- الشيخ حمّاد أبو دعابس في مقاله:
* القتل جريمة تحرّمها جميع الديانات السماويّة ،والقوانين الارضيّة
* نحن نكرِّر ونقول ونذكِّر إنّ فعلة متهورٍ واحدٍ تُشغل شعباً بأكمله ، تُحرجه وتُسيء اليه
* آن الاوان لكي يكون التعقُّل والحِلم والأناة والصبر والحكمة هي الحكم في خلافاتنا ، وهي الطريق لمحافظتنا على وحدة شعبنا
من اكبر مآسينا في الوسط العربي في البلاد هي قضايا القتل على خلفيات نزاعات عائليّة ، او جدل على امور تافهه
لا يكاد يخلو اسبوع واحد من خبر مقتل شاب عربي واحد او اكثر على خلفية تافه ، او مخزية ، وبايادي عربية ، غالبا ما تكون من نفس ابناء القرية او المدينة ولربما العشيرة او الحيّ والحارة
هذه الجرائم المتكرّرة باتت اداة تدمير وتفتيت لمجتمعنا العربيّ الذي يناضل من اجل بقائه متماسكاً ، محافظاً على ثوابته ، وعناصر بقائه على ارضه
الجميع يقرّ ويعترف بأنّ القتل جريمة تحرّمها جميع الديانات السماويّة ،والقوانين الارضيّة
والجميع ايضاً في المنشط والسَّعة يدين حوادث القتل على خلفيّات النّزاع والاقتتال الداخليّ
ولكنّ الامتحان الحقيقي يكون عندما ينشب الخلاف والنّزاع ، ويشتبك الاطراف ، ويبدأ العنف الكلاميّ ويتطوّر بعد ذلك الى العنف الجسديّ ، وتستخدم ادوات الضرب والايذاء وربما القتل
هنا يكون الامتحان ! من يتحكّم حينها بعقله واعصابه؟ ومن الذي يتهوّر ويستخدم السّلاح الحارّ او البارد ، فيوجّه ضربةً او طلقة قاتلة الى صدر خصمه من ابناء جلدته فيرديه قتيلا ؟ وتبدأ المأساة التي لا يعلم إلا الله عز وجل كيف تنتهي
هل تعلمون من البطل؟
هذا السؤال ، عند وقوع المشكلة ، وتفاقم الخلاف ، وارتفاع الاصوات ، واختلاط الحابل بالنّابل ، يكون سؤالا مصيريّاً ، والاجابة المباشرة على هذا السؤال نأخذها من صاحب الفم الشريف ، في الحديث النّبويّ المنسوب الى سيّد الخلق صلى الله علية وسلم :" ليس الشديد بالصُّرعة ، ولكنّ الشديد الذي يمتلك نفسه عند الغضب "
نعم
ليست البطولة ولا القوّة ، بان تصرع الرجال ، او تضربهم وتؤذيهم
ولكنّ البطولة في استخدام العقل والحكمة ، والتروّي والتبيُّن ، قبل التصرُّف ، وردّة الفعل
والقوّة الحقيقيّة تكون عندما تُحلّ خلافاتك ومشكلاتك ، دون أن تقع في مصيبةٍ اكبر ، تندم عليها طوال عمرك ، وتدفع ثمنها بضياع دنياك واخرتك
إنّ الرجل الحكيم ، وصاحب العقل والبصيرة ، يعيش عمره كلّه ، لا يحتاج الى إستخدام العنف اللفظيّ ولا الجسديّ مع أي شخص من ابناء جلدته
فإن سفه عليك احد النّاس او عابك وشتمك ، فخير الرّد عليه هو الإعراض عنه
والبطولة هنا تتجلّّى في ردّ الاساءة بالإحسان ، وتمثّل قول الله تعالى : " والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ، والله يحب المحسنين "
دعونا نأخذ نموذجاً لنتعلَّم منه
كثيراً ما يتكرّر الحدث في وسطنا العربيّ
احد الشباب يرتكب مخالفة سير مقصودة او غير مقصودة ، فيُغلق الشارع ويعيق حركة الاخرين
يغضب لذلك احد السائقين الذي تعوّق عن سيره لدقائق معدودات ، فينزل من مركبته ، يسبُّ ويشتم قبل ان يتبيّن او يسأل عن سبب ما جرى
فالطرف الاوّل بالطبع لا يتحمّل السبّ والشّتم فيردّ الصاع صاعين ، ترتفع الاصوات ويشتبك الاطراف ، وقد يصل الامر الى إستخدام الادوات الحادّة او السلاح ، أو أنّ النّزاع ينتقل الى ساحة اخرى وتنتهي بحادث قتل ، وربما جرّ القتل انتقاماً من احد افراد عائلة القاتل
ونسأل السؤال الوجيه ! ماذا استفاد القاتل وماذا خسر ؟
الرجل غضب لان الشارع أُغلق في وجهه
تصرّف بعصبيّة ، وربما شعر بإهانة ومسّ بكرامته ، لم يتمالك نفسه فوقع في جريمة نكراء هي قتل نفس زكيّة ظلماً وعدواناً
فأمّا السؤال عن الرِّبح ، فما ربح شيئا ، فلا هو وصل الى عنوانه او مقصده بسرعة ، ولا هو حقّق شيئاً
ولكن ما عواقب جريمة القتل ؟
حين يقتل القاتل ظلماً وعدواناً ,فأنّه بذلك يعرِّض نفسه بذلك لغضب الله وسخطه وعقابه والخلود في النّار ابداً
هذا ما ينتظره في الاخرة
أمّا في الدُّنيا فقد أجرم في حقّ نفسه وبحق مئات الآلاف من العرب والمسلمين :
1- جريمة بحق الله تعالى حين تقتل نفس خلقها الله وكرّمها
2- جريمة بحق المقتول الذي سفك دمه ظلماً وعدواناً
3- جريمة بحق اسرة القتيل والديه ، زوجته وابنائه ان كان له أُسرة
4- جريمة بحق اهله هو وذويه الذين سيتشرّدون ، ويرحلون عن بيوتهم ، فيخسرون اموالهم وديارهم وأمنهم وسمعتهم
5- جريمة بحق بلدته ، التي ستنشغل ليل نهار في مساعي تطويق الازمة فلجان الصلح ، والوجهاء والقيادات السياسيّة والشعبيّة ستضطرّ لبذل الجهود الكبيرة والمتواصلة لايجاد صيغة مقبولة ولو بعد أشهر او سنين
6- ثم هي جريمة بحق الشّعب والامّة ، فكثرة هذه الجرائم تعكّر الاجواء وتضرب معنويات الشّعب ، وتسيء الى سمعته وتفقده تعاطف الشّعوب الاخرى معه
فالخسائر تشمل الأرواح وهي الاغلى والاعزّ على الاطلاق
وتشمل الاموال ، فقد يقتتل اثنان بسبب الف دولار فيقتل احدهم الاخر فيخسر هو واسرته الملايين
والخسارة تشمل الاوقات والأعمار ، فهذا تُزهق روحُه ، وذاك يُؤبّد في السّجن ،والأُسرة تُشرّد وتتشتّت لسنين طوال
والخسارة تشمل دمار بيوت ،وشتات عائلات وربما طلاق زوجات ويُتم اطفال
ولا يعلم الّا الله اين وكيف ومتى تنتهي هذه المآسي
ايها الشباب ارحموا انفسكم وارحموا شعبكم !
ها قد خاطبناكم باللغة اليسيرة وباللهجة المفهومة بشكل مباشر بلا تعقيد ولا لفّ أو دوران
وها نحن نكرِّر ونقول ونذكِّر
إنّ فعلة متهورٍ واحدٍ تُشغل شعباً بأكمله ، تُحرجه وتُسيء اليه
وإن صمود قريةٍ أو عشيرةٍ طوال عشرات السنين أمام كل مخطّطات الترحيل والتّهجير ، قد يُدمّره شابٌّ واحدٌ حين يقتل اخر فيضطر اهله الى ترك ديارهم وأوطانهم فيتحقّق على يديّ القاتل ما لم يتحقّق على أيدي سلطات الاحتلال والقمع بمؤسساتها واذرعها المختلفة
لقد سئِمنا من اعمالٍ فردية ٍيقوم بها شخص لا يستشير ولا يفكّر في العواقب ثمّ يدفع شعبٌ باكملِه الثمن نتيجة لفعلته
فمتى سنبلغ من الرُّقيّ والحضارةِ بحيث نتصرّف بعقولنا وبصائرنا ، بالحكمة والعقل بدل الطيش ، وردات الفعل
واخيراً الوصيّة الخالدة : لا تغضب
إنّ الحديث العظيم الذي يحدِّث عن رجل جاء الى النّبي صلّى الله عليه وسلّم يقول له يا رسول الله أوصني ، فقال عليه الصّلاة والسّلام : " لا تغضب" فكرّر مرارا "لا تغضب"
إنّها وصيةٌ لرجلٍ وهي كذلك منهج حياة لشعبٍ وامةٍ
ايتها الأمّة الإسلاميّة لا يكوننّ تصرفكم ناتج عن غضب شخص من الاشخاص لنفسه او مصلحته او حميّته لقد سئمنا من الاخبار عن رجل يغضب لامر تافه ، فتتحرّك عصبيته ويتناحر العشرات فيقتتلون، فتُسفك الدماء وتهدر الاموال وتشرّد الأُسر
وتتدخّل الشّرطة والمحاكم والمستشفيات ورجال الاصلاح والآف المُعَزِّين
والصّحافة وإلاعلام في ذلك بسبب تصرُّف في ساعة غضب
آن الاوان لكي يكون التعقُّل والحِلم والأناة والصبر والحكمة هي الحكم في خلافاتنا ، وهي الطريق لمحافظتنا على وحدة شعبنا
فلنتراحم ولنتعاون على البرّ والتّقوى ، ولنتقِ الله تعالى في انفسنا واهلينا وشعبنا وأُمّتنا ، فنُجنّبهم جميعاً نتائج الاعمال الطائشة والجرائم التي لا مُبرِّر لها
والله غالب على أمرِه