* ليس سرا أن تشكيل لجنة المبادرة العربية الدرزية لم يأتِ من فراغ
هناك أهمية قصوى لتقوية الوحدة النضالية المبدأية والمجربة والمعهودة
* كل نشاطات لجنة المبادرة العربية الدرزية , منذ تأسيسها وحتى اليوم تمحورت حول وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف والثوابت
عندما قررت أوروبا الاستعمارية وقبل قرنين من الزمن أن تمنع تطور العالمين العربي والإسلامي , خدمة لمطامعها ومصالحها في العالمين العربي والإسلامي , وعن طريق فصل المشرق العربي عن أخيه المغرب العربي , في سبيل منع تطور ووحدة هادان العالمان , كلٍ على حِدة وسويا , لما ممكن أن يسببه هذا التواصل وهذه الوحدة من ضرب لمصالحهم , حيث كان تقدير قيادات المستعمرين العلمية والسياسية والاقتصادية أن العالم العربي بالعوامل الموحدة له : حضارته وقوميته ودينه وتاريخه ولغته وجغرافيته وموقعه , وبحكم امتداده الطبيعي وبحكم هذه المركبات أو غالبيتها عنده كل الفرص لمد هذه الوحدة مع العالم الإسلامي , وبالنسبة للغرب ما هذا إلا كابوس ممكن أن يُخرِّب على هؤلاء المستعمرين والطامعين بخيرات شعوبنا وبلادنا مشاريع أطماعهم . هذه الرؤيا الاستعمارية أتت لنا بما قررته في حينه هذه الدول بأن تجمع كلمتها على تنفيذ مشروع الفصل المخطط له هذا والذي هدفه إعاقة عملية التوحّد والتطور المطلوبة لنا والمُضِرة لهم وعن طريق احتلال بلدنا فلسطين وزرع جسم غريب عنا وقريب منهم فيها , وجاء لاحقا اختيار الحركة الصهيونية كتحصيل حاصل وآلية لتنفيذ هذا المشروع الاستعماري الاحتلالي الإستيلائي الغاصب , وفي هذا السياق وُظِّفت كل الطاقات الفكرية والمادية والموارد لإنجاح هذا المشروع وتم محورتها كلها حول المقولة الكاذبة والمُزيِّفة والخادعة " أرض بلا شعب لشعب بلا أرض " , والنهج الأكثر نجاعة بالنسبة لهم كان وما زال سياسة "فرق ( أهل الوطن ) تسد (عليهم ) " وعن طريق توظيف كل أنواع التفرقة وصناعة التشرذم وزرع الفتن والفرقة والوهن إن كانت الطائفية أو الإقليمية أو العائلية أو غيرها والتي كلها مُضِرّة ومقيتة . نذكر هذه الحقائق لنشير إلى السياق التاريخي الذي سبب لنا النكبة والنكسة والنيل من حقوقنا ونكد وما زال ينكد حياتنا , وشكّل وما زال يُشكِّل الخطر على مستقبل وجودنا على تراب وطنا الذي لا وطن لنا سواه . ومن أنجع الآليات التفريقية الانشقاقية والتوهينية التي مارستها الصهيونية وبعد نجاح المستعمرين بزرعها في جسد وطنا وشعبنا وشرقنا وعالمنا الإسلامي هي مأساة فرض التجنيد العسكري الإجباري المفروض على الشباب العرب الدروز , الأمر الذي خلق وبحكم التطور وجوهر الديالكتيك حالة الرفض لهذه الممارسة الحكومية الرسمية المفروضة المرفوضة , ويأتي مؤتمر لجنة المبادرة العربية الدرزية السابع والمزمع عقده في أواسط شهر أيار القادم ليشكل قفزة نوعية مميزة في تاريخ هذا الصراع الفرعي والهام والمنبثق عن الصراع الأكبر , ولكنه جزء هام منه , بين الحق (حقنا) والباطل (باطلهم) وبين مشاريع التفرقة والتجزئة الصهيونية وبين المشروع الوطني الوحدوي الفلسطيني , ليكون المؤتمر المناسبة بأن نقول ما يجب قوله ولنعمل ما هو ضروري ومفيد عمله ومن خلال تبني المؤتمر والعمل المدروس والمنظم والناجع لإنجاحه .
إنجازات اللجنة
• ليس سرا أن تشكيل لجنة المبادرة العربية الدرزية لم يأتِ من فراغ , لأن رفض المقولات والممارسات والمشاريع الصهيونية الهادفة لجعل العرب عربين وأكثر كانت كل الوقت , قبل عام النكبة في ال-48 وبعد فرض التجنيد الإجباري على الشباب العرب الدروز في ال-56 وحتى يومنا هذا , وأخذت أشكالا مختلفة صنعتها الظروف عامة , مثلا في 1956 وقّع 16 شخصا من ما أسماهم هيلل كوهين " العرب الصالحون" على الموافقة على التجنيد الإجباري , هذا بينما وقع ضده وفي مواجهته 1214 شخصا وهم السواد الأعظم من العرب الدروز وقياداتهم الدينية والسياسية , في حينه كان عدد السكان الدروز حوالي العشرين ألفا , وإذا حسبنا عدد الرجال المعيلين ( بدون المعيلات) منهم والذي كان حوالي ال-1666 , وقّع منهم كمؤيدين للتجنيد 16 أي أقل من 1% وضده وقّعوا 1214 أي حوالي 73% ليبقى 26% ممن نعتبرهم محايدين ولم يشاركوا في هذا الصراع المرير , السلطة الإسرائيلية وظفت ال-16 توقيع لفرض سياستها التفريقية ورفضت رأي الأكثرية الساحقة الرافضة لمشاريعها , وليس صدفة وهذه سياسة معهودة لدى هذه السلطة , ولكي نعرف السبب الذي دفع المؤسسة الصهيونية لعمل هذا الأمر المنافي لأصول الديمقراطية التي يتبجحون بأنهم عنوانها , وليبطُل العجب , ممكن الاستعانة بما جاء في كتاب هيلل كوهن " العرب الصالحون " عن الهدف من إقامة وحدة الأقليات في الجيش الإسرائيلي : " الغاية الأهم ( لفرقة الأقليات) هي تقريب الطائفة الدرزية منا وربطها بنا وإفساد العلاقة بين الدروز والمسلمين في البلاد وزعزعة الثقة بالدروز في الخارج " ( وثيقة عن فرقة الأقليات) . في حينه ولتبرير جريمة التجنيد الإجباري وتحبيبها على الناس كانت المقولة السلطوية الأساسية أن التجنيد كواجب سيعطي ويوفر الحقوق والمحافظة على المصالح بما فيه الأرض بصفتها عامة وبصفتها الركيزة الإقتصادية لقرانا خاصة , وفقط الحزب الشيوعي في حينه ( في الخمسينات من القرن الماضي والمبادر لتشكيل اللجنة والراعي لها كل الوقت ) ولجنة المبادرة العربية الدرزية (في السبعينات وسويا مع الحزب ) والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة (في الثمانينات وسويا مع الحزب واللجنة) كانوا المستفردين في فضح هذا الإدعاء الزائف , ودعوا كل على إنفراد وسويا الى رفض التجنيد الإجباري ووقف مصادرة الأراضي وإرجاع ما صودر منها ( 82,5%من أراضينا صودرت) وعدم تدخل السلطة في الشؤون الدينية والقومية للعرب الدروز والجنوح نحو السلام العادل والشامل كحل لقضايانا كعرب , وكل نشاطات لجنة المبادرة العربية الدرزية , منذ تأسيسها وحتى اليوم تمحورت حول وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف والثوابت وبتعاون كل الوطنيين والتقدميين في كل مكان وزمان , وخاصة بين ومع باقي أبناء شعبنا العربي الفلسطيني , ونجحت اللجنة وبهذه المواقف الواضحة والثابتة والممارسة المثابرة الثورية الوطنية التقدمية أن تُثَبِّت البوصلة الوطنية لهذه الشريحة الفلسطينية العربية الإسلامية , وما زالت , واليوم مشروع الشرذمة في تراجع والمشروع الوحدوي والوطني في تظافر وصعود .. وفي نظري هذا أهم إنجاز للجنة ولشعبنا الفلسطيني .
• سجلت لجنة المبادرة النجاح الباهر في الإسهام الهام والمفصلي مع آخرين في معالجة القضايا المستعصية في مجال الأرض والمسكن والأمثلة كثيرة ونذكر عينات منها : في زابود بيت جن وتيفن يانوح-جث ومنصورة عسفيا وأم شقف الدالية وغيرهم في كل حالة وموقع , وفي السياق القطري لهذا النضال فإن اللجنة كانت من مؤسسي لجنة الدفاع عن الأرض القطرية والتي أسست للإعلان عن يوم الأرض الخالد عام 1976, حيث أصبحت اللجنة العنوان للنضال الثائر على الظلم الذي لحقنا نضال مبني على الرؤيا الصادقة والعادلة والدقيقة والواقعية والمقاومة والإرادة العصية على الكسر والاندحار , خاصة في زمن الرِّدة الرديء الذي نعيشه .
• في مجال مكافحة التجنيد الذي جلب علينا كل المآسي , وبعده والآن ظاهرة التجنُد الطوعي لدا باقي طوائف شعبنا , المُستهجنة والغريبة والمُتزايدة , حيث أصبحت نسبة المجندين الدروز من عامة العرب الذين يخدمون في صفوف قوات الأمن الإسرائيلية فقط 8%..؟! رغم أن نسبتهم من بين العرب 8,9% , كانت اللجنة هي المبادرة ولها الدور الأساسي في تأسيس " الهيئة القطرية لمقاومة التجنيد والتجند" والمنبثقة عن لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية ومقرها في بيت جن .
• في مجال وحدة أبناء الشعب الفلسطيني والقوى الوطنية أسهمت اللجنة إسهاما مثبوتا وجوهريا في تقوية اللحمة الوطنية النضالية والتقدمية , في الداخل وفي المناطق المحتلة في الضفة والقطاع والجولان السوري المحتل وفي كل مكان , وأصبحت مثلا ونبراسا في ترسيخ هذه الوحدة وتمتين أسسها ورفع منسوبها وبالحجم الموازي .
• خاضت اللجنة المنازلة الإعلامية والتي فيها عملت السلطة الاسرائيلية بكل قواها لزرع الوهن والضعف والفرقة والتشويه والتضليل والتي لحقت الطائفة المعروفية الفلسطينية أذى حقيقي منها , إذ صورتها بعكس حقيقتها وتاريخها وجوهرها , وفي هذا السياق وتوظيفا لتكريس التشويه والصورة التي يريدونها للشعب الفلسطيني وللطائفة , خلقوا لنا "رياضيات للدروز..وانجليزي للدروز .. وتراث للدروز ..وتاريخ للدروز .. ومدنيات للدروز.. وعربي للدروز وبغروت للدروز.. " , وبعدها " قومية درزية اسرائيلية صهيونية للدروز" ؟!!, وهذه الماكنة الاعلامية المُعصرنة هي التي بثت في حينه فرية رئيس الدولة يتسحاق نافون والذي ادعى ان الذين قتلوا العمال الفلسطينين , والذين قتلهم فجر الانتفاضة الأولى عام 1987 : " هم جنود برابرة دروز" ؟! , كل هذا ضرّ بالدروز أولا وبالتالي ضرّ كل أبناء الشعب الفلسطيني , اللجنة ورغم الإمكانيات الذاتية الوحيدة المتوفرة , القليلة والشحيحة والتي وفرناها بشق الأنفس , بها نازلنا الإعلام الغربي والصهيوني والرجعي العربي والذين كانوا كل الوقت مجندين وموحدين ومنظمين لصالح مشروع القلع الصهيوني وكل ما يساعده من عمليات تفتيت وتفسيخ وتوهين , مقابل الحاجة لتقوية وحدتنا النضالية المقاومة . في هذا السياق اصدرت اللجنة اكثر من 50 نشرة وكتاب , أكثر من 600 منشور والاف الأخبار عن نشاطاتها وعن الاف الرافضين الذين قبعوا في السجون بسبب رفضهم الخدمة العسكرية , ومن الرموز والذين اسهموا في سجالات هذه المنازلة المفصلية والأساسية : المرحوم الشيخ فرهود فرهود والمرحوم عاصم الخطيب ومحمد نفاع وسميح القاسم ونايف سليم وسلمان ناطور ونمر نمر وامين خيرالدين وكمال كيوف وشفيق زاهر وتركي عامر وسهيل قبلان وسلمان مرزوق ومفيد قويقس وجمال معدي وهادي زاهر وجهاد سعد وسعيد سلامة ومهدي سعد وهشام نفاع وسامر سويد ويوسف سويد ومفيد مهنا وكمال ملحم وأسامة ملحم وعدنان طرابشه وعاطف معدي ورباح حلبي ومرزوق حلبي وعبدالله ابومعروف وآخرون من المعروفيين ( العذر لمن تعذر ذكر اسمه ) , وإذا نسينا فلن ننسى مساهمة الحزب الشيوعي بكل كوادره ومؤسساته واعلامه ورموزه ومنهم المرحومين وطيبي الذكر اميل توما واميل حبيبي وتوفيق زياد وماير فلنر واحمد سعد وجمال موسى عدا عن الآخرين من توفيق طوبي ونمر مرقس ويوسف فرح وفتحي فوراني ومفيد صيداوي وتيسير اغبارية ومريد فريد وعفو اغبارية ومحمد بركة وغيرهم الكثيرين ولاحقا الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والتي لجنة المبادرة إحدى مركباتها , واليوم تقريبا كل وسائل الإعلام العربية من كل العرب والصنارة وبانوراما ونيوزبلوس والحقيقة ومع الحدث والبيدر وغيرهم يسهمون إسهاما ملموسا في هذه المنازلة الهامة , كانت المنازلة تحوي الخبر والنشرة والكتاب والدراسة والقصة والشعر والنحت والتمثيل والخطاب والإجتماع وكل أنواع التواصل والإعلام , هذه المنازلة الاعلامية كانت غير متوازنة , إلا أن صوت الحق دائما أقوى من صوت الباطل , الأمر الذي مكّن اللجنة ومؤيديها من الصمود وتثبيت الصورة على الوجه الوطني الناصع لهذه الشريحة الفلسطينية , ويأتي المؤتمر اليوم ليُقَيِّم من جديد فرص تعزيز امكانيات اللجنة لكي نصل الى الهدف المنشود بالغاء التجنيد الإجباري .
• هناك مجال آخر أبدعت فيه اللجنة ومن الضروري الإشارة اليه والإستفادة منه . في العمل الثوري كما حالة اللجنة هناك تجاذب طبيعي بين أمرين , المبدأية مقابل المرونة الثورية . اللجنة ومن وجهة نظر ثاقبة تمسكت كل الوقت بثوابتها وبدون تراجع ولو قيد أنملة , إلا أنه وحين عصفت بها الأحداث , والعاصفة السياسية كانت ملازمة لنشاطنا كل الوقت , تعاملت مع التطورات بمرونة ثورية مميزة , ودائما ثبتت البوصلة نحو العدو وفكره وممارسته المعادين , ونجحت في تجنب الحساسيات مع أشخاص وفئات وأفكار وممارسات كل الذين خالفوا أو لم يسهموا أكثر في التقدم بأهداف اللجنة وثوابتها , والأمثلة كثيرة ولا مجال وغير مجدي الدخول بتفاصيلها .
• نجحت اللجنة في التواصل والتعاون مع كل الأطر التقدمية في الناحية اليهودية والتي ترفض التجنيد من منطلقاتهم الإنسانية والتقدمية وكذلك التواصل مع رافضي الخدمة العسكرية في الولايات المتحدة , وهذا الأمر أعطى اللجنة البعد الدولي الضروري والمساعد لعمل ثوري ووطني وتقدمي كهذا .
الخلاصة
يأتي المؤتمر في ظرف دقيق ومُميز , خاصة حالة الإنقسام المقيت والمُضِّر داخل شعبنا الفلسطيني والذي دعونا وندعو اليوم الى تجاوزه والعودة الى الثوابت الفلسطينية وحالا , وايضا حالة "التعداد الكبير والمثير" إن صح التعبير داخل القوى الوطنية داخل الطائفة العربية الدرزية , وسويا تعالوا نذكر فقط أسماء هذه الأطر عدا اللجنة : ميثاق المعروفيين الأحرار بشقيه , لجنة التواصل الدرزية عرب ال-48 بشقيها , جمعية المبادرة المستقلة , الحزب القومي العربي , الحزب التقدمي الإشتراكي , الجمعية لتطوير الحضارة العربية . ومع لجنة المبادرة هناك 9 أطر , مش بطّال , هذه الحالات والأهم كون السلطة الإسرائيلية تُصعد وبدون لف ولا دوران دعوتها العلنية ل- " تهويد الدولة" , دعوة مدعومة من كل قوى الشر في العالم وعلى رأسهم الويلات المتحدة الأمريكية , ولما لهذه الدعوة من إسقاطات خطيرة ليس على الصمود فقط وإنما على الوجود , وجودنا , لذلك هناك أهمية قصوى لتقوية الوحدة النضالية المبدأية والمجربة والمعهودة , لما للأمر من أهمية ومصلحة على كل المستويات , بما فيها الوطني والمعروفي والفئوي وحتى الشخصي لكل فرد وفرد من شعبنا الفلسطيني , وفي هذا السياق وسياق مؤتمر اللجنة ولكونها هي الأقدم والأكبر والتي لها الخبرة والمجربة والأكثر مبدأية , فأن استمرار وجودها وتقويته هو الضمانة الوحيدة لوقف عملية توزيع الطاقات هذه وبهذا الشكل , رغم محدودية هذه الطاقات وقلتها . لذلك تقع على عاتق الجميع وبدون استثناء مسؤولية الخروج من هذه الحالة الأليمة وفقط المؤتمر يمكن ان يوفرها , وليس عن طريق إلغاء الآخرين وإنما عن طريق تثبيت وتقوية اللجنة وتجديد شبابها وتقوية تنظيمها لتكون بمثابة القوة الجاذبة والحصن الحصين لتحصين وتثبيت الثوابت والإستمرار في رفع شعلة رفض التجنيد والتجند وباقي الثوابت , لذلك الجميع مدعوون الى تبني والمشاركة في إنجاح هذا المؤتمر , وكل مؤتمر وفعالية وطنية وشعبنا وأمتنا وعالمنا بخير .