- الشيخ حمّاد أبو دعابس :
* القضاء الإسرائيلي يمارس العنصريّة جهاراً نهاراً
* جاءت أحداث مدرسة البنات المتدينات في مستوطنة عمانوئيل لتؤكّد العنصريّة
* الأحزاب العربيّة ما تزال ترفع على أجندتها برنامج المساواة بين الوسطين العربي واليهوديّ
* استمرار النهج العنصريّ للحكومة الإسرائيلية وأجهزة الدولة التشريعيّة والقضائيّة والتنفيذيّة، سيزيد من عزلة إسرائيل في العالم
المشاهد والممارسات العنصريّة التي تصدر عن الساسة والمتنفذين وعامّة الشعب في إسرائيل، هي أمر مقلق ومثير للاشمئزاز. وينبغي أن يكون أكثر ما ينزعج منه ويخشى عواقبه هم قادة هذه الدولة، وراسمو سياساتها. أنها عنصرية في كل محفل من محافل الحياة من البستان( الروضة) حتى البرلمان. وإذا كانت الكنيست التي تعتبر المجلس التشريعي لإسرائيل تسنُّ كل يوم وتصادق كل أسبوع على قوانين عنصريّة، يُستهدف بها العرب بشكل عنصريّ مقيت، فكيف ستكون إذا مواقف الشارع الإسرائيلي الذي يتشرّب العنصريّة ساعة فساعة؟
القضاء الإسرائيلي يمارس العنصريّة جهاراً نهاراً . فاليهوديّ الذي يقتل عربيّاً يتمّ عرضه للفحص الطبيّ النفسيّ، وغالباً ما يقدم هذا الفحص غطاءً قانونياً يحول دون تقديمه للمحاكمة، أو يدعو إلى تخفيف الحكم عنه. العربيّ الذي يبني بيته دون ترخيص يتعرّض بيته للهدم، وبالمقابل فإنّ آلاف البيوت في المدن الإسرائيلية والمستوطنات غير القانونيّة، يتم صرف النظر عنها . كل هذه الأمثلة وغيرها الكثير، هي من باب الكيل بمكيالين وأكثر.
الاعلام الاسرائيلي حدث ولا حرج
أما وسائل الإعلام العبريّة فحدّث فيها ولا حرج، فهي تبثّ يوميّاً سموم العنصريّة والتحريض ضد كل ما هو عربيّ. تركّز على المواقف السلبيّة، فتضخّمها لكي تشوّه صورة الإنسان العربيّ في أعين المشاهد وآذان السامع الإسرائيليّ. فقضيّة النواب المقدسيين المهدّدين بالإبعاد عن بيوتهم ومدينتهم القدس المحتلّة، فهي صورة واضحة لممارسة عنصريّة ليس لها مثيل في العالم بأسره. أُناس يقطنون في مدينة أجدادهم وبيوتهم وبيوت آبائهم. طرأ عليهم الاحتلال ولم يطرأوا هم عليه ، يقرر الاحتلال بأجهزته التشريعيّة والقضائيّة والسياسيّة والإعلاميّة أنّ مكوثهم في بيوتهم ومدينتهم مخالف للقانون الإسرائيليّ المُستحدث وعليهم أن يغادروا . أبواق الإعلام تسوّق القرارات، وردود فعل الشّارع الإسرائيليّ تقطر عنصريّة وحقداً، لمجرد أن القيادة السياسيّة قرّرت ، القضاء الإسرائيليّ صادق والإعلام الإسرائيليّ نعق والشرطة على أهبة الاستعداد لتنفيذ هذه الأوامر. في هذه الأجواء لا يكاد يجرؤ أي إسرائيليّ على مناقشة ودحض هذه الافتراءات وردّ هذه المظالم. فالشّارع الإسرائيليّ كلُّه معبّأ بالعنصريّة ووسائله الهجوميّة جاهزة للانقضاض على كل عربيّ تستهدفه هذه السلطات.
ولكنّ النار تأكل بعضها إن لم تجدُ ما تأكلُه. ولطالما انقلب السحر على الساحر. فقد جاءت أحداث مدرسة البنات المتدينات في مستوطنة عمانوئيل لتؤكّد أن العنصريّة داخل مركّبات المجتمع الإسرائيلي ليست أقلّ خطورة منها ضدّ العرب. فذووا البنات من اصل غربيّ( اشكنازيّ) لم يرق لهم ، ولم يقبلوا بتاتاً أن تتعايش بناتهم في نفس المدرسة مع البنات من اصل شرقيّ(سفرديم)، مع أنّ كليهما من توجهات دينيّة معروفة.
وتماما هو الحال مع الحركة الصهيونيّة التي قامت أول ما قامت في أوروبا ،وكانت وما تزال ترى في الجمهور اليهوديّ من اصل غربيّ أفضليّة واستعلاء مع اليهود الشرقيين ، بل شككت لعقود طويلة في إمكانية انخراطهم في المشروع الصهيونيّ. ولذلك فإنّه باعتراف الأمم المتحدة ، وباعتراف أكاديميين غربيين وشرقيين ويهود أيضا يؤكد لهؤلاء جميعاً أن الحركة الصهيونيّة هي حركة عنصريّة محضة، ومثلها كذلك المؤسسات المنبثقة عنها: الوكالة اليهوديّة،الصندوق القومي(الكيرن كييمت لإسرائيل) وغيرها...
المستوطنون في الضفة الغربيّة ، واليهود القادمون من الولايات المتحدة يظهرون كل يوم بمظاهر العنصريّة المقيتة في تصرفاتهم وتصريحاتهم. الاعتداء على حرمة المساجد، ومزارع العرب وأشجار الزيتون. وإعمال الزعرنة في القدس والخليل وقضاء نابلس. كلُّها مشاهد وممارسات يوميّة لحالة الزحف العنصريّ الذي يكتسح كلّ شيء في هذه البلاد.
ارتفاع في قوّة الأحزاب العنصريّة
يُضاف إلى كل هذا الارتفاع الكبير في قوّة الأحزاب العنصريّة. فكلُّ حزب يميني يرفع شعارات صارمة وعنصريّة واضحة ضد العرب يفوز بمزيد من المقاعد ، وتتضاعف قوّته البرلمانيّة. وليبرمان وحزبه "إسرائيل بيتنا " خير دليل على ذلك. ومن قبله أصحاب شعارات الترانسفير والترحيل للعرب،والآن شعارات مبادلة الأرض والسكان، لكي تكون إسرائيل دولة يهوديّة خالصة ولو كلّف الأمر إعادة التهجير ألقسري للفلسطينيين من ديارهم. هذا الأمر الذي سيفضّل العرب الموت عليه ولن يقبلوا بالتهجير والتشريد مرّة أُخرى مهما كلّف ذلك من ثمن.
إنها إذا العنصريّة التي تتجلّى في كل مكان، ويبديها كلّ ميدان . ففي الميزانيات الممنوحة للسلطات المحليّة، وفي الخدمات التعليميّة والصحيّة والاجتماعيّة حدِّث ولا حرج عن الفوارق الواضحة، والتمييز الواضح على الأساس العنصريّ. ويكفي تلخيصا لكل ذلك أنّ الأحزاب العربيّة ما تزال ترفع على أجندتها برنامج " المساواة"بين الوسطين العربي واليهوديّ. هذه المساواة التي لم تتحقّق طوال أكثر من ستة عقود من عمر الدولة بل يبدو وكأنها تبتعد يوماً بعد يوم وتبدو شبه مستحيلة.
فما هي النتائج الوخيمة لاستمرار تفشي العنصريّة في إسرائيل؟
أولا: إسرائيل التي تسمي نفسها دولة يهوديّة ديمقراطيّة، تسفر كلّ يوم عن وجهٍ قبيح، عنصريّ مقيت. يطعن في ديمقراطيتها . فيه ترسيخ للفوارق العنصريّة ، وتفاوت واضح في تصرف الأجهزة الأمنية والقضائية والخدماتيّة بين السكان على أساس عنصريٍّ. فاليهوديّ بريء حتّى تثبت إدانته، والعربيّ متهم حتّى تثبت براءته.
ثانياّ: تنامي مظاهر العداء بين الشعبين اليهوديّ والعربيّ في البلاد أمر يجب أن يضيء ضوءاً احمراً لدى السلطات . ويجب أن تكون ردّة الفعل من خلال وقف هذا المدّ العنصري . ووقف الوقود الذي يغذّيه . وذلك من خلال سياسةٍ عامّةٍ للدولة، تقرّر فيها إيقاف عجلة القوانين العنصريّة، والأحكام العنصريّة والصحافة العنصريّة.
ثالثاً: إنّ استمرار النهج العنصريّ للحكومة الإسرائيلية وأجهزة الدولة التشريعيّة والقضائيّة والتنفيذيّة، سيزيد من عزلة إسرائيل في العالم . ولا أظن أن استمرار اعتماد إسرائيل على الدعم الأمريكيّ اللامحدود سيغنيها عن الصورة السلبيّة التي ترتسم لها في العالم.
إنّ إسرائيل على وشك أن تُعرَّف عالميّاً بدولة " الابرتهايد" أي التمييز العنصريّ الأوضح والأبرز في عالمنا المعاصر. وإن لم تتدارك نفسها ستجد العالم كلّه حتماً ضدّها . ولا بدّ حينها ان موازين كثيرة وسياسات كثيرة ستتغيّر ليست في صالح إسرائيل . وعندها سيصدق فيها المثل القائل: على نفسها جنت براقش.
والله غالب على أمره