* اين الاشواق التي توسمتها عميقه على تجاعيد ذلك الوجه الهرم الذي لا يزال يريد ان يعود؟
* الخيام تمزقت ولا تزال قائمة ومررتُ بعد ثلاثة اعوام، وبعد اربعه، فاذا الاوتاد قد تحطمت من اليأس!
مهداه الى شهداء غزة وفلسطين البررة اينما كانوا، "طريق العودة معجون بالعرق والدموع والدماء، انه طريق البذل والتضحيه والفداء"، لا ازالُ اذكر يوم 10 ايار وكنت على الشاطئ، وقد امتلأ البحر بالزوارق، والاخشاب العائمة تحمل القوافل إثر القوافل
- ما لهؤلاء هجروا أوطانهم!
- لا تقول قد هجرناها! لقد تركنا كل شئ هناك – بيوتنا، اموالنا، قلوبنا
إننا راجعون
لن نقيم هنا إلا بمقدار ما نغرز خيمة تظلّلنا ثم نقتلعها
لقد كنت أتصفح هذه الوجوه فلم ارَ عليها ظلال الشك، ولا غبرة الاستسلام، انها تفيض بالرجاء والوثوب
انها تملأ الدروب
انها اليوم على شواطئ لبنان، وفي مرابع سوريه ووادي الاردن، وغداً على شاطئ حيفا ويافا مرة ثانية
إننا راجعون! اجل إننا راجعون
مررت بعد عام، بذلك الشاطئ، فإذا الخيام لا تزال منصوبه، واذا اللاجئون لا يزالون لاجئين، ولكن صفره وجوههم، تزيد، واليأس أخذ بشده على مخانقهم
إننا راجعون!
مررت بعد عامين، فإذا الخيام تمزقت ولا تزال قائمة
ومررتُ بعد ثلاثة اعوام، وبعد اربعه، فاذا الاوتاد قد تحطمت من اليأس، والخيام صارت كالغرابيل
ولكن اشواق العودة لا تزال باقيه بدون عودة
إننا راجعون!
وبعد عشرة اعوام أزيل اكثر الاوتاد، وطويت اكثر الخيام، وحل محلها مساكن من حجر، والاصوات وراء هذه المساكن لا تسمع لان المساكن الثابتة لا ترجِِّع ما تقوله الخيام:
- إننا راجعون
اين الاشواق التي توسمتها عميقه على تجاعيد ذلك الوجه الهرم الذي لا يزال يريد ان يعود
واين الاشواق التي لمستها لهيباً مشرقاً على وجه الفتى الذي سئم الانتظار واين الاشواق على وجه الطفل الذي لا يزال يرى كالخيال كيف هجر بيته ولماذا؟
لن انسى تلك الام وابنتها في احد الملاجئ
تلك الابنة المسلوله تسأل امها عن العودة، فتجيبها الام:
- سنعود – لا بد ان نعود!
- اقريباً؟
- قد يكون موعدنا غداً، او بعد غد، او بعده
- ما اقرب ميعادنا! ولكن كم طال هذا الموعد! إلى متى ننتظر؟
- لن يكون لنا مستقر في اية ارض حتى نعود
وهذه الخيام الهزيلة توحي الينا باننا سنعود
- اجل، سنعود
ربما نرى طريق العودة باعيننا
- بل نطؤه بارجلنا
- ذلك الامل وحده يدعوني الى التشبت بالحياة، بينما اراها تهرب مني بسرعة، هل يغلبني الموت
- لن تموتي قبل ان تعودي، وتري ارضك الهاربة
يا له من امل جميل تعلل به الام ابنتها
ولكن ماذا كانت النهاية؟!
لم ترد الام ان تطيل عذاب ابنتها في المرض والانتظار
دسَّت لها السم في الدواء وقالت لها اشربي!
شربت الابنة حتى القطرة الاخيرة، وهي تردد على امها في الاحتضار:
- ليتك تنظرين الان ما انظر يا اماه!
مرابع فلسطين الخضراء، سهولها الحالمة، وامواجها الزرقاء، والابطال الذين عادوا الى الحياة
انني وصلت
وصلت الى ارضنا
خرجت الأم هائمة على وجهها في ارض الملجأ
- هذا يقول: هل ابنتها ماتت؟
- هذا يقول: إنها مجنونة
- والآخر يصيح: ولكن اليس الجنون خيراً من العقل؟ لو كنا مجانين لما كنا هنا
والام تعبت من هذه الاصوات:
ويح لكم؟ الملجأ كله يتحرك: انه يريد العودة
إلى متى نظل ضيوف الملاجئ؟ سأعود وحدي إن لم تعودوا انتم
إن من يريد طريق العودة فليتبعني!
ولا يعرف احد بعد ذلك عن مصير هذه المراة المجهولة شيئاً
هل عادت؟ هل وصلت؟ ولكن الحقيقة هي انهم وجدوا امراة مصابه بين الاسلاك الشائكة التي قيدوا بها فلسطين الجميلة
وغالباً لم تكن هذه المراة إلا تلك الام
ولا يزال ذلك الصوت يرجع ولا اظنه ينقطع
- إننا راجعون! اجل إننا راجعون
***********
قالوا لنا: إن قضية فلسطين اصبحت قضية عالمية ايريد العالم ان يحِلَّ مشاكله على ظهر فلسطين؟ ايريد العالم ان يقرر السلم على اعناق اكثر من مليون لاجئ لفظتهم الارض، وتنكرت لهم السماء؟ ايريد العالم ان يعدم هذا العدد كله من اجل فئة مجرمه همها السلب والاعتداء، وسفك الدماء؟
لعمر المنصفين! ابعد هذا يلامُ المستشيطُ على الملام
أيقتل آمِنٌ
ويقالُ: رفِّهْ عليك، فما حمامك بالحمامِ
ستسعدُ بالذي يشقِكَ حالاً وتنعم بعد خَسْفِ بالمقامِ
مضى عهدٌ يُجَارُ فيهِ ويؤخذُ للحلال من الحرامِ
اجل، ان قضية فلسطين قضية عالمية، فإما ان يعيد العالم الحق الى اهله إذا ارادَ السلام، واما ان ينتظر الشرارة التي ستشعل الارضَ ناراً من هذا المكان الذي نزل فيه رسول السلام، وعذب من اجل السلام
وإذ ذاك سنقول مع ذلك القائل:
اليس الجنون خيراً من العقل؟
لو كنا مجانين لما صبرنا
لاننا لن نكون وحدنا ضحايا هذا السلام الكاذب