الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الخميس 14 / نوفمبر 05:02

الطريق الأقصر إلى تغيير الأوضاع ..


نُشر: 13/10/07 10:29

كثرت النظريات والأفكار المطروحة لإصلاح الأوضاع على الساحتين العربية والإسلامية ، تتراوح بين نظريات مغرقة في التغريب والتبعية ، ومرتبطة بدوائر دول الاستكبار والامبريالية العالمية ، وأخرى مغرقة في التقليد ، ترفض كل جديد ، وتصر على أن تعيش على موروثات الماضي ، لا في ثوابت الأمة التي لا تتغير ، ولكن في الجوانب والقضايا المتعلقة بشؤون الحياة المتجددة والمتطورة ، والتي أباح الله سبحانه وتعالى وشرعه الحنيف لنا أن نستحدث لها ما يناسبها في كل زمان ومكان ، بل جعلت الشريعة هذا النهج من اوجب الواجبات ، لأنه بدونه لن تتم للأمة نهضتها ، ولن تتحقق مرادات الله سبحانه فيها  وهو الذي خلق الزمان المكان

بل اعتبر إسلامنا العظيم العجز عن تحقيق مصالح الأمة في كل زمان ومكان قصورا لا ينبغي ، وثلما في الدين ليس منه ولا فيه ، وحاشا لإسلامنا أن يكون فيه مثل ذلك والله سبحانه وتعالى يقول ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا )

بين تلك النظريات المُفَرِّطَةِ وهذه المُفْرِطَةِ ، تقف نظرية وسطية ، عرفت الأدواء التي أصابت الأمة ، فوصفت لها من الدواء ما يجمع الخير بعضه إلى بعض ، إحياء لها بعد موات ، وتجديدا لأوضاعها التي ارتكست بعد عقود طويلة من الانحطاط ، وأخرى مثلها من الاستعمار وعقود أطول من الدكتاتورية والتسلط والهزائم والتخلف والتفرق


بكلمات أخرى ، هنالك من رجال الفكر والسياسة في شرقنا الإسلامي من تجرأ إلى حد الدعوة إلى ترك الدين وإهماله ، وإلغاء التاريخ والحضارة وطرح ذلك بالكلية جانبا ، وإلى قبول مفتوح وبلا قيود لمنتج الغرب غثه وسمينه ، وخيره وشره على اعتبار ذلك - على حد زعمهم ، الطريق الأوحد لخلاص الأمة وتقدمها

وما عرفوا أن هذا هو طريق هلاكها واندثارها وزوالها، وهي الأمة التي ما عزت إلا بالدين، وما سادت إلا بالعبودية لله ولشرعه، وما قادت إلا باسم الله وحده لا شريك له

شكل هؤلاء منذ ظهروا وَرَمًا سرطانيا في جسد الأمة يقعدها عن النهوض لمهامها الجليلة ولدورها العظيم " وسوسا " ينخر في عظامها ويذبح أجيالها بسكين الخنوع للشهوات والنزوات ، حتى أضحى مشروعهم في الأمة مشروع هدم لكل فضيلة ، يسعى لتحويل أجيالها إلى مجموعات من العابثين المسترسلين مع أهوائهم ، يألفون أصحاب الفجور ، ويتكبكبون في قعر نار اللذات والدنايا والمحظورات ، فلا يجدون سعادتهم المزيفة إلا في الهروب من الحياة بشتى الطرق

فالحياة في نظر هؤلاء عبء لا يطاق وكل المثل والأخلاق والفضائل في نظرهم خرافات لا وجود لها إلا في عالم الأوهام ، ومن اجل أن يخلصوا من هذا كله ، تجدهم يعمدون إلى صور من النسيان يتفننون في إبداعها ، فتراهم يتقلبون في حُطَمَةِ الشقاء والتعاسة

( وما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة أنها عليهم مؤصدة في عمد ممدة )

فتارة يغوصون في لُجَجِ أحلام اليقظة المتلاطمة وأخرى باحتساء كميات من الخمر حتى الثمالة ، أو إدمان المخدرات وحبوب المهدئات والفاحش من وسائل الإعلام والفضائيات التي تسعى كلها  لتدويث  ( من كلمة " الديوث " وهو الذي يرضى الفساد في أهله ثم لا يغار ولا يهتم ) مجتمعاتنا العربية والإسلامية ، فلا يقوموا لمواجهة التحديات والدفاع عن الكرامة والأرض والمقدسات

أولئك هم الخطر الأكبر على الأمة ، وبدون أن نعمل لإزالتهم فلا رجاء في خلاص ولا نصر ولا فلاح ، فمن يقوم بهذه المهمة الكبرى والوظيفة العظمى ؟؟

إذا طرحنا جانبا كل الدعوات التغريبية وعكفنا على النظر المعمق في الدراسات والدعوات الجادة التي تحاول أن ترسم طريقا لنهضة الأمة من خلال الجمع بين الماضي والحاضر والمزج بين الأصالة والحداثة ، فان أحدا لا يشك في أن بداية الإصلاح لا بد أن تبدأ من خلال إعلان عام ، يجمع كل قطاعات الأمة على مستوى الأنظمة والشعوب ليطلق الجميع مشروع المصالحة مع الله سبحانه وبرنامج الإصلاح المرتكز إلى مرجعية الشرع والدين


من أبجديات المشروع الذي نتمناه أن يكون فيه دَفَقُ الثورة على كل السلبيات في حياة الأفراد والجماعات ، الثورة على انطلاق الغرائز ، وسطوة الأهواء ، وتحكم الشهوات والنزوات

ثورة على حكم الجاهلية بكل صورة وأشكاله والرجوع الخالص إلى الله وما ارتضاه لعباده المؤمنين

ثورة على حالة التفرق والتمزق التي عبثت في شرف الأمة وكرامتها

ثورة على حب السلطان والصراع على الجاه والمال

ثورة على حالة غياب المبادئ والقيم والأخلاق من حياة المجتمعات

ثورة على كل صور التخلف والضعف والهزيمة والمرض ، ثورة على الدكتاتورية والاستبداد والتسلط ، ثورة على الظلم والظلام بكل وأنواعه وثورة لتكون كلمة الله هي العليا ، وكلمة الذين كفروا السفلى


هذه الثورة في حياتنا كفيلة بتغيير مسار التاريخ ، وضمانة لانطلاقة الأمة من أغلالها ، ولتحريرها من أصفادها ، بهذه الثورة تصفو الحياة من جديد ، وتشرق الأرض بنور ربها من جديد ، وتعود البسمة إلى محيا الأرض والإنسان والمقدسات من جديد ، ويعود النصر ويكون للعزة طعم ، ويعيش الإنسان في امن وأمان ، وتتقدم المجتمعات وتزدهر 

عندها وعندها فقط يشفي الله صدور قوم مؤمنين ، فلا ينطقون عندها إلا بالحمد لله رب العالمين


رمضان الذي تسرع أيامه مفارقة لنا ، فما تبقى منه إلا أيام معدودات ، يدعونا إلى تدارك ما فات والاستعداد الكامل لما هو آت ، ويحضنا إلى النظر في عاجلنا وآجلنا والتهيؤ لوعد الله الذي لن يتأخر ، ولصعود الإسلام والمسلمين بعز عزيز أو بذل ذليل


ليال جليلة فيها ليلة خير من ألف شهر


ما زالت هنالك فرصة ، وما زال هنالك متسع لجبر ما انكسر مما مضى من أيام رمضان المبارك

ما زلنا في ثلث المغفرة ، وأمامنا جولة أخيرة هي ثلث العتق من النار ، تزدحم فيها الخيرات وتُفَتَّحُ فيها أبواب البركات وتزداد صلة الأرض بالسموات ، وتزدان الدنيا ومن فيها وما فيها بأنوار عشرة أيام وفوقها ليلة القدر


في الليالي العشرة الأخيرة من رمضان ، كان من عادته صلى الله عليه وسلم فيها أن يشد مئزره ويوقظ أهله ، وكأنما هو في سباق مع الزمن وفي استعداد للقاء حبيب ، وهو الذي غفر الله ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، فكيف سيكون حالنا نحن يا ترى ؟؟!!
ما أعظم أن نُحَوِّلَ ما تبقى من أيام رمضان إلى ورشة ننقطع فيها لله سبحانه إلا من ضرورة ، نسعى فيها إليه جل في علاه ونَحْفِد ، ونجدّ من أجل رضوانه ونجتهد ، فلا يقطعنا عن ذلك شيء ولا يحول بيننا وبينه حائل أو مانع


ما أعظم أن ننسى فيما بقي من دقائق رمضان الدنيا وما فيها ، وندير ظهور قلوبنا لبريقها اللامع ، والقها الزائف وزهرتها الفانية ، ونلزم باب الله سبحانه ضارعين مستغفرين ، آبيين تائبين ، وفي رحمة الله ومغفرته طامعين


ما أعظم أن نسمع الزواجر حتى تنزاح عن قلوبنا كوابيس الغفلة ، ومنها ما قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله :
( يا إخوة الغفلة تيقظوا ، يا مقيمين على الذنوب انتهوا واتعظوا ، فبالله اخبروني : من أسوأ حالا ممن استعبده هواه ، أمن أخسر صفقة ممن باع آخرته بدنياه ؟ ما للغفلة قد شملت قلوبكم ، وما للجهالة قد سترت عنكم عيوبكم ؟ أما ترون صوارم الموت بينكم لامعة وقوارعه بكم واقعة ، وطلائعه عليكم طالعة وفجائعه لعذركم قاطعة ، وسهامه فيكم نافذة ، وأحكامه بنواصيكم آخذة ؟؟ فحتى متى؟ والى متى ؟ وعلام التخلف والمقام ؟ أتطمعون في مقام الأبد ؟ كلا والواحد الصمد ، أن الموت لبالمرصاد ، فلا يبقى على والد ولا ولد ، فجدوا - رحمكم الله - في خدمة مولاكم واقلعوا عن الذنوب فلعله يتولاكم )


لم يبق لنا بعد ذلك إلا أن نبكي على حالنا ، ونبكي ثم نبكي ، لعل الله سبحانه ينظر إلينا نظرة ترفعنا ويرحمنا بها ، فنفوز بسعادة الدارين ، وخيري الدنيا والآخرة

سبيل الخروج من الأزمة الفلسطينية 

امتدت الأيام وطالت كأنها الدهر منذ أحداث غزة ، واصطبغت الأرض الفلسطينية على ضيقها بسواد لو مَدَّ الواحد منا يده فيه لم يكد يراها ، ودخل معها الشعب الفلسطيني نفقا مظلما لا يرى النور في نهايته إلى درجةٍ بدأ معها يفقد أعصابه واتزانه وهو يرى نفسه يتمزق بين غزة والضفة ، ويتمزق إربا بفعل العدوان الإسرائيلي المستمر عليه

إسرائيل تتعامل مع الشعب الفلسطيني على اعتباره كيانا معاديا ، لا تفرق في ذلك بين قطاع تحكمه حماس أو ضفة تحكمها فتح

لا اعتقد أن أحدا يمكن أن يجادل في ذلك ، فالحقائق النازفة على ارضي جناحي الوطن كما يحلو لبعض الإخوة الفلسطينيين تسمية الشمال والجنوب الفلسطينيين ، تتكلم بذلك بأفصح لسان وتدلل عليه بأعظم بيان


مرت أربعة أشهر عجاف منذ أحداث غزة ، والأوضاع تزداد تفاقما والأزمة تزداد عمقا ، ولا نكاد نرى أملا في حل قريب

سمعنا عن اقتراحات واقتراحات ، إلا أنني في هذا المقام مضطر إلى مخالفة عدد من المحللين الذين ذهبوا في وصف الأحداث كل مذهب

فمنهم من اعتبر ما حدث جريمة لا تغتفر ، ومنهم من اعتبرها ضرورة فيها نظر

الاستمرار في تناول القضية من هاتيك الزاويتين لا يمكن أن يخدم في رأيي المتواضع الجهود المتوقعة والمؤملة لتجاوز حالة الجمود التي لن تخدم إلا الاحتلال الإسرائيلي ومخططاته

 
 تعلمنا منذ الصغر أن المنطق يقتضي والحكمة تدعو إلى استحلاب الخير من قلب الشر إن استطعنا إلى ذلك سبيلا

ولقد تعود مشايخنا ضرب مثل للتدليل على هذه الحقيقة

أنها قصة من سيرة نبي الله عيسى عليه السلام

يحكى أن عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام كان يسير يوما مع عدد من حوارييه ، فمروا في طريقهم على جيفة لحيوان نافق

سارع حواريوه إلى وصف الجيفة كل من زاويته

فمنهم من قال : ما انتن ريحها !! وقال آخر : ما أبشع صورتها

وقال آخر وآخر

أما عيسى عليه السلام فقال : ما أنصع بياض أسنانها

!!!
لقد كانت هذه الكلمات درسا لحوارييه لم ينسوه أبدا

بدل أن تلعن العتمة حاول أن تضئ شمعة ، وكن متفائلا من غير سذاجة وابحث عن نقاط الضوء مهما كان السواد طاغيا


لا جدوى والحال على ما ذكرت من الاستمرار في حالة اللاحل ، فإنها – والله – قاصمة الظهر ، ولا بد من البحث عن حلول إبداعية تحفظ لفلسطين هيبتها وقضيتها ، كما تحفظ للأطراف دورهم الذي لا يُنْكَرْ

أما تفاصيل الحل فأتركه للقاء القادم ، وكم أتمنى أن يفاجئنا الأخوة الفلسطينيون بحل يعفينا من أن ندلي بدلونا في هذا الصدد ، فنكون لهم من الشاكرين

مقالات متعلقة

º - º
%
km/h
3.75
USD
3.96
EUR
4.76
GBP
337603.11
BTC
0.52
CNY
.