الأكثر قراءةهذا الأسبوع
آخر تعديل: الجمعة 15 / نوفمبر 02:01

فرنسا ساركوزي: حاضنة الحرّية أم ملاذ الطغاة؟ - بقلم: صبحي حديدي

كل العرب
نُشر: 17/07/10 15:10,  حُتلن: 15:11

- صبحي حديدي في مقاله:

*  العدالة تعني توفير فرص النجاح ذاتها لكلّ طفل فقير في العالم

* التبشير بأركان العالم الورديّ الجميل العادل هذا، كان ساركوزي قد طالب بـصفقة جديدة

* نبش بعض دفاتر ماضي فرنسا الأفريقي ليس سوى الجولة الأحدث في رياضة ساركوزي الأثيرة

* الأمم المتحدة تجسّد ما هو كوني في كلّ الإيديولوجيات، وكلّ الأديان، وكلّ العقائد، ولهذا فإنها المكان الوحيد في العالم حيث يستطيع جميع الناس التحادث فيما بينهم

كما شاء الرئيس الفرنسي دعوة عدد من رؤوس أنظمة الإستبداد والفساد المتوسطية للمشاركة في العرض العسكري الخاص بعيد الثورة الفرنسية، قبل سنتين، في قلب باريس، بمناسبة مؤتمر الإتحاد المتوسطي كما سارت الذريعة؛ فإنه بالأمس شاء دعوة عدد من أنظمة الإستبداد والفساد الأفريقية، للمشاركة في المناسبة ذاتها، بذريعة الاحتفاء بالذكرى الخمسين لاستقلال هذه الدول/ المستعمرات الفرنسية السابقة. وفي الأمر مهانة فرنسية، مزدوجة في الواقع، للشعوب التي يحكمها، وينهبها، هؤلاء: ليست عاصمة الدولة المستعمِرة، سابقاً، هي المكان الأفضل للاحتفاء بالذكرى الخمسين للإستقلال، من جانب أوّل؛ وليس في هذا التوقيت بالذات، حين تحتفل الإنسانية جمعاء، وليس فرنسا وحدها، بعيد سقوط واحد من أبغض رموز الإستبداد: سجن الباستيل.

مهانة مزدوجة
غير أنّ اليمين الحاكم في فرنسا شاء، من جانبه، إضافة بُعد آخر على المهانة المزدوجة تلك، حين أقرّت الجمعية الوطنية، برلمان فرنسا، مشروع قانون يحظر على المحاكم الفرنسية قبول دعاوى ضدّ مجرمي الحرب، إلا إذا كانوا يحملون الجنسية الفرنسية، أو كانت الجرائم المنسوبة إليهم قد ارتُكبت على الأراضي الفرنسية. وهذا قانون مخزٍ حقاً، ويشكل ارتداداً صريحاً وفاضحاً عن تشريعات فرنسية سابقة، كما أنه يتناقض مع القوانين المعمول بها في معظم الدول الأوروبية. ومن المأساوي أن تكون فرنسا، بلد حقوق الإنسان كما يحلو لأبنائها أن يتفاخروا، هي الملاذ الآمن لأصناف شتى من الطغاة والقتلة والجلادين ومصاصي دماء الشعوب.

غضب عارم بعد إغتيال الحريري

وإذْ يشدّد جان ـ كريستوف روفان، السفير الفرنسي السابق لدى السنغال، في حديث مع صحيفة الـموند، على حنين بعض المسؤولين الفرنسيين إلى عقود الإستعمار القديم، وتعطشهم إلى إدامة صيغة أعلى من الهيمنة على مقدّرات أفريقيا، ضمن ما يُعرف بسياسة فرنسأفريقيا FranAfrique؛ فإنه يؤكد أنّ السكرتير العام لقصر الإليزيه، كلود غيان، هو مهندس هذه الاحتفالية الأفرو ـ فرنسية. ولا يرتدي التفصيل صفة المصادفة العابرة إذا تذكّر المرء أنّ غيان هو، نفسه، الصديق الصدوق للنظام السوري، ليس في عهد ساركوزي الرئيس فحسب، بل منذ أن تولى الأخير حقيبة الداخلية وكان غيان مدير مكتبه، حتى في ذروة غضبة الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك على بشار الأسد، بعد اغتيال رفيق الحريري.

فرنسا الراهنة
والحال أنّ نبش بعض دفاتر ماضي فرنسا الأفريقي ليس سوى الجولة الأحدث في رياضة ساركوزي الأثيرة، التي لم يتوقف عن ممارستها منذ انتخابه في أيار (مايو) 2007، أي الظهور بمظهر القادم إلى الحكم والسياسة والاجتماع والاقتصاد الفرنسي من منطقة بكر، جديدة تماماً، مبتكرة مستحدثة، لم يطأها قبله أيّ سياسي في تاريخ الجمهورية الخامسة. فبعد اقلّ من خمسة اشهر على انتخابه، ألقى ساركوزي خطبة عصماء عجيبة، تكاد غرائبها تجعل المرء يفكّر في أنّ كبار زعماء التحرر الوطني، من أمثال أحمد سيكوتوري أو كوامي نكروما أو جمال عبد الناصر، هم الذين ينطقون... بلسان رئيس فرنسا الراهنة! هنا بعض الفقرات، التي اقتُبست بالحرف..

معالجة القضية
ـ أناشد الأمم المتحدة أن تعالج مسألة توزيع الأرباح، ومكاسب البضائع الجديدة والموادّ الخام ومنافع التكنولوجيا، على نحو أكثر عدلاً. وأن تعالج قضية إدخال أخلاقية جديدة إلى الرأسمالية المالية، بحيث توضع في خدمة التنمية.
ـ العدالة تعني توفير فرص النجاح ذاتها لكلّ طفل فقير في العالم، تماماً على غرار ما يتوفر من فرص لكلّ طفل غني.
ـ ارتباط المرء بعقيدته الدينية، بلغته وثقافته، وبأسلوب عيشه وفكره ويقينه، كلّ هذا طبيعي وشرعي وإنسانيّ بالمعنى العميق. وإنكار هذا الأمر يزرع بذور الإذلال. إنه يشعل نيران التعصب القومي، والتشدد المذهبي، والإرهاب الذي نزعم أننا نحاربه.
ـ لا يمكن تفادي صدام الحضارات عن طريق إجبار الجميع على اعتناق اليقين ذاته، والتنوّع الثقافي والديني ينبغي أن يكون مقبولاً في كلّ مكان ومن الجميع.
ـ الأمم المتحدة تجسّد ما هو كوني في كلّ الإيديولوجيات، وكلّ الأديان، وكلّ العقائد، ولهذا فإنها المكان الوحيد في العالم حيث يستطيع جميع الناس التحادث فيما بينهم، وفهم بعضهم البعض...

أركان العالم الوردي
وقبل التبشير بأركان العالم الورديّ الجميل العادل هذا، كان ساركوزي قد طالب بـصفقة جديدة: ما نحتاج إليه الآن هو ذهنية جديدة... ونحتاج إلى صفقة جديدة ترتكز على فكرة أنّ المنافع المشتركة التي تخصّ الإنسانية بأسرها، هي مسؤوليتنا جميعاً. ولكي لا يكون ثمة التباس حول الطبيعة التاريخية والدلالية للمصطلح، اختار ساركوزي أن يستخدم الأصل الإنكليزي New Deal! ورغم أنّ مفردات الخطاب قُدّت من لغة خشبية طوباوية تفوح منها روائح الزيف والنفاق وذرّ الرماد في العيون، فإنّ اختيار ساركوزي ذلك المصطلح، وهو فصل في تاريخ الولايات المتحدة والإمبريالية الحديثة، كان ينقض ما بشّر به قبل حفنة كلمات في الخطاب ذاته، من وجوب الامتناع عن فرض العقائد على الآخرين.
 

مقالات متعلقة

º - º
%
km/h
3.75
USD
3.95
EUR
4.75
GBP
330103.05
BTC
0.52
CNY
.