عن واقع الحاضر غائب والغائب حاضر- بقلم: د. عزمي بشارة

كل العرب
نُشر: 01/01 15:25

- ابرز ما جاء في مقال عزمي بشارة :

* هنالك قوى عربية لديها مصلحة في تصوير العرب المؤيدين للتسوية والمتعاونين مع إسرائيل كوطنيين

* التواصل مع التيار الوطني، القومي والإسلامي، المنظم في الداخل والاستماع لتقييماته للأوضاع المركبة داخل فلسطين هو أفضل من اعتماد وسائل الإعلام الإسرائيلية

تحول العرب داخل خطوط الهدنة، التي تكنى خطا أخضر، إلى أقلية من 150 ألف عربي داخل دولة يهودية، لأن الأكثرية شُرِّدت، تحولت إلى لاجئين. قضية اللاجئين الفلسطينيين وقضية ما يسمى "العرب في إسرائيل" الذين يربو عددهم على المليون مواطن حاليا، هما تاريخيا توأمان. كلاهما نشأ عام 1948.

إسرائيل دولة أيديولوجية صاحبة مشروع
وإسرائيل من الدول الإيديولوجية القليلة المتبقية صاحبة مشروع. يسمى مشروعها "جمع الشتات"، كما يسمى "تهويد الأرض وتهويد العمل"، إضافة إلى "دولة اليهود"، و"الدولة اليهودية". وهي تعلن نفسها دولة لكافة اليهود في العالم. إنهم حاضرون في التشريع (قانون العودة)، وفي الإيديولوجيا، وفي بنية الدولة ووظائفها، وفي حقوق المواطنة (إذا رغب أي منهم أن يأتي بلادنا ويحصل عليها) حتى وهم غائبون. والعرب الذي بقوا في الداخل غائبون بالنسبة للدولة في يتعلق بتاريخ البلاد، وهم أعداء حين يتعلق الأمر بالملكية على الأرض، وهم خصوم لها حين يصرون على حقوقهم السياسية القومية.
الغائب إذا حاضر، والحاضر غائب في بلادنا.

عن تعامل العرب مع "عرب الداخل"
لم يكن لدى التيارات السياسية العربية ومنها التيار القومي العربي الذي حدد الخطاب السياسي لفترة طويلة تصورا لكيفية التعامل مع قضية العرب الذين بقوا في أراضي فلسطين المحتلة عام 1948 وأصبحوا مواطنين في إسرائيل. ولا أظننا نبالغ إذا قلنا أن التوجه إليهم تراوح بين اعتبارهم إسرائيليين واعتبار العلاقة معهم تطبيعا وبين اعتبارهم بالمجمل أسطورة صمود. ولم يترتب ذلك على تغيّر في التشخيص او المنهج، وإنما نتيجة تغيّر الأوضاع العربية. فمن يريد أن يحارب ينزع لرؤية الكيان بمجمله كعدو، ومن يريد تسوية وتطبيعا ينزع إلى النفور من القوى الوطنية الجذرية وإلى تجميل المتأسرلين من عرب الداخل كأنهم وطنيون.
وتجنب كل علاقة تطبيع مع إسرائيل يعني تجنب أدواته، وقد تكون هذه الأدوات عرب في أحزاب صهيونية أو حتى أحزاب عربية من الداخل. فبعضهم يقبل أن يكون أداة تطبيع "وجسر سلام". ومن ناحية أخرى لا بد من إيجاد السبل للتواصل مع القوى الوطنية في الداخل والمقصود هو التواصل الذي يصب باتجاه تنظيم العرب في الداخل على أساس أنهم جماعة قومية هي جزء من الشعب الفلسطيني والأمة العربية .

ويجب ألا تكون هذه الصلة ممرا للتطبيع.
ولا شك أن التواصل مع التيار الوطني، القومي والإسلامي، المنظم في الداخل والاستماع لتقييماته للأوضاع المركبة داخل فلسطين هو أفضل من اعتماد وسائل الإعلام الإسرائيلية، ومنها "عربية إسرائيلية"، أو اعتماد التصريحات والانطباعات الإعلامية وحدها. وبعض السياسيين العرب في الداخل يتحدث في المحطات الفضائية العربية بما يخالف دوره الحقيقي في الداخل أو ينطق بالعربية بموقف وبالعبرية بموقف آخر... وهم معروفون ولا داعي للإسهاب. وليس كل من يتحدث العبرية هو خبير بإسرائيل كما أنه ليس كل من يتحدث العربية خبير بالمجتمعات والدول العربية.

انفتاح العالم العربي على القوى الوطنية
وكانت المشكلة دائما بالنسبة لنا أن تسببنا في انفتاح العالم العربي على القوى الوطنية قد يؤدي إلى استغلاله للتواصل مع عناصر انتهازية ومشبوهة، بحجة أن الجميع وطنيون والجميع مخلصون. وهنالك قوى عربية لديها مصلحة في تصوير العرب المؤيدين للتسوية والمتعاونين مع إسرائيل كوطنيين. هؤلاء يتوقعون من عرب الداخل أن يتأسرلوا وأن يتحولوا إلى "قوى سلام إسرائيلية".
لا بد هنا من إعمال العقل السليم والتمييز، فليس عرب الداخل حالة سياسية موحدة. وإذا لم تكن القوى السياسية في البلدان العربية واثقة من قدرتها على التمييز بين الصالح والطالح، فالأفضل هو الانتظار والتروي وعدم الاندفاع.

وطنيون.. عملاء.. متأسرلون..
والتحدي هو عدم السقوط في تعميمات من نوع تخوين الجميع (فهنالك الكثير من الوطنيين) أو تحويل الجميع إلى أبطال (فهنالك الكثير من المتأسرلين والعملاء، وهذا ليس مستغربا في ظروف مواطنة إسرائيلية). والحذر مطلوب لأن التعددية الحزبية العربية هي داخل الإطار الإسرائيلي البرلماني وغير البرلماني. وهي تعبر عن ذاتها وتتناقش فيما بينها بأدوات إسرائيلية من ضمنها الإعلام الإسرائيلي. أما الإعلام العربي المحلي فهو -حتى حين تتوفر النيات الحسنة- ممول من الدعاية التجارية والحكومية من قبل الوزارات المختلفة والشركات الكبرى.

إمكانية بناء حركة وطنية فلسطينية
والمسألة التي نناقشها هي إمكانية بناء حركة وطنية فلسطينية وتيار قومي في ظروف المواطنة الإسرائيلية. والإجابة على هذا السؤال ليست سهلة على الإطلاق. إذ لا وجود لبنية طبقية عربية منفصلة عن البنية الطبقية للمجتمع الإسرائيلي، وكذلك لا وجود لعمل سياسي فعلي على نطاق واسع خارج إطار الحقوق السياسية التي توفرها المواطنة.
بهذا المعنى ودون قاعدة اجتماعية طبقية تسندها، تبقى قوة الحركة الوطنية إلى حد بعيد مسألة معنوية وسياسية ذات علاقة مباشرة بالوعي السياسي، ووعي التمييز العنصري والاستغلال الطبقي. والوعي السياسي يتأثر إلى درجة كبيرة بالأوضاع السياسية على الساحة العربية في العالم العربي. فكلما ازدادت أزمة المشروع العربي، وكلما تفاقمت المسألة الطائفية في بعض الأقطار العربية مثلا، انعكس ذلك فورا على شكل انتكاسٍ للوعي العربي في الداخل بشكل ملحوظ.

تابع كل العرب وإبق على حتلنة من كل جديد: مجموعة تلجرام >> t.me/alarabemergency للإنضمام الى مجموعة الأخبار عبر واتساب >> bit.ly/3AG8ibK تابع كل العرب عبر انستجرام >> t.me/alarabemergency

مقالات متعلقة