما :"ليتنا".
تذييل: هذه الرسالة وجدت ملطّخة بدماء المقتولة، وكانت تنبّأتْ على ما يبدو بأن حياتها في خطر ولن تكتمل بالشكل الطبيعي، ومن خلال اسلوبها الشيّق والواعي وفلسفتها الخاصة للحياة، نستنتج انها كانت فتاة متعلمة واعية اكثر بكثير من الذكور والاناث الذين ساهموا في عملية ايقاف مجرى حياتها. وعندما عثرتُ على الرسالة اعتبرتُها وصيتها التي كلّفتني بنشرها كي تكون عبرة لجميع البشر.