هذه القراءة مهداة الى كل عربي شريف وحر
الى ابناء شعب فلسطين, أملا ان يجدوا الى الخروج من محنتهم سبيلا
!
ولد نزار قباني في 21 اذار 1923 م في أحد بيوت دمشق القديمة
يقول نزار"يوم ولدت كانت الأرض هي الأخرى في حالة ولادة،وكان الربيع يستعد لفتح حقائبه
الخضراء
هل كانت يا ترى أن تكون ولادتي في الفصل الذي تثور فيه الأرض على نفسها،وترمي فيه الأشجار كل أوراقها القديمة؟أم كان مكتوبا علي أن أكون
كشهر اذار
شهر التغيير والتحولات
؟"
لقد شغل نزار قباني القراء أكثر من نصف قرن
فهوالشاعر المتمكن الذي طرح مواضيع مختلفة في شعره أدهش كل من قرأ له حتى أنه كون قاعدة جماهيرية كبيرة ولم يكن جمهوره فقط من النساء كما يعتقد الكثيرون ولكن شغل البال الرجال والشعراء الذين قرؤوا شعره وأنصفوه, فقد كتب نزار قباني الشعر صغيراً وقد كانت بداياته بمواضيع جريئة قوية تخص الدخول في الكثير من الجزيئات التي تتعلق بالمرأة وربما كان له أسبابه في هذا
لكن بعد نكسة حزيران 1967 أخذ نزار قباني يتجه في شعره الى منحى ثان, فخرج الينا يلبس حلة جديدة التزم فيها قضايا أمته العربية وهمومها التي اثرت فيه أيما تأثير, فاستطاع بابداعه الكبير أن يطرح مشكلات المواطن العربي وهمومه وطموحه الى الخلاص من الاستعمار وقلما نجد مدينة عربية لم يكتب فيها شعراً جميلاً سحرنا نحن القراء, فنزار قباني يهاجم القراء الذين أنكروا شعره الغزلي وهاجموه وتقولوا عليه فهو يحاول أن يثبت لهم براءته قائلا:
ويقول عني الأغبياء : / إني دخلت الى مقاصير النساء
وماخرجت /ويطالبون بنصب مشنقتي /لأنني عن شؤون حبيبتي
شعراً كتبت / أنا لم أتاجر - مثل غيري - بالحشيش
ولاسرقت
/ولا قتلت / إذاً فهو يدافع عن شعره بقوة لأنه يكتب الشعر العربي فهو لم يقترف ذنباً خطيراً مثل غيره من المجرمين الذين لارقيب عليهم
وربما كتب باكراً عن اليهود الذي زرعوا حنجراً في خاصرة الأمة العربية فكتب قصيدة بعنوان (قصة راشيل شوا رزنبرغ) عام 1955 يقول فيها :
جاؤوا الى موطننا المسالم الصغير / فلطخوا ترابنا / وأعدموا نساءنا / ويتموا أطفالنا / ولاتزال الأمم المتحدة /ولم يزل ميثاقها الخطير / يبحث في حرية الشعوب /وحق تقرير المصير
!
فهو يعترف أن المصائب التي حلت بالوطن العربي حولته من شاعر عربي الى شاعر ثائر يكتب بدمه
يقول"هوامش على دفتر النكسة": ياوطني الحزين /حولتني بلحظة / من شاعر يكتب الحب والحنين /لشاعر يكتب بالسكين
فنزار قباني كان شاهداً على كثير من الأحداث التي حلت بالوطن العربي فهو يعترف بالهزيمة في نكسة1967لأننا لم نكن جاهزين للحرب ولأننا لم نعد العدة فالحرب تحتاج الى عزيمة واصرار لا أن ندافع عن حقوقنا بالهتافات والصراخ يقول:
إذا خسرنا الحرب ،لاغرابة / لأننا ندخلها /بكل مايملكه الشرقيُّ من مواهب الخطابة / بالعنتريات التي ماقتلت دبابة /لأننا ندخلها /بمنطق الطبلة والربابة /
فنزار قباني كان من الناس المحبين للوحدة والمرحبين بها ولكن الانفصال أحزنه وجعله يائساً من تكرار المحاولة التي قامت بها سورية مع مصر فهو يعترف بأنه لولا الانفصال لما قدر علينا الاحتلال
يقول:
لوأننا لم ندفن الوحدة في التراب /لو لم نمزق جسمها الطري بالحراب / لوبقيت في داخل العيون والأهداب /لما استباحت لحمنا الكلاب
فالشاعر غاضب جداً من جيله الذي ألف السكوت على الهوان فأراد أن يكون هناك جيل في المستقبل يستطيع أن يفعل مالم يفعله أبناء جيله فهو يحدد طبيعة هذا الجيل, يقول: نريد جيلاً غاضباً /نريد جيلاً يفلح الآفاق /وينكش التاريخ من جذوره /وينكش الفكر من الأعماق /نريد جيلاً قادماً مختلف الملامح /لايغفر الأخطاء لايسامح
/نريد جيلاً رائداً ،عملاق
!
فنزار شاعر ثوري يرغب أن يفعل العرب شيئاً اتجاه اليهود الذين تسربوا الى بلادنا كالجراد فأخذوا ينشرون الموت والفساد بعد نكسة حزيران لذلك فهو يتألم لحالنا المزري ويقول:
حرب حزيران انتهت
/فكل حرب بعدها ،ونحن طيبون
/ أخبارنا جيدة / وحالنا - والحمدلله - على أحسن مايكون
/ وصوت فيروز / من الفردوس يأتي /«نحن راجعون » تغلغل اليهود في ثيابنا /و« نحن راجعون »/ صارا على مترين من أبوابنا / و«نحن راجعون» /ناموا على فراشنا
/ و«نحن راجعون» /وكل مانملك أن نقوله: « إنا الى الله لراجعون »
ثم يخاطب نزار شعراء الأرض المحتلة وهولايملك الا أن يتحدث لهم عن هزائم العرب المتوالية وكيف نحن العرب لانملك إلا اللهو واللعب يقول:
محمود درويش
سلاما/توفيق الزياد
سلاما/يا فدوى الطوقان
سلاما/يا من تبرون على الأضلاع الأقلام
/نتعلم منكم،كيف نفجر في الكلمات الألغام
/شعراء الأرض المحتلة
ما زال دراويش الكلمة/في الشرق،يكشون حماما/يحسون الشاي الأخضر
يجترون الأحلاما
/لو أن الشعراء لدينا
/يقفون أمام قصائدكم/لبدوا
أقزاما
أقزاما
ثم يقول:
مازلنا منذ حزيران
نحن الكتاب /نتمطى فوق وسائدنا /نلهو بالصرف وبالاعراب /يطأ الارهاب جماجمنا /ونقبل أقدام الارهاب / نركب أحصنة من خشب /ونقاتل أشباحاً / وسراب
ثم يعود نزار فيصف لنا حالة العرب غير المكترثين لما يحصل ولما يفعله اليهود وكأن الأمر لايعنهم فهم مشغولون بأمورهم التافهة التي حجبت عيونهم عن ضوء الحقيقة المرة يقول:
في قصيدة جريمة شرف أمام المحاكم العربية :
مازال يكتب شعره العذري قيس /واليهود تسربوا لفراش ليلى العامرية /حتى كلاب الحيّ لم تنبح / ولم تطلق على الزاني رصاصة بندقية
ثم يعود في نفس القصيدة ويصف لنا حالة العرب وشعور الناس بعد القصف الذي طال مدنهم ولم يبق على شيخ ولاطفل ولاامرأة والكل غير مكترث
الشمس تشرق مرة أخرى
/ وعمال النظافة يجمعون أصابع الموتى
/ وألعاب الصغار / الشمس تشرق مرة أخرى
/ وذاكرة المدائن مثل ذاكرة البغايا والبحار /الشمس تشرق مرة أخرى /وتمتلئ المقاهي مرة أخرى /ويحتدم الحوار/
فنزار لم يترك مدينة عربية منكوبة إلا وأرسل لها من عذب أشعاره يرثيها ويشجب كل من تقاعس في الدفاع عنها يقول عن القدس :
ياقدس يا منارة الشرائع /ياطفلة جميلة محروقة الأصابع / حزينة عيناك يامدينة البتول /ياواحة ظليلة مرّ بها الرسول /حزينة مآذن الجوامع /حزينة حجارة الشوارع
/من يغسل الدماء عن حجارة الجدران ؟ /من ينقذ الانجيل ؟ / من ينقذ القرآن
ثم يخاطب بيروت بعد الحرب الأهلية يقول:
ياست الدنيا يابيروت /قومي من تحت الردم ،كزهرة لوز في نيسان
/ قومي من حزنك ان الثورة تولد من رحم الاحزان
/ قومي إكراماً للانسان /إنا أخطأنا يابيروت وجئنا نلتمس الغفران
!
أما قصيدة "المهرولون"والتي إنتقد فيها وشجب إتفاقية أوسلو عام 1995،فيقول فيها:
سقطت اخر جدران الحياء/ وفرحنا
ورقصنا
/تباركنا بتوقيع سلام الجبناء
/لم يعد يرعبنا شيء
ولا يخجلنا شيء/ فقد يبست فينا عروق الكبرياء/ ثم يمضي قائلا:
بعد خمسين سنة
/جلس الالاف على أرض الخراب
/ مالنا مأوى/ كالاف الكلاب!!
/ ما تفيد الهرولة؟/ عندما يبقى ضمير الشعب حيا/ كفتيل القنبلة/ لن تساوي كل توقيعات أوسلو
/ خردلة
!!!
وفي عامه الأخير قبل رحيله عام 1998
صرخ نزار قباني"متى يعلنون وفاة العرب؟" تللك القصيدة التي توقف عندها الكثيرون وصرخوا أو احتجوا وقالوا بأنها
تهزم الشعور القومي وتضرب الشموخ وتحطم الكبرياء الوطنية القومية
! في هذه القصيدة لا يكفر نزار العرب بل يراهم هم الذين يكفرون أنفسهم تكفيرا ضد
العروبة ويرى من خلال كلماتها خيانة التاريخ
ولا يرى نزار في كلمات تلك القصيدة بأنه قطع علاقة العرب بالعصر الحديث فهو يرى أنه لا علاقة لهم بهذا العصر
من الأساس
! فعلا إن كلمات هذه القصيدة كلمات لا تعرف الرحمة:
أنا منذ خمسين عاما/ أراقب حال العرب/ وهم يرعدون،ولا يمطرون
/وهم يدخلون الحروب ولا يخرجون
/وهم يعلكون جلود البلاغة علكا / ولا يهضمون
ثم يمضي قائلا:
أنا منذ خمسين عاما / أحاول رسم بلاد / تسمى"مجازا"بلاد العرب
أنا بعد خمسين عاما / أحاول تسجيل ما قد رأيت
/ رأيت شعوبا تظن بأن رجال المباحث/ أمر من الله
مثل الصداع
ومثل الزكام
/ ومثل الجذام
ومثل الجرب
/ رأيت العروبة معروضة في مزاد الأثاث القديم
/ ولكنني
ما رأيت العرب
!
ولكن رغم هذه الاشعار الرائعة التي وبخّ فيها العرب الذين تقاعسوا عن رد العدوان إلا أن الأمل كان حاضراً أيضاً في قصائده يقول قائلاً :
ياآل اسرائيل ،لايأخذكم الغرور / عقارب الساعة إن توقفت / لابد أن تدور / إن اغتصاب الأرض لايخفينا /فالريش قد يسقط من أجنحة النسور /والعطش الطويل لايخيفنا /فالماء يبقى دائماً في باطن الصخور / هزمتهم الجيوش إلا أنكم لم تهزموا الشعور /قطعتهم الأشجار من رؤوسها /وظلّت الجذور
وأخيراً يتحدى نزار اليهود بالرجال والنساء والأطفال الفلسطينيين وبأنهم سوف يخرجونهم من كل مكان ليقاتلوهم ويطردوهم من الأراضي الفلسطينية يقول :
رجالنا يأتون دون موعد /في غضب الرعد وزخات المطر /يأتون في عباءة الرسول / أو سيف عمر /نساؤنا
/يرسمن أحزان فلسطين على دمع الشجر / يقبرن أطفال فلسطين بوجدان البشر /نساؤنا /يحملن أحجار فلسطين الى أرض القمر :
ولعل أجمل بيت قاله نزار في هذا الخصوص:
كل ليمونة ستنجب طفلاً/ ومحال أن ينتهي الليمون
!
أخيراً نقول: لقد استطاع نزار أن يعبّر عن وجدان كل مواطن عربي يبحث عن الحرية وأن ينقل لنا بشعره وضع الأمة العربية آنذاك وذلك رداً على من يقول أن نزاراً شاعر المرأة فقط
؟!
ايها الشاعر العظيم: لو ما زلت حيا بيننا في هذه الأيام ورأيت الى اين وصلنا لكتبت الكثير الكثير عنا
ولكن ومن ناحية اخرى احسدك ويحسدك الكثيرون لأنك لم تخسر شيئا بل قد فزت فوزا عظيما
!
* لقد تم الرجوع لبعض المصادر في اعداد هذه القراءة
- القدس-